مرج ابن عامر (سهل )

ويعرف بمرج بني عامر نسبة إلى بني عامر من كلب* الذين استقروا فيه منذ بداية الفتوح الاسلامية. وهو أعظم سهل داخلي في فلسطين من حيث المساحة والقيمة الاقتصادية. ومساحته تقدر بنحو 360كم2 وتنتشر فيه القرى هنا وهناك وتكاد جميع أرجائه تكون مستغلة في زراعة مختلف المحاصيل، ولا سيما الحبوب*، لأن تربته خصبة تصلح للزراعة المروية والبعلية على السواء.

يقع سهل مرج ابن عامر بين وحدتين جبليتين رئيستين في فلسطين هما جبال الجليل* الأدنى في الشمال وجبال نابلس* – الكرمل في الجنوب والجنوب الغربي. وأهم الكتل الجبلية المشرفة عليه من الشمال جبال الناصرة، وهي تعلو وسطيا نحو 400 م عن أرض السهل التي يقارب ارتفاعها المتوسط 50م عن سطح البحر. وأما في جهة الشرق حيث يتصل السهل بوادي نهر جالود* المنتمي إلى غور الأردن* ونهره فتظهر ثلاث كتل جبلية منفصل بعضها عن بعض، أولاها جبل الطور (أو طابور) في الشمال وتليها كتلة جبل الدحي الناهضة شرقي بلدة العفولة* ثم كتلة جبل فقوعة. وتطوق السهل في الجنوب والجنوب الغربي جبال نابلس وجنين فكتلة أم الفحم فجبل الكرمل* وتفصله عن السهل الساحلي الفلسطيني ووسط فلسطين. وتراوح ارتفاعات الجبال المذكورة بين 300 و500 م عن سطح البحر. وهكذا يأخذ السهل شكلا قريبا من مثلث قاعدته في الجنوب الغربي وضلعاه في الشرق والشمال، مع ألسنة سهلية مندسة بين جبل الدحي والناصرة وجبل فقوعة ونابلس- جنين حيث يمتد سهل جنين الصغير. فمحور الامتداد الرئيس للسهل وانحدار سطحه العام هما من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي حيث يضيق وينحصر بين جبل الكرمل والنهايات الغربية لكتلة الناصرة وتلالها، ويقتصر الأمر على ممر ضيق عرفه 500 م لوادي نهر المقطع الذي يصرف مياه السهل باتجاه سهل عكا* فالبحر المتوسط عند خليج عكا*.

 مرج ابن عامر عبر التاريخ: لمرج ابن عامر منافذ ذات قيمة تجارية واستراتيجية يقع أولها – وهو وادي عارة الذي ينتهي إلى سهل فلسطين الساحلي شمالي مدينة طولكرم* – وسط جبال الكرمل عند تل المتسلم (مجدو أو اللجون). وهذا المنفذ ممر ضيق في بعض أجزائه، ولذا يسهل الدفاع عنه عسكرياً. ويقع المنفذ الثاني إلى الشمال الغربي بين جبال الكرمل وجبال الناصرة. وهو منفذ عريض يتكون عند بلد الشيخ من انحسار تلك الجبال قليلاً ويمتد إلى سهل عكا* (ورأسا إلى مدينة حيفا). وأما المنفذ الثالث فيقع بين جبال الناصرة وجبل طابور ويصل مرج ابن عامر بالطريق الرئيس الواقع شمالي بحيرة طبرية* عند مخاضه الأحزان (حيث بني جسر بنات يعقوب فيما بعد) والمؤدي إلى دمشق. والمنفذ الرابع – وهو أعرضها وأوسعها – يصل المرج بالجزء الشمالي من غور الأردن وينتهي ببيسان. وهذا المنفذ هو الطريق الطبيعي بين مرج ابن عامر وشمال الأردن (إلى اربد والحصن). وثمة منفذ أخير من جنين إلى الجنوب. ويجتاز هذا المنفذ طريق يمر بعرابة* وسيلة الظهر* وينتهي بسبسطية* (ومن هذه يتفرع إلى نابلس شرقا في جنوب، وإلى طولكرم غربا).

