سبعون عاما على ثورة 23 يوليو الناصرية.. نقلت مصر من العبودية إلى الكرامة القومية زياد شليوط

تمر اليوم الذكرى السنوية السبعين لثورة 23 يوليو، التي قام بها تنظيم “الضباط الأحرار” في الجيش المصري، وعلى رأسه الضابط جمال عبد الناصر، يوم 23 تموز 1952، والتي عرفت بـ”الثورة البيضاء”، حيث لم يتم خلالها إراقة نقطة دم، لأن الشعب تجاوب معها وأيدها منذ البداية، نظرا لما عاناه من جور واستعباد في ظل النظام الملكي العميل، كما انضمت إليها كافة وحدات الجيش المصري، بفضل سرعة تحرك وتواصل قيادات الثورة مع ضباط الوحدات، الذين أيدوا أيضا حركة الجيش لما حملته من رسائل تهدف إلى تصحيح الأمور في مصر وانهاء حكم الذل والعبودية.

تحل الذكرى السبعون للثورة وقد تغير المشهد السياسي في مصر والوطن العربي والعالم رأسا على عقب، وبات بحاجة إلى ثورة جديدة على نمط 23 يوليو، تضع حدا لحالة الذل والاستعباد الفكري على الصعيد العربي، وتعيد للمواطن العربي كرامته واعتزازه بعروبته. 

قامت الثورة على ست نقاط تمكنت وبسرعة من تحقيقها باستثناء السادسة. بعد أسبوعين فقط من اعلان الثورة قامت بتطبيق خطة “الإصلاح الزراعي”، التي وضعت حدا للاقطاع واستعباد الفلاحين ووزعت الأراضي على الفلاحين حيث تحول الفلاح من أجير مستعبد ذليل، إلى مالك سيد لأرضه، وبذلك حققت تنفيذ النقطة الثانية “بمواجهة الاقطاع”. وبعدها بعامين أجبرت الثورة الفتية قوات الاحتلال الإنجليزي على الخروج من أرض مصر بموجب “اتفاقية الجلاء”، واستعادت مصر أراضيها واستكملت السيطرة عليها قيد أو شرط النقطة الأولى “بالقضاء على الاستعمار وأعوانه”. والتفتت الثورة إلى طبقات الشعب المسحوقة، فقامت بتأميم المصانع والشركات الأجنبية التي كانت تمتص عرق ودماء الشعب المصري، وحولت ملكيتها إلى الدولة ووضعتها في خدمة الشعب، وقامت بانشاء القطاع العام الذي أحيا قطاع العمل والاقتصاد المصريين وحققت الثورة بذلك النقطة الثالثة القائلة “القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم”. كما عملت الثورة على انهاء استغلال الشعب واستبداده بالقوانين الظالمة، وسعت نحو “إقامة عدالة اجتماعية” وهي النقطة الرابعة للثورة.

ثم قامت الثورة ببناء جيشها الوطني الذي تصدى للعدوان الثلاثي عام 1956 بمؤازرة الشعب المصري خاصة في مدن القنال، وتمكن تحالف الجيش والشعب من ايقاف الانزال البحري للقوات الغازية، وتكبيدهالخسائر الجسيمة إلى أن قبلت الدول الغازية بقرار مجلس الأمن وانسحبت تجر أذيال الخيبة من أرض مصر العربية. وعندما تعرض الجيش لهزيمة نكراء في عدوان حزيران 1967، قام القائد جمال عبد الناصر بإعادة بناء الجيش من الصفر، واعداد كوادره بتسليحه بالعلم قبل الآلة، وتسليح الجيش بأحدث المعدات السوفييتية، حتى خاض حربه في أكتوبر 1973 وحقق نصرا مشهودا. فكان ذلك تحقيقا للنقطة الخامسة “إقامة جيش وطني قوي”.

