تاريخ نشوء “الحزب الشّيوعي السّوري الّلبناني”

بقلم اسكندر عمل

عيد العمال من تصميم خالد فني – موقع جمول

في النّصف الأوّل من أيّار 1925 توحّدت كل المنظّمات الشّيوعيّة في منظّمة واحدة وتشكّلت لجنة مركزيّة “الّلجنة المركزيّة للحزب الشّيوعي في لبنان وسوريا”، وتشكّلت من فؤاد الشّمالي ويوسف يزبك وتيبر وهيكازون بوياجيان وأرتين مادويان (بعد انضمام “عصبة سبارتاكوس الأرمنيّة إلى الحزب) وأضيف إليهم عامل الدّخان فريد طعمة

لم يقتصر نشاط الحزب على النّشاط النّقابي في المرحلة السريّة، فقد قاد الشّيوعيّون مظاهرات ضد الاستعمار وممارساته في العالم العربي، ففي أيّار 1931 انطلقت مظاهرة شعبيّة في طرابلس احتجاجًا على إعدام السّلطات الفاشستيّة الايطاليّة للمناضل الوطني الّليبي عمر المختار، وكان على رأس المتظاهرين المناضل الشّيوعي أحمد زكي الأفيوني

قبل الحديث عن تاريخ نشوء الحزب الشّيوعي في سوريا ولبنان عام 1924، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أمرين هامّين، الأول أنّ لبنان كان يعتبر في تلك الفترة جزءًا من سوريا الغربيّة، لذلك ورغم أنّ الحركة الشّيوعيّة في سوريا كانت قد نشأت عمليًّا في لبنان، فإنّ مؤسّسيها اعتبروا انفسهم روّاد الشّيوعيّة في سوريا بأكملها. والأمر الثّاني هو أنه كانت مبادرات محليّة قبل تدخّل الكومنترن وكانت مقدّمة هامّة وتمهيديّة لنشوء الحزب الشّيوعي. ومن هذه المحاولات لتأسيس حزب عمّالي في لبنان، اقامة “الاتّحاد العام للعمّال” في 15.6.1919 وهذا مهّد لقيام “حزب العمّال العام في لبنان الكبير” الّذي نشأ في 1.5.1921 متّخذًا جريدة “العمّال” لسان حال له. وفي 1922 نشأت مجموعة اشتراكيّة أصدرت مجلّة “الصّحفي التّائه” الّتي نشر فيها يوسف ابراهيم يزبك سلسلة مقالات خلال شهر ايّار 1923 بعنوان”الاشتراكيّة في لبنان” بتوقيع “الشّبح الباكي” وهذه المقالات سيكون لها تأثير مهم وأكيد في التّمهيد لتأسيس الحزب الشّيوعي الّلبناني.
في العام 1923  قامت في زحلة محاولة لتأسيس نقابة عمّاليّة مستقلّة. في صيف 1924 تأسّست في بكفيّا “النّقابة العامّة لعمّال التّبغ” برئاسة فؤاد الشّمالي الّذي سرعان ما أصبح أحد قادة الحركة الشّيوعيّة السّوريّة.
في الرّابع والعشرين من تشرين الأوّل 1924 ولد الحزب الشّيوعي الّلبناني في اجتماع عقده عدد من المثقّفين والعمّال في بلدة الحدث في ضواحي بيروت، مسقط رأس يزبك بحضور تسعة أشخاص وعلى رأسهم يوسف ابراهيم يزبك وفؤاد الشّمالي واطلق اسم “الحزب الشّيوعي في لبنان الكبير” وانتخب يزبك سكرتيرًا عامًا له. ولكن اتُّفق أن يتّخذ الحزب الجديد اسم “حزب الشّعب الّلبناني” لأسباب أمنيّة، “كانت لنا قاعدة عمّاليّة قرّرنا التّستّر وراءها، ذلك هو حزب الشّعب الّذي أسّسناه، من أجل اخفاء حقيقتنا”.

