ألكنيسة العربية الارثوذكسية ودورها في المحافظة على الارض، نحو تعريب بطريركية القدس‎ – إسكندر عمل

قبل الحكم العثماني لفلسطين 1516 على يد السلطان سليم الاول كان بطاركة الروم الارثوذكس عربا، وقد بدأت عروبة البطريركية منذ بداية العهد المملوكي. لكن آخر بطريرك عربي كان البطريرك عطا الله (1505-1534). وتولى بعده البطريركية البطريرك اليوناني جرمانوس (1534-1579) الذي عينه السلطان العثماني سليمان القانوني. وعمد البطريرك جرمانوس الى تقوية جمعية القبر المقدس للمحافظة على المصالح اليونانية في بطريركية القدس، وانتهج هذا البطريرك سياسة اقصاء العناصر العربية عن ادارة البطريركية وعن المناصب الكنسية العليا.
في أوائل القرن التاسع عشر بدأت العناصر العربية في الكنيسة الارثوذكسية تطالب بحقوقها، لكن العناصر اليونانية التي كان تعتمد على تأييد الباب العالي رفضت جميع المطالب العربية واقر الباب العالي عام 1875 اول نظام كنسي لكنيسة القدس يصدر عن سلطة مدنية غير ارثوذكسية، وقد حدد هذا القرار مهام السينودس وكيفية انتخاب البطريرك ولم يراع هذا النظام حقوق العرب. في العام 1908 وبعد ثورة تركيا الفتاة، اضطر البطريرك دميانوس الى قبول بعض المطالب العربية وكوّن لجنة مختلطة من اليونان والعرب، لكن هذا التنازل لم يعط للعرب اية سلطة تؤثر في انتخاب البطريرك.
في هذه الفترة التي كانت بداية لتبلور النهضة القومية العربية، ظهرت شخصيات عربية ارثوذكسية كان لها دور هام في نشوء وتطور الحركة القومية العربية كنجيب عازوري الذي طالب باستقلال الكنيسة العربية الارثوذكسية عن السلطة اليونانية، ورأى في ذلك جزءا من الوعي القومي العربي الرافض لاي نفوذ اجنبي حتى لو كان دينيا فقد كتب في كتابه “يقظة الامة العربية” الذي صدر في العام 1905 ان هناك امة عربية واحدة تضم مسلمين ومسيحيين على السواء، واضاف ان المشاكل الدينية التي تنشأ بين الاديان هي بالحقيقة مشاكل سياسية تثيرها اصطناعيا قوى خارجية لمصالحها الذاتية، ونادى باستقلال الكنيسة الارثوذكسية عن الزعامة الاكليركية اليونانية المتسلطة عليها.
كذلك الاديب الفلسطيني خليل السكاكيني الذي اسس جمعية الاخاء الارثوذكسي سنة 1908 دعا الى مقاطعة رجال البطريركية الارثوذكسية اليونانية لطمسهم حقوق الطائفة الارثوذكسية العربية مما حمل البطريرك ذميانوس على حرمانه من الكنيسة. وكان موقفه جزءا من موقفه الوطني وسعيد من اجل تنمية الوعي الوطني.
وحل الانتداب البريطاني محل الباب العالي عام 1920، وبدل نظام 1875 بنظام آخر عام 1934 والذي كان عاجزا عن انصاف العرب ولهذا قاطع العرب الانتخابات التي ادت الى تعيين البطريرك تيموتاوس عام 1936.
وكانت حركة مقاومة تسرب الاراضي العربية الى الصهيونيين في اوجها، ولم تحرك الزعامة  الدينية اليونانية ساكنا. فهب المسيحيون من ابناء فلسطين صفا واحدا متينا مع اخوانهم المسلمين وكلمة واحدة ضد الاستعمار البريطاني والغزوة الصهيونية وكانت اكثرية المسيحيين في فلسطين من عرب الطائفة الارثوذكسية، وقرر رجال الدين العرب الارثوذكس المشاركة في حركة مقاومة بيع الاراضي التي اتسع نطاقها. في تموز 1934، تشكلت لجنة تحضيرية للمؤتمر برئاسة الخوري يعقوب الحنا (من قرية الرامة) فدعت الى عقد المؤتمر العام لرجال الدين العرب الارثوذكس في 29/8/1934، وقد حضر المؤتمر 73 كاهنا ارثوذكسيا عربيا من مدن وقرى فلسطين المختلفة. وانتخب الخوري يعقوب الحنا رئيسا للمؤتمر والخوري نقولا شحادة الخوري من القدس امينا عاما له.
اعلن المؤتمر عن تمسكه بالميثاق الوطني الفلسطيني لعام 1923 ، واهاب المؤتمر بأهل فلسطين رفض الخضوع للانظمة والقوانين الموضوعة لقهر العرب واضعافهم واكراههم على بيع الاراضي، وقرر مقاومة ذلك ومناهضة مساعي الصهيونية للاستيلاء عليها وقرر ايضا ان أي مسيحي يبيع ارضا او يتوسط لبيعها للصهيونيين خائن لدينه ووطنه، لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسيحيين. (فكم بالحري اذا كان بطريركا!!!)
ان رجال الدين العرب طالبوا دائما باستقلال الكنيسة العربية الارثوذكسية، وما زال الصراع قائما. وقد توقعنا خيرا عند تعيين ايرينيوس الاول بطريركا وما زاد اعتقادنا ان السلطة عارضت وجوده واختياره، وتوقعنا ان يبادر الى تعيين مطران عربي، وقد طالبت بذلك انا شخصيا البطريرك في كلمتي التي القيتها كنائب لرئيس بلدية حيفا في الاستقبال الذي اقيم تكريما له في الكلية العربية الارثوذكسية بعد وصوله الى البلاد وتسلمه لبطريركية القدس، وكانت اجابته انه عين مطرانا عربيا في الاردن وتهرب من هذا المطلب، لكن القشة التي كسرت ظهر الجمل هي تورط البطريرك في صفقات البيع والتي تنافي تاريخ الكنيسة العربية الارثوذكسية التي دافعت عن الاراضي العربية وتصدت للانتداب البريطاني وللصهيونية.
كذلك حملته غير المبررة ضد الارشمندريت عطا الله حنا ومحاولاته المتواصلة لابعاده عن موضع التأثير في البطريركية التي لم تكن الا محاربة لخط الاب عطا الله الوطني ومواقفه مع ابناء شعبه، مسلمين ومسيحيين والتي تؤهله ان يكون امينا على مصالح الكنيسة العربية الارثوذكسية.

(حيفا)

إسكندر عمل *
الأربعاء 11/5/2005

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*