أما النقطة السادسة وهي “إقامة حياة ديمقراطية سليمة”، فقد تم التمهل في تنفيذها نظرا لما عانته مصر من تزييف للإرادة السياسية وتلاعب بالحياة الحزبية المزيفة والفاسدة، واهتمت الثورة بتنفيذ رغبات ومطالب الشعب بدل التلهي بالنقاشات السياسية التي لا تشبع جائعا ولا توفر عملا لعامل ولا أرضا لفلاح. وتراكمت التحديات السياسية والعسكرية أمام الثورة ومجلسها القيادي، حتى فوجيء الجميع برحيل قائد الثورة ورئيس الجمهورية جمال عبد الناصر مبكرا وهو يسعى إلى تحقيق أهداف الثورة كاملة وتطويرها.

ولم تنغلق الثورة على نفسها وبلدها، بل أولت القضايا العربية جلّ اهتمامها وعلى رأسها القضية الفلسطينية، خاصة وأن أحد أسباب قيام الثورة هو هزيمة الجيوش العربية الفاضحة في فلسطين 1948 وانكشاف مسألة “الأسلحة الفاسدة”، وعمل الرئيس عبد الناصر ونجح في تحويل قضية فلسطين من مسألة إنسانية صرف، تتمحور بمساعدة اللاجئين إلى قضية شعب ذي حقوق سياسية وانسانية ووطنية، وتبنى المقاومة الفلسطينية المسلحة التي انطلقت عام 1965 وأكد بأن الثورة وجدت لتبقى وأضيف إليها لتنتصر.

ونقشت ثورة 23 يوليو على علمها شعار “الحرية، الاشتراكية، الوحدة”، وحرصت على تطبيق تلك الشعارات ميدانيا في الداخل والخارج وحتى على المستوى العالمي. فسعت الثورة إلى الوقوف إلى جانب الشعوب العربية المقهورة في ثوراتها للتخلص من الاستعمار والاستبداد والرجعية مستلهمة ثورة يوليو، فقامت الثورات على التوالي في العراق والجزائر واليمن وليبيا والسودان وغيرها، وأخذت الشعوب العربية تنال حريتها، وطبقت الثورة الاشتراكية في اقتصادها وزراعتها ونما المدخول الاقتصادي وانتعشت الزراعة في مصر وعاش الشعب بكرامة يعمل وينتج بهامة مرفوعة، كما حدثت نهضة ثقافية وعلمية وفنية وعاشت مصر أزهى فترات تاريخها في ظل الثورة وخاصة في عهد قائدها ومفجرها جمال عبد الناصر. وكان من الطبيعي ان تنجح الثورة في تحقيق الشعار الثالث والذي رأى فيه البعض استحالة التطبيق على أرض الواقع، وقامت الوحدة لأول مرة بين دولتين عربيتين سوريا ومصر تجمعهما “الجمهورية العربية المتحدة” بين العامين 1958-1961، الأمر الذي أثار ضغينة وحقد الاستعمار والرجعية ومعهما إسرائيل، فعملوا على تقويض أسس هذه الوحدة ونجحوا في تفكيكها مع بعض المتعاونين من الداخل، مما أجهض التجربة لكنه لم يقتل الفكرة، وذ1لك وفق مقولة عبد الناصر بأن فكرة الوحدة والقومية كانت قبل عبد الناصر وستبقى بعد عبد الناصر.

في هذا اليوم وهذه الذكرى العزيزة نستذكر ما قاله مفجر الثورة القائد الخالد جمال عبد الناصر في “الميثاق” الذي قدمه للشعب عام 1962 “إن يوم 23 يوليو 1952 كان موعد التفجير الثوري، وفيه استطاع الشعب المصري أن يعيد اكتشاف نفسه، وأن يفتح بصره على إمكانيات هائلة كامنة فيه”. نعم إن لدى الشعب المصري طاقات هائلة وقدرات كبيرة، وقد أثبت ذلك حين تجاوب مع ثورته الخالدة وقائدها، وعمل على بناء دولته واستعادة حضارته العظيمة، وقد أثبت ذلك في ثورته على نظام الفساد في يناير 2011 وثورته ضد نظام الردة والظلامية في يونيو 2013، التي حمل نشطاؤها صور عبد الناصر في إشارة إلى الرغبة في تصحيح المسر والعودة بمصر إلى طريق ثورة 23 يوليو طريق عبد الناصر الذي أثبت أنه الوحيد القادر والمؤهل للنهوض بمصر والوطن العربي ثانية. 

(شفاعمرو – الجليل)

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*