من النّشاطات الهامّة الّتي قام بها الحزب في السّنة الأولى لتأسيسه اضرابات أبرزها اضراب 800 عامل في بيروت والمظاهرة الكبرى في الأوّل من أيّار 1925،الّتي توِّجت باحتفال أول أيّار في قاعة الكريستال في بيروت عام 1925، وهو أوّل احتفال عربي علني بيوم العمّال، وفي صدر هذه القاعة العلَمان الّلذان دخلا تاريخ الحركة الكفاحيّة في لبنان بلونهما الأحمر وبالكلمات المكتوبة عليهما:” فليحيَ العمّال والفلّاحون – وليحي أوّل أيّار- ثمّ: “حزب الشّعب الّلبناني- المركز الرّئيسي- بكفيّا”.
(يوسف ابراهيم يزبك في كتابه ” حكاية اول نوار” عن احتفال بأول ايّار عام 1907 على الشّاطئ الّلبناني قرب بيروت وخطب فيه كل من مصطفى الغلاييني وفيلكس فارس وداود مجاعص وجرجي نقولا  باز وخيرالّله خيرالّله) وكان من بين الخطباء في احتفال 1925 خيرالّله خيرالّله ويوسف يزبك وشكري البخّاش رئيس تحرير جريدة “زحلة الفتاة”، وألقى الشّاعر الياس أبو شبكة قصيدة بعنوان ” العامل الثّائر”. وصف فيها حياة العامل وصفًا دقيقًا مؤثّرًا. وتحدّث حنّا أبي راشد صاحب جريدة “النّادي”، وكان آخر المتحدّثين السكريتير العامل “حزب الشّعب الّلبناني” فؤاد الشّمالي.
في الخامس عشر من أيّار 1925 صدر العدد الأوّل من جريدة “الإنسانيّة” وفي أعلى الصّفحة” اتّحدوا أيّها العمّال”، وقد أصدرها يوسف ابراهيم يزبك وجعلها لسان حال العمّال. وكانت في صدر الصّفحة الأولى صورة لجماهير العمّال والمثقّفين في قاعة الكريستال وفوق الصّورة “أوّل أيّار في بيروت”. وكانت مطالب العمّال والمطالبة بتنظيمهم الهدف الأساسي من هذه الجريدة. وكان لها تأثيرها فقد بدأ العمال بتنظيم أنفسهم في نقابات مهنيّة، ففي حزيران 1926.على سبيل المثال قام عمّال المطابع بتأليف نقابة على أسس جديدة.
في النّصف الأوّل من أيّار 1925 توحّدت كل المنظّمات الشّيوعيّة في منظّمة واحدة وتشكّلت لجنة مركزيّة “الّلجنة المركزيّة للحزب الشّيوعي في لبنان وسوريا”، وتشكّلت من فؤاد الشّمالي ويوسف يزبك وتيبر وهيكازون بوياجيان وأرتين مادويان (بعد انضمام “عصبة سبارتاكوس الأرمنيّة إلى الحزب) وأضيف إليهم عامل الدّخان فريد طعمة.

