نهلت من ينابيعهم حبّ الّلغة العربيّة – اسكندر عمل

في حديث عابر على فنجان قهوة مع زميل لي في مدرسة الكرمليت الحيفاويّة، عدت بذاكرتي لأيّام الطّفولة والشّباب عندما سألته عن طلّاب صفّي في مدرستي الثّانويّة الغاليّة على قلبي ومنهم عمّه، مدرسة ينّي ،الّتي أسّسها ينّي ينّي الشّخصيّة الوطنيّة البارزة، فأضحت صرحاً علمياً وتربويّاً نهل فيه طلّابٌ من كلّ قرى المنطقة ومنها قريتي أبوسنان العلم والفكر التّقدميّ والثّقافة الإنسانيّة، وكان ولا يزال لخرّيجيها دور هام في تطوير مجتمعنا ورفع رايته عالياً في جميع المجالات.
تذكّرت معلم الّلغة العربيّة الّذي علّمني العربيّة في الصّفوف الابتدائيّة، ابن قرية كفرياسيف، طيّب الذّكر المربّي نعيم جبّور، الّذي جعلنا نحبّ العربيّة فنحفظ عن ظهر قلب القصائد الطّويلة، ونقف أمام الصّف فنلقيها بصوت عالٍ تهتزّ له أركان المكان، فتزداد ثقتنا بأنفسنا فنحفظ كلّ قصيدة ندرسها حتّى لو لم يُطلَب منّا حفظها.
انتقلنا في المرحلة الثانويّة إلى مدرسة ينّي، وهناك حالفنا الحظ وضحك لنا الزّمان فكان معلّم الّلغة العربيّة في الصّفين التّاسع والعاشر، استاذي العزيز أمدّ الّله في عمره الأستاذ بطرس دلّة، الّذي أدخلنا إلى عالم الأدب من أوسع أبوابه، فدرّسَنا علم العروض وبحوره كلّها، فقطّعنا مئات الأبيات وجرّبنا التّفعيلات حتّى نجحنا في إتقان جميع البحور، ولا أنسى صوته الفَرِح :
أنا المحبوبة السّمرا وأُجلى بالفناجينِ
في الصّفّين الحادي عشر والثّاني عشر عشقنا الّلغة وتمتّعنا بجمالها، فمعلّمنا طيّب الذّكر المناضل الوطني المربّي مطانس مطانس الّذي ضحّى بالكثير من أجل قضايا شعبنا، سكب من روحه العذبة فارتوينا، جعل من دروس العربيّة لوحة زيّنها بطُرَفِه وسلاسة أسلوبه، وشرح لنا قواعد الّلغة وكأنّها أدب فاستمتعنا وتلهّفنا لدروسه تلهّف الصّادي للماء.أمّا البلاغة ببديعها وبيانها ومعانيها تغلغلت في أعماقنا فذوّتنا جمالها ومارسناها في مواضيعنا الإنشائيّة فأحسنّا توظيفها بلباقة دون حشوٍ أو تقليد. علّمنا أن نعتزّ بلغتنا لأنها الضّمان لوجودنا وبقائنا في وطننا الّذي لا وطن لنا سواه. أكملت بعد المرحلة الثّانويّة الدّراسة الجامعيّة وعدت إلى قريتي فكنت عضواُ في قيادة الكتلة التّقدميّة الّتي كان الحزب الشّيوعي عمودها الفقري ، والّتي ترأّسها المربّي مطانس مطانس ومثّلها في المجلس المحلّي، قبل تأسيس الجبهة الدّيمقراطيّة للسّلام والمساواة.
فصباح الخير لأرواح من غاب عنّا منهم فهم خالدون في تاريخنا ووجداننا ووجدان الأجيال القادمة، وصباحك مسك وعطاء مستمرّ معلّمي ومربّيَّ بطرس دلّة، وشكرا لكم فأنتم من زرعتم فيَّ حبّ الّلغة العربيّة.

Post Tags:

Total Comments ( 1 )

Leave a Reply to وضحى Cancel reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*