عين أم الدّرَج هي عين جيحون وعين ستّنا مريم – فوزي حنا

لنبدأ بالاسم، فجيحون تعني الفوّار، وهي كانت نبعًا فوّارًا أي متقطّع العطاء، لكنّ تغيّرأت في الفراغات الصّخريّة غيّرت هذا الأمر. وجيحون من أنهار الجنّة وهي من ماء الجنّة كما سيأتي لاحقًا.  وبما أن النزول إليها بدرج إلى باطن الأرض دعوها أم الدّرَج، ولقدسيّتها وموقعها في مدينة قضت فيها العذراء مريم طفولتها سمّوها باسمها…المدينة المقدّسة فقيرة بالمياه، وقد يكون هذا النبع هو الأغزر والأقرب لقلبها، ويقع جنوب تلّة الظّهور (الأوفل) وعلى الحدود الشّرقيّة ليبّوس الكنعانيّة التي صارت مدينة داود ثمّ سلوان. اعتبر السّكّان على مرّ التاريخ هذه المياه مقدّسةً، جاء في المنشأة اليهوديّة أنّهم كانوا يباركون بها الهيكل في عيد العُرش، وكانت تغسل ذنوبهم لأنّها أطهر مياه في الأرض، فهي النابعة من تحت صخرةٍ هي من الجنّة وهي مصدر الحياة وهي مركز الدنيا وهي الرّابط بين الأرض والسّماء. وقد اغتسلت النساء بهذه المياه لاعتقادهم أنّها تساعد على الحبَل  والإنجاب. وفي أعقاب ذلك قدّسها المسيحيّون، وليس أدلّ على ذلك من معجزة شفاء الأعمى التي قام بها السيّد المسيح والمذكورة في إنجيل يوحنّا9، إذ طلى عيني الأعمى بالطّين وأمره أن يغتسل في بركة سلوام (سلوان) فذهب واغتسل وعاد بصيرًا. وإسلاميًّا تُعتَبَر هذه من مياه الجنّة كما زمزم فهي النابعة من تحت أشرف الصّخور كما جاء في الحديث الشريف(أشرف الصخور صخرة بيت المقدس). قال ياقوت الحموي في معجمه: عين سلوان عين نضّاحة،يُتبرّك بها ويُستشفى في البيت المقدّس.وقال المعرّي:وبعين سلوان التي في قدسهاطعم يوهم أنّه من زمزمِ .ويروي محمّد بن عبد الوهّاب المكناسي في الكتاب الذي حقّقه الدكتور محمّد بوكبوط، صدر في أبو ظبي عن دار السويدي 2006، واسمه (إحراز المعلّى والرّقيب في حجّ بيت الله الحرام وزارة القدس الشريف والدليل والتّبرّك بقدر الحبيب):  يروي عن رجل هندي سقط منه قدح في زمزم، وبعد حين وجده في القدس وعرفه وقد لفّه بجلد مخفيًا دنانيره، ويقول المؤلّف إنّه رأى القدح في المسجد الأقصى.فلا غريبة بعد هذا كلّه أن جعلها الخليفة عثمان وقفًا إسلاميًّا…بين العين وبركة تسمّى بركة سلوان نفق  طوله 533 م وارتفاعه يتراوح بين 1.45 و5م، أما العرض فلا يزيد عن 60سم، وهناك اختلاف كبير بين الرواية العربية الإسلاميّة وبين الرّوأية اليهوديّة حول تاريخ حفره، ففي حين تقول المصادر الدينية اليهودية إنّه من زمن الملك حزقياهو في القرن الثامن قبل الميلاد (701 ق.م)، بينما تروي المصادر العربيّة أنّها كنعانيّة من العصر البرونزي.اكتَشَف هذا النّفق الباحث إدارة روبنسون سنة 1838، وفي العام 1880 اكتشف شاب يهودي نقشًا داخل النّفق مكتوبًا بحروف عبريّة قديمة شبيهة بالكنعانيّة، ليتمّ اقتلاعه لاحقًا، سنة 1890، وخلال محاولات سرقته تكسّر لعدّة أقسام، ولا يدلّ ما جاء فيه على زمن أو اسم، بل على عملية الحفر.  النقش موجود اليوم في متحف في اسطنبول، وتحاول السلطات الإسرائيلية الحصول عليه.(يظهر النقش وتحته توضيح للكتابه في إحدى الصّوَر).وهذا ترجمة لما جاء فيه:(…… النفق وهذه قصّة النفق بينما معول أحدهم معاكس لمعول الآخَر ولمّا بقيت ثلاثة أذرع ليخرق …… صوت رجل ينادي نظيره من جهة إلى أخرى أنّه وجد في الصّخر زده على اليمين وفي يوم الخرق تضاربت معاول الحفّارين معول يقابل معولًا. جرت المياه من النبع إلى البركة على بعد ألف ومئتي ذراع وارتفاع مئة ذراع ……. فوق رؤوس الحفّارين.)في مخرج النّفق حيث تتجمّع المياه في بركة سمّأها العرب بركة الحمره بنى الرّومان حمّامًا ومعبدًا وثنيًّا، ثم بنى البيزنطيّون بدل المعبد كنيسة، ثم بنى العثمانيّون مكانها مسجدًا ما زال موجودًا حتى اليوم.

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*