ومن الأحداث البارزة الّتي لعب الحزب فيها دورًا قياديًّا في السّنوات الأولى مظاهرة المستأجرين الدّامية الّتي حدثت في ساحة الشّهداء في 20 تمّوز 1925، وكانت المحلّات التّجاريّة مغلقة احتجاجًا على إلغاء قانون تحديد الإيجارات الّذي يعني زيادة هذه الإيجارات على كاهل الشّعب. وقد كان رد السّلطات الفرنسيّة استعمال العنف، فردّ المتظاهرون بالحجارة، فأخذت الشّرطة بإطلاق الرّصاص فسقط عشرة شهداء وجرح أربعون واعتقل ستّون متظاهرًا. كانت هذه الأحداث في الوقت الّذي تحوّلت فيه حركة الاحتجاج على مظالم الحكّام الفرنسيّين واعتقال أعضاء وفد من دروز جبل العرب إلى ثورة وطنيّة عارمة في سوريا، وقد قررت قيادة الحزب ولجنته المركزيّة متابعة المعركة مع المستأجرين من أجل نيل مطالبهم، ودعم الثّورة السّوريّة بكل ما لدى الحزب من إمكانيّات بما فيها السّعي لدى الحركة الشّيوعيّة العالميّة لتنسيق وسائل دعم الثّورة ( نجح الحزب في تهريب الأسلحة للثّوّار من الاتّحاد السّوفييتي عبر الحزب الشّيوعي التّركي) ووزّع أعضاء الحزب بيانًا يحتوي الموقف من الحدثين ويدعو للنّضال ضدّ الإمبرياليّة الفرنسيّة وإلى دعم الثّورة السّوريّة..
بعد سنتين من قتال ضارٍ نجح الفرنسيّون بمساعدة الإنجليز إلى حصر الفصائل المتبقيّة من الثوّار خارج الأرض السّوريّة.
في 18 كانون الثّاني 1928. صدر قرار العفو العام عن المعتقلين السّياسيّين وعاد قادة الحزب الشّيوعي الّلبناني من السّجون البعيدة والمنافي(قدموس وأرواد والرّقّة) إلى مركز الحزب في بيروت.
ولكن الحزب لم يستطع القيام بنشاطات علنيّة لذلك كان العمل من خلال النّقابات كنقابة عمّال الدّخان وهي القاعدة العمّاليّة لحزب الشّعب الّلبناني.
في أيلول 1928 وأثناء وجود فؤاد الشّمالي الأمين العام للحزب في المؤتمر السّادس للأمميّة الشّيوعيّة، تمّ نهائيًّا انتساب الحزب الشّيوعي الّلبناني إلى الأمميّة الشّيوعيّة الثّالثة ولم يعد تابعًا رسميًّا للحزب الشّيوعي الفلسطيني. وبعد عودة الشّمالي من المؤتمر في موسكو عقدت اللجنة المركزيّة للحزب جلسة قرّرت فيها إبدال اسم الحزب فأصبح “الحزب الشّيوعي السّوري- فرع الإنترنسيونال الشّيوعي” وكان هذا الشّعار يتوافق مع شعار” الوحدة السّوريّة” المطروح ضد التجزؤ الاستعماري الفرنسي لسوريا إلى دويلات هزيلة ( دولة دمشق- دولة جبل الدّروز- دولة العلويّين – دولة الإسكندرون – دولة بيروت.)

قام الحزب في السّنوات 1929-1931 بدعم وتأييد المطالب النّقابيّة مثل إضراب سائقي السّيّارات في بيروت وهذا الأمر اتّخذته القوّات الفرنسيّة ذريعة لحظر نشاط” النّقابة العامّة لتعاون العمّال في زحلة” في تشرين الثّاني 1929، النّقابة الّتي قادت النضال دعمًا لسائقي السّيّارات في بيروت وزحلة.
في 17 آذار 1930 صدر العدد الأوّل من جريدة ” صوت العمّال” الأسبوعيّة، وكان رئيس تحريرها ومديرها المسؤول فؤاد الشّمالي.
في 30 آذار 1930 جرت انتخابات بلديّة في بكفيّا، وكان من بين المرشّحين عامل الدّخان وعضو الّلجنة المركزيّة للحزب الشّيوعي في لبنان فؤاد طعمة، وقد فاز في هذه الانتخابات وقد حمله العمّال والفلّاحون على أكتافهم وطافوا به في شوارع البلدة.
في شهر نيسان 1930 ورغم السّرّيّة الصّارمة، عُقِد الكونفرانس الوطني الثّاني للحزب الشّيوعي في أحد منازل حي الجمّيزة وحضره 36 مندوبًا من بيروت، زحلة، طرابلس، بعلبك، بكفيّا، عكّار، دمشق، النّبك،
يبرود، حلب وحمص. وقد طالب الشّيوعيون بتأليف حكومة عمّاليّة فلّاحيّة ومصادرة أراضي الإقطاعيّين والامتيازات الأجنبيّة وتسليم هذه الأراضي للفلّاحين وشدّدوا على مهمّة النّضال في سبيل الاستقلال الوطني.
في آذار 1931 بدأت بمبادرة الشّيوعيّين مقاطعة عامّة للاحتكارات الأجنبيّة استمرّت عدّة أشهر. وفي كانون الأوّل 1931 تدفّقت في سوريا.كلّها موجة من المظاهرات والمعارك ضدّ الأمبرياليّة لمناسبة انتخاب أوّل برلمان سوري. وتميّزت الفترة الممتدّة من عام 1933 إلى 1935 بنهوض الحركة الإضرابيّة ففي 1933 و1934 فقط حدث في سوريا ولبنان 45 اضرابًا اشترك فيها 50 ألف عامل.

