البراطيل تنصر الأباطيل – راضي كريني

 

دخل ابن السماك الواعظ على الرشيد. وبينما هو عنده عطش الرشيد .. فطلب شربة ماء؛ فأُتي له بقلّة ماء، قبل أن يشربها، سأله ابن السمّاك: لو مُنعت عنك هذه الشربة، بكم كنت تشتريها؟ قال: بنصف مُلكي. وبعد أن شربها الرشيد. سأله ابن السمّاك: وبكم كنت تشتريها، لو منع خروجها من بدنك؟ قال: بجميع ملكي. قال ابن السمّاك: إنّ ملكا قيمته شربة ماء، لجدير ألّا ينافَس فيه. فبكى الرشيد.
هل سيبكي أفي جاباي؟
تساءل البعض، واستغرب واستهجن و… تصريحات رئيس المعسكر الصهيونيّ المنتخب “افي چاباي” الأخيرة، في بئر السبع.
حاول جاباي أن يمثّل دور بيبي نتنياهو، فكرّر تصريحاته وآراءه العنصريّة: إنّ اليسار نسي اليهوديّة. وإنّه وحزبه في حالة فوزه، سوف لن يشكّلوا أيّ تحالف مع القائمة المشتركة. وإن تمّ انتخابه لرئاسة الحكومة سيختار الجلوس إلى جانب تيّارات اليمين الإسرائيليّ، ويستغني عن هويّة حزبه “اليساريّة”، وإنّه يفضّل الاستيطان والمستوطنات على السلام، و….
أصبحت اليساريّة في إسرائيل “كيس الملاكمة” لكلّ من أراد أن ينتزع مكسبًا يمينيّا، ولكلّ مَن يفتّش عن عدوّ ضعيف، يستطيع الانتصار عليه؛ كي يبرهن على بطولته وعظمته اليمينيّة و… وليكسب ثقة الشارع المشبع بالفاشيّة والعنف و… خرّيج مؤسّسات الاحتلال والاستيطان و… والاستعباد.
وماذا بقي من شعارات “الاشتراكيّة الديمقراطيّة” التي تذيّلت بها شيلي يحيموفتش، رئيسة حزب العمل، وزعيمة المعارضة سابقًا التي دعمت جاباي، وتأمّلت منه رأسماليّة ناعمة؟
نحن في الواقع، لسنا أمام مرحلة جديدة. لكن، علينا ، ومن الضروريّ، أن نبحث حقيقة المجتمع الإسرائيليّ وحركته. علينا أن نبحث ما هي طبيعة المجتمع الذي نعيشه. هل هي يهوديّة (كما يقول بيبي وجاباي وباقي الشلّة) أم هي إسرائيليّة متشكّلة (كما يقول اليسار الصهيونيّ)؟
ما هي حقيقة المجتمع الذي نعيشه في إسرائيل، وما هي حركته ووجهته ومحيطه؟
نحن بحاجة لبحث يساريّ جماعيّ، نحن بحاجة لمحاورة قيادة “اليسار” الصهيونيّ في: التاريخ، والاقتصاد، والعلوم الاجتماعيّة والسياسيّة، والحقوق والواجبات، و…، والفلسفة. نحن بحاجة للاستفادة والإفادة من رأي “اليسار” الصهيونيّ. ربّما نسهم في إضاءة الجانب المعتم من الشراكة والمشاركة مع دعاة السلام المهمّشين في الشارع الإسرائيليّ. ربّما تنتصب أمامنا مسائل لم نكن نراها، أو لم نكن ندرك أهميّتها. يجب أن نجيب على الأسئلة: هل “اليسار” الصهيونيّ هو نصير لحريّة الشعب الفلسطينيّ واستقلاله؟ هل “اليسار” الصهيونيّ هو مؤيّد لدولة الشعبَين، أم للدولة اليهوديّة؟…
في الحقيقة، إسهام الجبهويّين في مثل هذا النقاش، هو ليس للمظاهر وللتمثيل بالممارسة الديمقراطيّة، والتربية الديمقراطيّة؛ بل لأنّ هناك تحدّيات جديدة أمام فكر التحالفات التقدّميّة، وكذا أمام معيقات جديدة للتقدّم في جبهة ديمقراطيّة. نحن بحاجة لمناقشة الأفكار أمام جميع المثقّفين والمفكّرين مِن مختلف أقسام القائمة المشتركة، والتيّارات والحركات الليبراليّة، والسعي لمشاركتهم في إحداث التكامل الفكريّ؛ لتحديد أفضل آفاق تطوّر في: الديمقراطيّة، والعدل، والحريّة، والمساواة؛ كي لا يصبح الوطن شربة ماء لأمثال أفي جاباي، أو زجاجات شمبانيا ودخّان سيجار لعائلة نتنياهو.

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*