حدث في مثل هذا اليوم 3 تموز 1962

حدث في مثل هذا اليوم 3 تموز 1962

جبهة التّحرير الوطني الجزائريّة تعلن انتهاء الثّورة الجزائريّة  بعد أن أقرّت فرنسا باستقلال الجزائرولم يبقَ سوى التّصديق الرّسمي على الاتّفاق بين الجانبين.

بدأت الأسلحة تصل للثّوّار من مصر فقد كان الرّئيس جمال عبد النّاصر المناصر الأوّل للثّورة الجزائريّة، وقد دفعت مصر ثمن هذا الموقف القومي العظيم،إذ اعتبرته فرنسا مبرّرًا لمشاركتها في العدوان الثّلاثي على مصر عام 1956، فقد وصلت في بداية العام 1955 شحنة أسلحة ثقيلة على متن سفينة حربيّة مصريّة، وقد احتوت على بنادق رشّاشة ورشّاشات ومدافع هاون وبازوكا وقذائف يد دفاعيّة وأسلحة من صنع ألماني وانجليزي، كانت اغلبيتها جديدة، عصريّة ومتقنة.(مذكّرات…ص99 ) كذلك وصلت أسلحة من دول عربيّة أخرى، حتّى الأقل تقدّميّة كالأردن والسّعوديّة.
اتّسع نشاط الثّورة فامتدّت إلى جهة وهران في الثّاني من تشرين الأوّل عام 1955، ثمّ جبال الونشريس، وقد حملت الجماهير العربيّة على طول الشّمال الإفريقي السّلاح، حيث أجبر ذلك الفرنسيّين على إعادة محمّد الخامس ملك المغرب الّذي كانت فد عزلته، وحصلت المغرب وتونس على الاستقلال فزاد ذلك من معنويّات الجزائريّين، لكن من ناحية أخرى أعطى هذا للفرنسيّين فرصة التّفرّغ لمحاربة الثّورة الجزائريّة. لكنّ محمّد الخامس الّذي عاد إلى الحكم بفضل الثّورة الجزائريّة بشكل غير مباشر، وعد الجزائريّين أن تبقى حدوده مفتوحة في كلّ لحظة لدخول وخروج الأسلحة والرّجال.
في الثّاني والعشرين من تشرين الأوّل عام 1956، ارغمت مقاتلات فرنسيّة طائرة مغربيّة على الهبوط وكان على متنها أحمد بن بيلة وثلاثة من قادة الثّورة، سجنوا وبقي هو ورفاقه في السّجن حتّى العام 1962 بعد استقلال الجزائر.
لقد تعامل الاحتلال الفرنسي مع الثّوّار الّذين كانوا يقعون في قبضتهم تعاملًا وحشيًّا، ولا يمكن استيعاب تحوّل الضّحيّة الّتي عانت من الوحش النّازي قبل عشر سنوات ونيّف إلى وحش كاسر.ونقرأ في رواية الّلاز للطّاهر وطّار وصفًا لطرق التّحقيق الّتي انتهجها المحقّقون الفرنسيّون مع الجزائريّين” منضدة خشبيّة تثبّت على سطحها مسامير حادّة، يوثق المعذّب عليها بأسلاك نحاسيّة، ويجلَد، فإذا لم يعترف يصبّون الماء المالح على الجراح، بعدها عملية الغطس في الماء مع الكهرباء، وإذا لم ينجحوا في كل ذلك يقتلعون الأظفار” ( اللّاز ص55 )
إنّ وصف نزار قبّاني للتّعذيب الّذي مارسه جلّادو لاكوست وآلاف الأنذال أمثاله هو حقائق تاريخيّة “سعال امرأة….أكلت من نهديها الأغلال، أكل الأنذال… لاكوست وآلاف الأنذال انتصروا اليوم على أنثى، أنثى كالشّمعة مصلوبة… سجائر تُطفَأ في النّهدين… يلهون بأنثى دون إزار، الجسد الخمريّ الأسمر تنفضه لمسات التّيّار، وحروق في الثّدي الأيسر في الحلمة، وفي وفي يا للعار.”