لم يقتصر نشاط الحزب على النّشاط النّقابي في المرحلة السريّة، فقد قاد الشّيوعيّون مظاهرات ضد الاستعمار وممارساته في العالم العربي، ففي أيّار 1931 انطلقت مظاهرة شعبيّة في طرابلس احتجاجًا على إعدام السّلطات الفاشستيّة الايطاليّة للمناضل الوطني الّليبي عمر المختار، وكان على رأس المتظاهرين المناضل الشّيوعي أحمد زكي الأفيوني الّذي اعتقلته السّلطات الفرنسيّة مع العشرات من المتظاهرين.
وفي أيّار 1931 انطلقت في دمشق مظاهرة ضخمة جدًّا تضامنًا مع الشّعب العربي الّليبي وقد اعتقل الكثير من قادة الشّيوعيّين في هذه المظاهرة.
وفي هذا الاطار وتطبيقًا لتكتيك الجبهة الشّعبيّة الموحّدة المعادية للإمبرياليّة، أنشأ الشّيوعيّون لجانًا فلّاحيّة ولجانًا للدّفاع عن اثيوبيا ولجانًا لمكافحة الفاشيّة والصّهيونيّة. وأقام الشّيوعيّون السّوريّون والّلبنانيّون علاقات أخويّة وثيقة مع الحزب الشّيوعي الفرنسي، وكان من ثمار هذا التّعاون ضغط الحزب الشّيوعي الفرنسي على الحكومة الفرنسيّة لتوقيع معاهدة 1936، لكنّ هذا الانجاز جاء بعد الاضراب العام الّذي دام خمسين يومًا، من شهري كانون الثّاني وشباط 1936 والّذي أجبر الإمبرياليّين الفرنسيّين على إعادة الحياة الدّستوريّة.
بعد فوز الكتلة الوطنيّة في انتخابات 1936 أُجيز نشاط الحزب الشّيوعي وأسّس الجريدة الشّيوعيّة” صوت الشّعب” والمجلّة المعاديّة للفاشيّة” الطّليعة”، وتُرْجِمت وأُصدرت بالعربيّة بعض مؤلّفات أعلام الماركسيّة الّلينينيّة.
في العام 1939 وبعد القضاء على مكاسب الجبهة الشّعبيّة في فرنسا، تعرّض الحزب الشّيوعي الفرنسي للملاحقات، وانعكس هجوم الرّجعيّة الفرنسيّة على مصير سوريا ولبنان، فقد رفض البرلمان الفرنسي المصادقة على معاهدتي 1936 مع سوريا ولبنان ومدّد مفعول نظام الانتداب، وتمّ تسليم لواء الاسكندرونة لتركيّا، وفُصِل جبل الدّروز والّلاذقيّة عن سوريا، وأقيل الرّئيس السّوري والحكومة السّوريّة وألغي الدّستور وتعرّض الحزب الشّيوعي في سوريا ولبنان لملاحقات قاسية واعتقل بعض قادته. وفي أيلول 1939 مُنِع الحزب الشّيوعي في سوريا ولبنان ومُنعت لجنة مكافحة الفاشيّة الّتي كان يقودها الشّيوعيّون.

