أبيات يسكنها ألم وأمل – اسكندر عمل

*قراءة في قمح في كفّ أنثى لإياس يوسف ناصر*

ديوان شعر وإن كانت صفحاته الأخيرة نثرًا، لشاعر اختار أن تكون قضيّة شعبنا العربي الفلسطيني محور قصائده ومعظمها عموديّة، وهذا الأمر أكسبها حدّة لفظيّة أرادها الشّاعر كي يعبّر عن ألمه وسخطه، ألمه على ما يعانيه أبناء هذا الشّعب بعد التّهجير القسري، وسخطه على المحتل الغادر وعلى العروبة الّتي تقف متفرّجة على مآسي الشّعب الفلسطيني، لكنّ شاعرنا في نفس الوقت يملأ أبياته بالأمل، أمل العودة والنّصر فالأرض أرضنا ولسنا لمَمًَا جئنا من أقاصي الأرض.
البحر الكامل كان سيّد الموقف في هذه القصائد (ستون عامًا، قولوا ليافا،حقيبة لاجئ، اعتراف قبل التّحقيق …….) أمّا قصائد التّحدّي والتّفاؤل فاختار لها شاعرنا إياس يوسف ناصر البحر المتدارك بتفعيلاته السّريعة المتوثّبة (هل تعرف؟!، يا أمّي، الأغنية المبتسمة، رأيك في فستاني، مطر في فصل الحب، عصفور، في الحانة، أهواك)، أمّا قصائد التّروّي والخمريات وبعض قصائد الحب فكان البسيط صاحبها(هات المدام، خمريّة على قبر إمرئ القيس، القصيدة الحافية، إلى حبيبة قديمة جدًّا).
الكامل والبسيط والمتدارك ثلاثة من بحور الشّعر العربي طغت على الدّيوان ،حتّى قصيدة الشّعر الحرّ”الشّرف الرّفيع” التزم فيها شاعرنا بتفعيلة البحر الكامل “متفاعلن”، في القصائد اشارات ثقافيّة تعبّر عن ثقافة الشّاعر واطّلاعه، ففي قصيدة “هل تعرف” يذكر سورة لقمان من القرآن الكريم ويتلوها بقول للسّيّد المسيح”فبخبز لا يحيا الإنسان”، ويصل إلى دمج في كلمة قربان. وفي قصيدة” الأغنية المبتسمة” وظّف الشّاعر المثل ” ولكلّ جواد كبوته”.
في قصيدة “يا أمّي” ينطلق من المألوف “يتذكّر أمًّا ترعاه وتقدِّم في الليل دواه”، إلى إبداع رائع “وتلمّ البسمة من فمها  كي تمسح فيها شكواه”، “وتسيِّج حقل مدامعه  لتزقزق دومًا شفتاهُ”، قد صرتُ بعيدًا مغتربًا  كالشّمع تذوب عناويني”، “فأنا لن ألقى وطنًا  أكبر من قلبكِ يأويني”.
الشّاعر تأثّر في بعض القصائد بشعراء بارزين ولم يقلّدهم كنزار قبّاني والجواهري من ناحية أخرى وحسب اعتقادي لم يوَفّق الشّاعر في بعض التّعابير كـ”ضيّعني” في قصيدة”من مخيّمات الشّتات” ص35 ، فـ”أضاع” في السّطر الّذي يليه أدقّ، لأنّ الوطن أضاع أبناءه ولم يسبّب لهم الضّياع. كذلك استعماله لكلمة “خلّيكِ” في “القصيدة الحافية” ص66 وفي قصيدة “إلى حبيبة قديمة جدًّا” ص67:
خلّيكِ حافية وخلّيك غائبة، بمعنى إبقَي حافية وإبقَي غائبة. وفي قصيدة “في الحانة”، “وحبيبة قلبي امرأة  لا توضَع يومًا وتشال”،استعمل الكلمة الأخيرة بمعنى تُحذف أو تُزال.
أمّا استعماله لـ”الصّباح رباح” ص79  فموفّق رغم عامّيته. لغة شاعرنا تدلّ على موهبة خلّاقة واطّلاع واسع ، وقصائد ديوانه رائعة في تعابيرها، مفعمة بالحسّ والعواطف والحبّ، ملتزمة محتضنة لقضايا شعبنا، تبشّر بالأمل ،أمل العودة والحرّيّة والاستقلال، فإلى الأمام مع غوص جديد في بحور الشّعر فهي واسعة وأنت بحار وغوّاص ماهر.

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*