في القدس – نبيل طنوس

في القدس
في البقعة، ساعةَ بابِ وعيي،
قبلَ النكسةِ، كنتُ هناك:
البقعةُ، لماذا الاسم عربيٌّ؟ لماذا ؟
في القدس
مِفتاحُ الوعي الأولِ،
موجاتُ الفكرِ العرضيةِ والطوليةِ
تتسارعُ، تتكررُ وتدور:
من أنا؟ من أكون؟
طافت بي من بيتٍ إلى بيتٍ:
أُنظر! قصرٌ هنا وقصرٌ هناك،
تَخَيَّل كم فَكَّر أصحابُها؟
كم قرروا، كم بدلوا،
كم سال دمُّ أصابِعِهم عند نقلِ
حجارتِها. لكلِّ حجرٍ روايَتُهُ.
وكلُّ حجرٍ لَمَسَتْهُ أيادي
إخوتي أو إخوتِكَ
تَخَيَّل كم سأل صاحبُ البيتِ
زوجَتَه وربما أُمَه وأباهُ:
ماذا نغرسُ على جانبيِّ البَوابَةِ؟
ماذا نكتبُ فوقَ المدخلِ؟
“هذا من فضلِ ربي” أو
“هذا من تعبي وعرقي!”
هذا من تعبِكَ، من كَدِّكَ،
من حُلُمِكَ المنهوبِ!
“ادخلوا آمنين،
البيتُ بيتُكم”،
“نحنُ الضيوفُ وأنتم
أصحابُ البيتِ!”
يا ألله!
لماذا أنتم طيبون؟ لماذا؟
لماذا كلُّ هذا؟
في القدس
بعد النكسةِ كلُّ ما في القدس
حياةٌ رغم النكسةِ:
رائحةُ الكعكِ، رائحةُ الخبزِ،
التوابلُ، رائحةُ السوقِ
في القدس
تفتحُ السوقُ أبوابَهَا،
وبعضُ النساءِ يجلسنَ على
أرض القدس
يفتحنَ أكياسَهُنَ لتعتشن:
نعناعٌ، بصلٌ أخضرُ، فجلٌ،
وكلُّ نوعٍ مما تُحِبُّ.
تتهادى الفتياتُ إلى مدارسهِن،
يخرجُ الناسُ إلى أعمالِهم،
يبحثُ كلٌّ منهم عن الهدوء
يُحبُّ الحياةّ ويُحَبُّ الناسَ،
ربما تقول:
إنه ساذَجٌ، فكيف يُحبُّ ؟
في القدس
تعلمتُ أن القضيةَ
أكبرُ
أكبرُ بكثيرٍ من كنيسةٍ ومن مسجدٍ
في القدس
تعلمتُ أن القضيةَ: كلُّ
حبةِ ترابٍ،
نسمةِ هواءٍ،
حجارةِ البيتِ، حجارةِ الرصيفِ،
أصواتِ الناسِ، ضحكاتِ الأطفالِ،
بَسَماتِ الرجالِ، حياءِ النساءِ،
أجراسِ الكنائسِ، وأذانِ المساجدِ.
“سنرجعُ يوما” “أغدا ألقاك”
“على الله تعود” عند الباعةِ
القدس
كلُّ ما نَشُمُّ، ما نلمَسُ، ما نرى ،
ما نسمعُ، ما نذوقُ
القدس
كلُّ ما نفكرُ كلُّ ما نُبصرُ
القدس
كلُّ ما في وعْيِنا
وكلُّ ما في لا – وعينا
القدس، آهٍ حبيبتي
أنت حبيبتي!

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*