• دور الشّيوعيّين في الثّورة الجزائريّة*

كان للشّيوعيّين دور كبير في الثّورة الجزائريّة وكان همّهم الأول القضاء على الحكم الفرنسي الجائر، وقد انضمّ إلى الشّيوعيّين الجزائريّين المئات من الأحزاب الشّيوعيّة في العالم وخاصّة الحزب الشّيوعي الفرنسي، حتى انّ غير الشّيوعيّين شهدوا للشّيوعيّين، فهذا الشّيخ العلّامة عبد الحميد بن باديس مؤسّس جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين ومن أبرز زعماء القوميّة العربيّة في الجزائر، حيث كان عدوًّا للاستعمار ومنفتحًا على العصر يقول:” الّلهم اجعلنا في الدّنيا من أهل اليسار وفي الآخرة من أهل اليمين لأنّ الشّيوعيّة خميرة الأرض”. (مذكّرات…. ص102)
كان موقف الحزب الشّيوعي الجزائري معارضًا لطلب جبهة التّحرير الجزائريّة من الأحزاب حل نفسها منذ بداية الثّورة، فالموقف المبدئي لكل حزب عقائدي أن لا يحلّ نفسه، فأن يعلن حزب عقائدي عن حل نفسه وينسحب مناضلوه وإطاراته منه ليرتموا في أحضان جبهة أفراد لا يشاركون في قيادتها -على الأقل- فأمر خال من أي حزبيّة.
لذلك كانت هناك تصفيات جسديّة للشّيوعيين خلال الثّورة وبعد نجاحها، وكان الموقف العدائي لهم رغم كونهم الأجرأ في الثّورة، فهذا حمو أحد الثّوّار يتحدّث في رواية الّلاز عن زيدان الأحمر( عضو في الّلجنة المركزيّة للحزب) ” زيدان يفكّر أحسن منّا جميعًا، آراؤه دائمًا صائبة، واحكامه سليمة وتنبّؤاته صادقة….. إذا كان لأنّه أحمر فيجب أن نحمرّ كلّنا، يجب أن تحمرّ الثّورة كلّها لتفكّر تفكيرًا سليمًا وتصدر أحكامًا صحيحة ….وترى هل الشّيوعيّة شيئ محرّم مثل الخمر والزّنى والسّرقة والخيانة؟ حسبما أكّده المسؤول الكبير فإنّها أكثر من كلّ هذه المحرّمات.( الّلاز ص75 )
إنّ صمود الشّيوعيّين وإصرارهم على مواقفهم أدّى إلى تصفيتهم جسديًّا فهذا زيدان في الّلاز يقول: “المسؤول الكبير سألني في المرّة الأخيرة، هل ما زلت شيوعيًّا أحمر؟ أفهمته أنّ الشّيوعيّة ليست رداء ننزعه في الوقت الّذي نشاء، وانها عقيدة تقوم أول ما تقوم على الإقناع المدرك للحياة، رأيته يتقزّز ويشمئزّ حين حاولت إفهامه بعض المبادئ… وبعد لحظات قال إنّه سيرفع تقريرًا إلى القيادة في الخارج وينتظر موقفهم.
وضعي خاص ولو كنت أيّ شيوعيّ آخر لقُضِي عليّ دون استشارة احد، أكّد على ذلك مرارًا ولست أدري ما إذا أثّرت فيه بتأكيدي أنّ العمل العاجل أمامنا هو القضاء على العدو المستعمر أوّلًا، وبعد ذلك ننصرف إلى شؤوننا. ( الّلاز ص74 )
سأنقل حوارًا جرى في الصّفحات الأخيرة من رواية الّلاز، رغم كونها رواية إلّا إنها تعكس الحقائق التاريخيّة المؤكّدة، وتفتح شهيّة القارئ لقراءتها إن لم يقرأها وتحثّه أن يقرأها ثانية إن كان قد طالعها في الماضي.
يُقاد زيدان بأمر من القيادة للتّحقيق، في نفس الوقت يُحضَر خمسة شيوعيّين أجانب مقيّدين
“القائد: اتّخذ القرار في شأنكم، بالنّسبة لزيدان لا بُدّ من تبرّئه من العقيدة وانسلاخه من الحزب وإعلان انضمامه للجبهة (جبهة التّحرير الجزائريّة)، وبالنّسبة لكم أنتم، التّبرّؤ أيضًا والدّخول في الإسلام.
ردّ ثلاثة الأوربّيّين، وما معنى كفاحكم إذًا؟ وفضّل رابع الصّمت، بينما استرق الإسباني نظرة…
– وإذا لم تتمّ الاستجابة لطلباتكم، فهل هناك حلّ آخر؟
– آه، نعم، الذّبح!
فرفع الإسباني رأسه وتساءل: وهل يمكن أن تصدّقونا إذًا……
– تكتبون بيانًا تدينون فيه مواقف أحزابكم، ونحن نتولّى إرساله إلى الصّحافة العالميّة….فقد قرّرنا حلّ جميع الأحزاب وتكوين جبهة موحّدة.
– وطبعًا الحزب الشّيوعي الإسباني، أمر منعه أو حلّه موكول إلى فرانكو وحده وليس لكم، تساءل الإسباني، وأضاف أحد الفرنسيّين: وهل قرّرتم أيضًا حلّ الحزب السّوفييتي؟
– الحزب الشّيوعي الجزائري يرفض حلّ نفسه ويعارض الثّورة.
– لا يعارضها، إنّه بدوره يخوضها، علّق زيدان.
– كلّكم شيوعيّون، كلّكم على السّواء، وقد جئتم إلى ثورتنا لتخربوها. (الّلاز ص152- ص155)
………………………………….
………………………………..
-ألم تغيّروا موقفكم إذًا؟
وأشار بحركة من رأسه إلى أفراد وحدة حراسته، فانبروا يوثقون السّتّة وسرعان ما حضر الذّبّاح.
طُرِح الفرنسيّ أرضًا… كان السّكّين قد حزّ عنقه
طُرِح الفرنسيّ الثّاني… قطع السّكّين عنقه وتطاير دم غزير…
ارتفع صوت القبطان الإسباني وزيدان والاثنان الآخران “انهضوا معذّبي الأرض.
هوى الإسباني ولحقه الفرنسي المزارع ولحقه الرّابع هاتفًا: تسقط الامبرياليّة، يسقط الاستعمار، تسقط الرّجعيّة.
وصل دور زيدان.
– أعطيك فرصة أخيرة يا زيدان، بعض كلمات تقولها وهذا كلّ ما في الأمر.
– ليس لي اتّخاذ أي موقف شخصي في مسائل تعود للحزب، يجب أن تعلم هذا عن الشّيوعي يا شيخ.
– ألحقوه بالكفّار”. (الّلاز ص185- ص188)
لم يرتدع الشّيوعيون واستمرّوا في الثّورة لأنهم كانوا مخلصين للهدف الأسمى وهو كنس الاستعمار الفرنسي والحصول على الاستقلال. لكنّ التّصفيات استكملت بعد نجاح الثّورة والحصول على الاستقلال.

 

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*