يتضح من هذا العرض المقتضب أن مرج ابن عامر نقطة التقاء عدد من الطرق التي تصل بين السهل الساحلي (ومنه إلى مصر) ومنطقة بحيرة طبرية (ومن هناك إلى دمشق) وسهل عكا (ومن ثم إلى جبل عامل في لبنان) وشمال الأردن. وقد استعملت هذه الطرق جميعها في عصور التاريخ المختلفة، مع اختلاف وسائل النقل من الدواب إلى العربات (وخاصة الرومانية) إلى آليات الطرق الحديثة والسكة الحديدية. فلما مدت سكة حديد الحجاز فرعها من درعا إلى حيفا مرت السكة بمرج ابن عامر من بيسان إلى العفولة الى حيفا. ومن العفولة مدت سكة إلى جنين فعرابة فسيلة الظهر فطولكرم ونابلس (رَ: السكك الحديدية).

كان السهل الساحلي الفلسطيني دوما موضع نظر القواد العسكريين الذين كانوا يخرجون من مصر لاحتلال فلسطين وسورية. وكان كذلك موضع اهتمام قادة الجيوش القادمة من سورية إلى مصر. ولكن هذا السهل لا يصلح للعبور عند الكرمل ولذلك كان من الضروري البحث عن طريق آخر تسير فيه الجيوش المصرية إلى سورية أو الجيوش السورية إلى مصر. وكان مرج ابن عامر يوفر الطريق المناسب لذلك.

وتعود أول معركة قديمة لها وصف مفصل إلى سنة 1479 ق.م. ففي تلك السنة قاد الفرعون المصري تحتمس الثالث* جيشه لاحتلال فلسطين وسورية ولبنان. وكانت عيونه قد أنبأته بأمرين: الأول أن طريق الكرمل لا يناسبه، والثاني أن أمراء الدويلات السورية (بزعامة ملك قدش قرب حمص) كانوا قد تجمعوا في مجدو أو اللجون (أو تل المتسلم) واستعدوا هناك لحزبه. فلما وصل تحتمس إلى المنطقة الواقعة إلى الشمال من طولكرم اختار الطريق الأقرب لمفاجأة خصومه فسار في وادي عارة بالرغم من ضيقه ووعورة بعض أجزائه. ولم يكن الأمراء السوريون ينتظرون ذلك ففاجأهم بخيله ورجله وقضى عليهم وأسر الكبار وفر الصغار ووقعت في يديه غنائم كثيرة. وكان من جراء ذلك أن أصبحت الطريق إلى الشمال مفتوحة أمامه.

وفي القرن العاشر قبل الميلاد أدرك حكام بيت المقدس أهمية مرج ابن عامر الاستراتيجية. فأقاموا حصنا وحامية في مجدو للدفاع عن المرج وجبال نابلس. وفي القرن الثالث قبل الميلاد دارت رحى حروب كثيرة بين السلوقيين* ملةك سورية والبطلمة* ملوك مصر لامتلاك الجزء الجنوبي من سورية، وفلسطين وفينيقية بشكل خاص. وكانت الحربان الأخيرتان (219-217 ق.م. و202 – 200 ق.م.) في فلسطين، الأولى في رفح والثانية عند منابع الأردن. وفي الحملة على رفح سلك أنطيوخس السلوقي طريق مرج ابن عامر بجيشه الكبير. وفي القتال الذي دار حول منابع الأردن سلك الجيش المصري بعد هزيمته طريق مرج ابن عامر عائداً إلى مصر.

ولما قدمت الجيوش العربية إلى بلاد الشام فاتحة انتصرت في شمال الغور واحتلت فحل (بلا اليونانية) سنة 635م فأصبح الطريق أمامها مفتوحاً إلى مرج ابن عامر وسهل عكا (رَ: فحل، واقعة).

ولعل أهم معركة شهدها مرج ابن عامر في العصور الوسطى معركة عين جالوت*سنة 659هـ/1260م. ذلك أن هولاكو بعد أن احتل بغداد ودمرها سنة 656ه/1258م أرسل جيشه المغولي الكبير غربا الى بلاد الشام فاحتل شمالها وأواسطها (وقد وصلت طلائع من جيشه إلى غزة). ولكنه التقى في عين جالوت* الواقعة على الطريق بين زرعين وبيسان عند المنفذ المؤدي من مرج ابن عامر إلى الغور بالجيش المملوكي بقيادة قطز*. وكان القائد العسكري البارز في هذا الجيش الظاهر بيبرس* البندقداري. وفي عين جالوت انكسر المغول وردوا على أعقابهم ونجت بلاد الشام (ومصر) من شرهم.

