حيفا الجديدة – اسكندر عمل

“حيفا الجديدة” هو الاسم الّذي أطلقه ظاهر العمر على المدينة التي بناها بعد هدمه لحيفا القديمة(كانت في منطقة رمبام وبات غاليم اليوم)   الّتي لم تكن آمنة والّتي حاول عثمان باشا ،والي دمشق ،الاستيلاء عليها بسفينة فرنسيّة تحمل ثلاثين جنديا فقط وذلك في العام 1761 .لكن ظاهر نجح في افشال هذه المحاولة وقصف السّفينة بالمدفعيّة وجرح وأسر بعض الجنود الّذين نزلوا الى السّاحل.وتحسبا لتكرار هذه المحاولات من قِبل عدوّه عثمان باشا ،ورغبة منه في أن تكون مدينة الميناء التي احتلها آمنة وقادرة على خدمة السّفن التّجاريّة الأجنبيّة ،اذ لم يكن الميناء القديم صالحا لرسو السّفن لبعده عن الخليج المغلق،   قرّر هدمها وبناء مدينة جديدة على بعد كيلومترين جنوب شرق حيفا القديمة.
أٌحيطت المدينة التي كان مركزها منطقة ساحة الخمرة(ساحة الحناطير) حتّى الجامع الصّغير،بسور على شكل شبه منحرف ،قاعدته القريبة من السّاحل طولها 230 مترا والقاعدة الموازية المقابلة 160 مترا وكل من السّاقين 120 مترا.كان سُمك السّور 75 سنتمترا وارتفاعه أربعة أمتار ونصف،وأقام” برج السّلام” في أعلاها وهو عبارة عن قلعة مكوّنة من طابقين  وأشرف هذا البرج على المدينة وعلى الميناء من النّاحية الجنوبيّة ،وزُوٍّد  بالمدافع للدّفاع عن المدينة في حالة الخطر.كان في السّور بوّابتان تغلقان مع الغروب،البوّابة الشّرقيّة وهي بوّابة عكا،والبوابة الغربية،وكانت الطريق التي تصل بين البوابتين جزءا من الطريق التجاري عكا – يافا ،وهذا الأمر زاد من سيطرة الظّاهر عمر على هذا الطّريق التجاري الهام ،وأمّن الحماية لمدينة عكّا من الجنوب.وحفرت في المدينة الجديدة الآبار وبُني سوق صغير لتزويد  السُّفن الغربية التي ترسو فيها ما تحتاجه من البضائع وبناية للجمارك عُرِفت باسم “السّرايا” التي لا تزال قائمة حتّى اليوم.
تطوّرت المدينة في فترة الظاهر عمر وازداد عدد سكانها وكانت فيها حركة بناء نشطة ،وقد زاد النّظام والأمن الذي ساد في فترة حكمه والقضاء على اعتداءات قطّاع الطرق من ازدهار المدينة وتطوّرها رغم مساحتها المتواضعة.وتطوّر ميناء حيفا بعدما بدأ تقليد عام 1766 أوجده الظّاهر عمر ،تُفرِغ بموجبه السّفن الأجنبيّة بضائعها في أشهر الصّيف من أيار حتى أيلول في عكّا ،وفي الأشهر السّبعة المتبقّية في حيفا واستمر هذا الوضع حتى نهاية القرن الثاّمن عشر.
عمل معظم سكان حيفا الجديدة بالفلاحة في الأراضي الخصبة في المناطق المجاورة لحيفا خارج الأسوار ،وزرعوا القمح والشّعير والقطن وأشجار الفاكهة والزيتون والخضار واشتهرت حيفا بتينها وتينها المجفف .كذلك كان لبعضهم قطعان من  الغنم والأبقار التي رعت في جبل الكرمل.أمّا الصّيد فلم يكن مصدرا هاما للمعيشة.
في فترة حكم ظاهر العمر سُمِح للرّهبان الكرمليّين ببناء دير لهم على جبل الكرمل ،كذلك بنيت كنيسة داخل المدينة،وكان لوزير ظاهر العمر ابراهيم الصّباغ تأثيره في هذا الشّأن.في أواخر حكمه بنى ظاهر العمر “جامع النّصر” الّذي لا يزال قائما في شارع الملوك(هعتصمؤوت) ،وأقام بهذه المناسبة حفلة كبرى على احدى السّفن الّتي كانت راسية في الميناء ،وعيّن للمسجد اماما من عائلة الخطيب الحيفاويّة.
في العام 1775 زحف حاكم مصر محمد بك أبو الذّهب باتّاق مع السّلطة العثمانيّة باتّجاه فلسطين وهدفه القضاء على حكم ظاهر العمر ،فاحتل يافا التي صمدت أكثر من شهرين ولم تستسلم الا بعد قتال عنيف ،ثمّ استمر الى عكا فاحتلها بعد عشرة أيام من احتلال يافا،في هذا الوقت قام جنوده بهدم الدّير الجديد الّذي بناه الرهبان الكرمليون على جبل الكرمل،ويؤكد بعض المؤرخين أن أبا الذّهب توفي فجأة في اليوم الذي بدأ فيه جنوده بهدم الدّير ،أمّا مخائيل الصّبّاغ في كتابه “تاريخ الشّيخ ظاهر العمر الزّيداني فيقول أنّه توفي بعد يومين .
انسحبت جيوش أبو الذّهب الى مصر بعد موته،لكن السّلطات العثمانيّة أرسلت قوّات بحريّة وبرّيّة للقضاء على حكمه نهائيا،ونجحت في احتلال عكّا ثمّ حيفا في أوائل أيلول،أمّا ظاهر فقد اغتاله أحد رجاله حين كان يحاول الفرار.

Post Tags:

Total Comments ( 1 )

  • د. حيدر ابو غوش رام الله says:

    شكرا عزيزي…و الشكر موصول للرفيق ابو السعيد. انا من المعجبين بالظاهر عمر الزيداني.
    من قتله هو رئيس حرسه و قدم رأسه هدية للقائد المصري الذي احتل عكا معا في العمل إلى جانبه. و عندما سأله القائد المصري عن علاقته بالظاهر العمر أخبره بأنه تبناه منذ كان جنديا و رقاه حتى صار رئيس الحرس ، فما كان من المصري إلا أن استل سيفه و قطع رأسه قائلا له أن الخائن لا يستحق إلا الموت
    للأسف الشديد هناك تجاهلا أو جهلا لدى العديد ممن كتب في تاريخ فلسطين فيما يتعلق بفترة حكم ظاهر العمر الزيداني.
    و قد يعود ذلك إلى رغبة جهات متنفذة في سرد تاريخ فلسطين إلى إهمال اي دور لأبناء البلاد في إقامة منظومة متطورة في وقتها لإدارة الدولة. و إن دولة ظاهر العمر امتدت من شمال نابلس و حتى بيروت و دمشق و استمرت أكثر من ستين عاما.
    و في الوقت الذي استلم فيه الجزار عكا جاهزة باسوارها التي بناها و دعمها ظاهر العمر نجد أن اسم عكا يربط بالجزار فقط.

Leave a Reply to د. حيدر ابو غوش رام الله Cancel reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*