بعد استسلام فرنسا لألمانيا في 22 حزيران 1940 وقعت سوريا ولبنان تحت رقابة لجنة الهدنة الألمانيّة الإيطاليّة الّتي تعاونت مع الجنرال بيتان في غرس النّظام الفاشي في البلاد،فتعاظمت حركة المقاومة الّتي كان الحزب الشّيوعي المبادر لها وظلّت جريدة الحزب” صوت الشّعب” تصدر وتوزّع بسريّة تامّة.
في حزيران 1941 دخلت القوّات البريطانيّة وقوّات “فرنسا الحرّة” لبنان. ولكي تجتذب قيادة الحلفاء الأهالي إلى جانبها، عمدت إلى تطبيق بعض الاجراءات الدّيمقراطيّة ومنها إخلاء سبيل قادة الحزب الشّيوعي. لكنّ إخلال فرنسا بوعودها منح لبنان استقلالًا تامًّا واعتقالها لرئيس الجمهوريّة ورئيس الوزراء وحل المجلس النّيابي وتعطيل الدّستور، أدّى إلى إضرابات ومظاهرات شعبيّة ضخمة في جميع المدن الكبرى في لبنان واتّحدت الأحزاب السّياسيّة في جبهة وطنيّة وكان الحزب الشّيوعي الّلبناني مشاركًا فيها وكان يمثّله فرج الّله الحلو الّذي انتخب رئيسًا للحزب الشّيوعي الّلبناني في المؤتمر الثّاني للحزب الشّيوعي في سوريا ولبنان والّذي أقرّ تقسيم الحزب إلى حزبين السّوري والّلبناني وذلك في أوائل عام 1944. لكنّ خالد بكداش الّذي كان أمينًا عامًّا للحزب منذ 1933 بقي أمينًا عامًّا للحزبين مع لجنة
مركزيّة واحدة ومن أبرز أعضائها فرج الّله الحلو، نقولا الشّاوي، رشاد عيسى، مصطفى العريس، يوسف
خطّار الحلو وعبد القادر اسماعيل. وفي 23.7.1944. قرّرت الّلجنة المركزيّة للحزب تحقيق استقلاليّة كل حزب تنظيميًّا وماليًّا على أن يستمر التّعاون في الشّؤون السّياسيّة.
عاد الحزب الشّيوعي إلى العمل العلني بعد اعلان الاستقلال وعادت جريدته ” صوت الشّعب إلى الصّدور وتطوّرت الحركة النّقابيّة ونشطت، وتمكّنت الطّبقة العاملة الّلبنانيّة من حمل السّلطة على سن قانون العمل.
لكن في مستهل 1946 بدأت وزارة الدّاخليّة باتّخاذ إجراءات للحد من حقوق الشّعب الدّيمقراطيّة، فأغلقت جريدة “صوت الشّعب” الّتي يصدرها الحزب الشّيوعي الّلبناني.وتعرّض الشّيوعيّون الّلبنانيّون للملاحقات خاصّة لانتقادهم سياسة بريطانيا الإمبرياليّة، ومن المعروف أنّ بريطانيا كان لها تأثير كبير على سياسة الحكومة الّلبنانيّة في السّنوات الأولى بعد الاستقلال.