وفي العصور الحديثة مر جيش نابليون (1799م) بمرج ابن عامر وقاتل جيشا عثمانيا على مقربة من جبل طابور ثم أطلق على عكا محاصرا. ولكنه عاد منها خائباً (رَ: الحملة الفرنسية).

ولما هاجم جيش محمد علي باشا بلاد الشام بقيادة ابنه ابراهيم باشا سلكت بعض فرق الجيش البري (أن ابراهيم أرسل بعض جنوده بحرا) طريق مرج ابن عامر إلى عكا (1831م) وحاصرتها ثم احتلتها (رَ: الحكم المصري).

وفي الهجوم الأخير للجيش البريطاني بقيادة النبي على أواسط فلسطين وشمالها عام 1918م سارت فرقة كبيرة من الجيش بطرق جنين الى الناصرة مجتازة مرج ابن عامر من جنوبه إلى شماله.

النشاط السكاني – الاقتصادي: تنتشر في سهل مرج ابن عامر قرى وتجمعات سكانية كثيرة تتركز بشكل خاص على أطرافه وأجزائه المرتفعة نسبيا للابتعاد عن تأثير الفيضانات،والتوفير الأراضي الزراعية، وللاقتراب من مصادر الماء الدائمة وفي طليعتها الينابيع والعيون. وقد وصف أحد الرحالة السهل أواخر القرن التاسع عشر فقال: “بحيرة خضراء يتماوج قمحها حول قرى ودساكر ناهضة كالجزائر فوق رواب مستقرة آمنة”. ومن قرى السهل العفولة التي كانت أم قرى مرج ابن عامر قبل تدميرها في عهد الانتداب البريطاني وانشاء مستعمرة صهيونية سكانها. ومنها صندلة ومقبيلة وعرابة وتعنك وخربة ليد وجنجار*وتل العدس وأبو شوشة* وخنيفس. وكان سكان هذه القرى العرب يمارسون مهنتي الزراعة وتربية المواشي. وفي مقدمة الزراعات الحبوب، ولا سيما القمح* الذي تتوافر له الشروط النموذجية في السهل فيزرع بعلا. وما زالت الحبوب المحصول الرئيس في السهل، وقد ازدادت فيه مساحات زراعة الذرة. وتعتمد الخضروات على الري وتنتشر زراعتها حول القرى وقرب مصادر المياه. وأما أشجار الفاكهة فتنتشر على هوامش السهل عتد أقدام الجبال المحيطة به. ويربي السكان المواشي، وأهمها الغنم والبقر، في المروج والمراعي التي يشتهر بها السهل، وأما المعز فعلى السفوح المطلة على السهل. وقد ازدادت مساحات الحقول المزروعة بعد تجفيف المستنقعات والبرك وارتفعت امكانية توسيع رقعة الأراضي المروية بعد تخزين مياه نهر المقطع في بحيرة الورقاني، مما زاد في انتاج الخضر* والفواكه. تخترق سهل مرج ابن عامر طرق مواصلات كثيرة للسيارات وللقطارات تربط بين الداخل والغور ومناطق الجليل وجنين من جهة، والبقاع الغربية الساحلية في سهل وخليج عكا وجبل الكرمل من جهة ثانية (رَ: الطرق). ويمر في السهل خط أنابيب شركة نفط العراق المعطل منذ 1948.

كان من الطبيعي أن تتجه أنظار المستعمرين الصهيونيين الى هذه البقعة الخيرة من فلسطين منذ بداية الاستيطان الصهيوني. وقد استغلوا السند البريطاني في عهد الانتداب فابتاعوا منذ عام 1910 معظم أراضي السهل التي كانت ملكا لتجار وعائلات غنية من لبنان وشردوا بمساعدة قوات الانتداب معظم السكان العرب من قراهم وأراضيهم.

بتصرف عن الموسوعة الفلسطينية

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*