توقّعوا العجائب – راضي كريني

قرأت مرّة عن جُحا أنّه اشترى ثلاثة أرطال لحم وأعطاها لزوجته لتطبخها؛ فأكلتها وصديقاتها واتّهمت القطّ … وفي بلدي يحكى أنّ أبو العبد وصديقيه اشتروا رطلا من اللحم وتوابعه … وطلبوا من أمّ العبد  التي تحبّ أكل اللحم النيّئ، أن تعدّ اللحم للشواء، وبدأوا بإعداد الموقد وجلسوا ينتظرون أن تنهي أمّ العبد مهمّتها، وبعد طول انتظار توجّه أبو العبد لأمرأته ليسألها إذا أنهت إعداد اللحم؛ فوجد قليلا منه؛ فقالت له هذا ما بقي، لقد أكل القطّ من اللحم، حين كنت مشغولة عنه! فقبض أبو العبد على القطّ ووزنه … ثمّ قال لأمّ العبد: إن كان هذا هو القطّ؛ فأين اللحم؟ وإن كان هذا اللحم؛ فأين القطّ؟

إذا سلّمنا لتحليل البعض:  بأنّ بيبي نتنياهو يرتكب الجرائم بحقّ شعبه، وبحق شعوب المنطقة، ويدّعي أنّه يصون مصالح شعبهّ  والشعوب العربيّة؛ في عمّان وفي القدس وفي … فأين الضحيّة، وأين المجرم؟!

مسكين بيبي؛ فهو يتعلّم فنون القتال من العرب … أصبح يتقن القتال بالدعاء، ويترك العرب ليقاتلوا بعضهم بالسلاحّ… هذا هو الفكر السائد في شارع اليمين المكتظّ بالفاشيّين. لذا، ففكر بيبي ومعتقداته وتصوّراته وتصرّفاته و… هي نتاج الواقع المعيش وانعكاس له، ومتوافقه مع درجات تطرّفه وانفلاته.

علاقات الإنتاج الرأسماليّة الاحتلاليّة والاستعماريّة تشكّل البناء التحتيّ الذي يستند إليه اقتصاد وسياسة اليمين الذي يمثّله بيبي أصدق تمثيل. وهي التي تتحكم باتّجاهات وشكل تطوّر مؤسّسات إسرائيل وسلطاتها التشريعيّة والقضائيّة والتنفيذيّة وحتّى الإعلاميّة. وهي التي تنتج بيبي وزمرته ومنظوماته السياسيّة والاقتصاديّة التي تحمي وتبرّر الاحتلال والقمع والاضطهاد و… فأصبحت العلاقة متبادلة النفع بين حكومة بيبي  وعلاقات الإنتاج المسيطرة. لذلك، يستقبل بيبي كلّ رجل أمن إسرائيليّ قاتل لعربيّ، لا يهمّ من أيّ أمّة، استقبال الأبطال، ليس لكسب المزيد من الأصوات اليمينيّة، ولا لصرف الأنظار عن تحقيقات الفساد الجارية معه ومع زوجته فقط؛ بل لأنّه يعكس ما يمثّله من أفكار وسياسة وطبقة اجتماعيّة.

وإذا رفضت المحكمة الاستئناف الذي قدّمه الجنديّ “رامبو” أليئور أزاريا، قاتل الفلسطينيّ عبد الفتّاح الشّريف لا نستنتج بأنّ ” الجيش الإسرائيليّ لن يتحوّل إلى ميليشيا، ولن تمنح أخلاق العصابات شرعيّة” كما استنتجت ممثّلة “اليسار” الصهيونيّ زهافا غالئون، زعيمة ميرتس! هل يخدم هكذا تصريح السلام؟!

مَن يفكّر بأنّ جيش إسرائيل هو جيش متنوّر، وبأنّ سلاحه أطهر سلاح و… فهو يشجّع بيبي على الضحك على الذقون وعلى استفزاز المشاعر الإنسانيّة، وعلى منح العفو لكلّ  إسرائيليّ قاتل، و… لذلك، إن كان اليسار الصهيونيّ صادقا في مسعاه لتغيير حكم عبادة الاحتلال، ولإنهائه و… فليعمل على تغيير علاقات الإنتاج (البناء التحتيّ) المسيطرة في إسرائيل، وعلى تنوير الناس، ليفكّروا بعقولهم، بدل أن يفكّر بيبي وزمرته عنهم …

ونسأل: ما الذي يفعله اليسار من أجل تغيير أفكار الناس ومعتقداتهم وتصوّراتهم؟

ونطالبه بالنزول إلى ورشات العمل والشارع، وبترك المقاعد الأكاديميّة في الأبراج العاجيّة!

أنا واقعيّ، لذلك أتوقّع المعجزات (واين داير).

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*