في أواخر عام 1947 استغلّت القوى الرّجعيّة تأزّم القضيّة الفلسطينيّة،لتشن حملة جديدة على الحزب الشّيوعي والأوساط التّقدّميّة، وفي كانون الثّاني 1948 مُنِع نشاط الحزب الشّيوعي الّلبناني وحُلّت جمعيّة أصدقاء الاتّحاد السّوفييتي، وأُغلِقت من جديد جريدة ” صوت الشّعب” واعتقِل كثيرون من الشّيوعيّين وبينهم فرج الّله الحلو.
في فترة الانقلابات العسكريّة، حكم حسني الزّعيم القصير وأديب الشّيشكلي عاد الحزب إلى العمل السّرّي، أمّا من النّاحية التّنظيميّة فقد أعيد مؤقّتًا توحيد الحزبين السّوري والّلبناني في حزب واحد برئاسة خالد بكداش، بينما جُمِّد.فرج الّله الحلو.(13)
بعد وفاة ستالين 1953 سلكت القيادة السّوفييتيّة خطًّا مؤيّدًا لحركة التّحرّر العربي ومعاديًا للصّهيونيّة، كذلك سقط حكم الشّيشكلي في شباط 1954، وعاد الحزب الشّيوعي في سوريا ولبنان إلى نشاطه وخاض الانتخابات النّيابيّة، ولعب الحزب دورًا هامًّا في العمل ضد جميع المشاريع الاستعماريّة كمشروع سوريا الكبرى والهلال الخصيب وحلف بغداد.
في العام 1959 نزلت بالشّيوعيّين في لبنان وسوريا ضربة قويّة، ففي 25 حزيران اعتقلت الشّرطة في دمشق واحدًا من أشهر زعماء الحركة الوطنيّة وأوسعهم شعبيّة، أمين الّلجنة المركزيّة للحزب الشّيوعي الّلبناني فرج الّله الحلو، وفي فجر اليوم التّالي استشهد من جراء التّعذيب الوحشي الّذي تعرّض له من قِبَل شرطة ومخابرات الجمهوريّة العربيّة المتّحدة.
في آذار 1965 عممّم الحزب الشّيوعي الّلبناني وثيقة برنامجيّة طالب فيها بانتهاج سياسة ثابتة منسجمة معادية للإمبرياليّة، وانقاذ البلاد من رقابة الاحتكارات الامبرياليّة وانماء الصّناعة الوطنيّة وتطبيق اصلاح زراعي جذري في صالح الفلّاحين، وتوسيع حقوق الشّعب الديمقراطيّة وتطوير اواصر الأخوّة والتّضامن مع البلدان العربيّة، وتطوير العلاقات مع الاتّحاد السّوفييتي والبلدان الاشتراكيّة. في العام نفسه ونتيجة لمثابرة الحزب انشئت في لبنان الجبهة الوطنيّة للأحزاب والمنظّمات التّقدّميّة وضمّت الجبهة الحزب التّقدّمي الاشتراكي والحزب الشّيوعي وحركة القوميّين العرب وعددًا من الشّخصيّات السّياسيّة المستقلّة البارزة.

في عام 1969 وعلى خلفيّة الحملة الرّجعيّة الّتي هدفت إلى طرد الفدائيّين الفلسطينيّين من الأراضي الّلبنانيّة، استقال رئيس الوزراء رشيد كرامة، واستأنفت وحدات الجيش الّلبناني العمليّات الحربيّة ضد الفدائيّين، وقصف الطّيران الاسرائيلي قواعد الفدائيّين في جنوب لبنان، بدأت في لبنان هستيريا من العداء للشّيوعيّة، وفي 30 أيلول صدرت أوامر باعتقال قادة الحزب الشّيوعي. لكنّ نشاط الحزب تجدّد في 15 آب 1970، بعد الغاء وزير الدّاخليّة كمال جنبلاط للحظر الّذي كان مفروضًا على الأحزاب التّقدّميّة كالحزب الشيوعي الّلبناني وحزب البعث العربي الاشتراكي والحزب السّوري القومي الاجتماعي وحركة القوميّين العرب.

 

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*