أطعِموه ، ولا تُعلموه أنّني أعلَمُ! – راضي كريني

 

 

في إحدى المرّات، عندما أراد قراقوش أن يمتطي جواده، كبا به فوقع قراقوش من فوقه؛ عندها أمر بمنع العلف عنه حتّى يتأدّب؛ فقال له وزير الصيانة: هكذا يموت من الجوع. فأجابه قراقوش: أطعموه، ولا تعلموه أنّني أعلم بذلك.
قرّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنّ القدس عاصمة دولة إسرائيل، وأمر بالعمل على نقل السفارة الأمريكيّة من تل أبيب إلى القدس ، حذّره وزير خارجيّته وآخرون مِن تبعات هذه الخطوة ومن الأزمات/التفجيرات التي تثيرها: أزمة دينيّة، أزمة سياسيّة، أزمة أمنيّة، وأزمة أخلاقيّة، وأزمة قانونيّة، وأزمة مصداقيّة، و… فطلب من وزير خارجيّته أن يماطل في نقل السفارة، وأن لا يُعلِم بيبي نتنياهو بذلك.
بما أنّ القدس مقدّسة للأديان السماويّة (الأقصى والقيامة والهيكل)؛ فإنّها تتحلّى بالعديد من الرمزيّات: رمزيّة دينيّة وتاريخيّة وسياسيّة ودوليّة و… كثرت وتعدّدت القراءات والتأويلات والتحليلات حول قرار ترامب؛ بدأت بالسياسيّة والدينيّة والقوميّة، وانتهت بالعسكريّة. وجاءت ردود الفعل وكأنّ القرار كان صدمة مفاجئة للحكّام والقيادات السياسيّة والدينيّة والاجتماعيّة العربيّة.
ألم يكن القرار أحد بنود برنامج ترامب الانتخابيّ؟ ألم يطالب العديد مِن السياسيّين الأمريكيّين علاوة على اللوبي الصهيونيّ والمتديّنين الصهيونيّين (مسيحيّين وإسلاميّين) بنقل السفارة واعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، في العديد من المناسبات، ومنذ عشرات السنين؟ ألم يوقّع الرئيس “الديمقراطيّ” الأسبق، بيل كلينتون (نجم كامب ديفيد ووادي عربة والسلام) على قرار نقل السفارة في سنة 1995؟ ألم يتشاور الرئيس ترامب مع حكّام السعوديّة والإمارات و… حول قراره؟ وهل كان ردّ هؤلاء الحكّام راداعًا؟ ألم يكن ردّهم على ترامب ردًّا قراقوشيّا: إعلنها ونحن لم نعلَم بذلك؟!
أشعر بالضيق، عندما أقرأ تحليلا أنّ قرار ترامب جاء ليرفع من شعبيّته الهابطة، مِن خلال استثمار وسائل الإعلام الأمريكيّة التي يتحكّم بها اللوبي الصهيونيّ، أو لإثارة الصراع الدينيّ ولتغييب الصراع القوميّ، وكأنّ الصراع الدينيّ هو صراع رجعيّ، والقوميّ تقدّميّ! هل النزاع السنّيّ الشيعيّ هو رجعيّ لأنّه يبعد العدوّ الإسرائيليّ عن حلبة الصراع … والنزاع الفلسطينيّ الإسرائيليّ هو صراع قوميّ تقدّميّ، لأنّه يؤدّي إلى تصادم العربيّ باليهوديّ؟!
على العكس، لقد هاجمت غالبيّة وسائل الإعلام الأمريكيّ خطوة ترامب، فالصحفيّ توماس فريدمان الذي تطوّع في شبابه للعمل في كيبوتسات إسرائيل، ودعا وتحمّس لشنّ الحرب على العراق من أجل أمن إسرائيل، ونقَل بنود المبادرة العربيّة للأمير عبدالله (عندما كان أميرا) التي اعتمدتها القمّة العربيّة في بيروت، في سنة 2002، قد شبّه ترامب ببابا نويل، لأنّه لم يربط الاعتراف الأمريكيّ بالتسوية النهائيّة بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين، وتساءل فريدمان: لماذا يقوم ترامب بمنح هذا الحقّ مجّانا، ولا يستخدمه (بطل الصفقات) كورقة من أجل تعزيز منظور الصفقة؟ صفقة إسرائيلية- فلسطينية؟ على الأقلّ كان بإمكانه أن يطالب بوقف الاستيطان، وأن يتصرّف كوسيط ويعلن القدس العربيّة عاصمة للدولة الفلسطينيّة العتيدة، وأن يبدأ ببناء سفارتين.
إذًا، لماذا فعلها ترامب؟ فتّشوا عن الجواب في ملفّات الشركات الرأسماليّة العابرة للقارّات، وستجدون، أيضا، أنّ الشعبين: الإسرائيليّ والفلسطينيّ، ضحايا جشع هذه الشركات الناقلة للموت والدمار. وواجب العقّال أن يمنعوا الناس البسطاء من السقوط طعامًا لمدافعهم.

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*