من السفر بلك إلى الدولة الواحدة – بقلم اسكندر عمل

أربعة قرون جثم الحكم العُثمانيُّ الظَّالم، على البلاد العربيَّة فقد احتلَّها السُّلطان سليم الاوَّل عام ١٥١٦ وبقي هذا الحكم الغاشم حتَّى انهيار الإمبراطوريَّة العثمانيَّة التي تحالفت مع دول المركز وعلى رأسها ألمانيا عام ١٩١٨
وتُعتبر هذه الفترة من أحلك الفترات في تاريخ العرب، فقد عانت البلدان العربيَّة من الفقر والجهل والمرض قضى جمال باشا السَّفَّاح على عشرات المفكرين والمناضلين ضد الظلاميَّة العثمانيَّة.
والذي زاد الطين بلَّة السَّفر برلك وتجنيد الشَّباب العرب للخدمة في الجيش العثمانيِّ في بلاد بعيدة عن أوطانهم، ولا ناقة لهم فيها ولا جمل.

وكاتبنا في كتابه هذا أخذ شخصًا قريبًا عاش ويلات الحكم العثمانيِّ وجند قسرًا في الجيش العثمانيِّ وسيق مع الآلاف من أبناء شعبه إلى قدر مجهول، وهو جدُّه يوسف الذي روى له بالتَّفاصيل ما عانه وهو بهذا يكون مصدرًا اوليًّا للحقيقة التَّاريخيَّة التي يعرفها بَعضُنَا ويسمع بها أكثرنا دون ان يدخل في تفاصيل هذه الفترة من تاريخ شعبنا.
‏اماالفراري أي أولائك الذين نجحوا في التَّهرب من هذا القدر فقد تحدَّث عنهم الكاتب ممثلين بجدِّه سمعان الذي ركَّز على دوره في فترة ما بعد السَّفر بلك وأسهب في دوره في مقارعة المحتلِّ الانجليزيِّ وشرح عن معاناته في حيفا من أجل لقمة العيش وكيف قاوم ككثيرين الخطر الصهيونيِّ وإصابته برصاصة أعاقته فيما تبقى من حياته وتتطرَّق إلى تعرُّفه على البلاشفة وأنَّهم يدافعون عن المظلومين ويقفون في وجه الظُّلم بقوَّة وعنفوان. لم يكن سمعان ممن يقفون على الجدار ويرقبون الحدث بل أراد ان يكون شريكًا في العمل من أجل إنقاذ ما تبقَّى من الوطن الذي رأى بأمِّ عينه أنَّه يضيع وأن الخطر الصهيونيَّ مدعوم من المستعمر البريطانيِّ الذي لم يألُ جهدًا في ترجيح الكفَّة لصالح الصَّهيونيِّين. رأى سمعان بفطرته المقاوِمة انَّ مكانه الصَّحيح في صفوف عصبة التَّحرُّر الوطنيِّ التي تأسَّست في العام ١٩٤٣ وهدفت إلى مقاومة الخطرَين البريطانيِّ والصَّهيونيِّ وسعت إلى إقامة دولة ديموقراطيَّة علمانيَّة لكلِّ سكَّان فلسطين آنذاك..
‏ لم تكن الأمور سهلة اذ كانت المؤامرة كبيرة والأعداء المتربِّصون للوطن نَهْمَهم لم يكن متواضعًا، وامكانيَّات الفلسطينيِّين كانت شحيحةً اذا ما قورنت بالكمِّ الهائل من الدَّعم الذي حصل عليه الصَّهاينة، لذلك نجح المتآمرون في تهجير اكثر من سبعين ألفًا من سكان حيفا العرب، حيفا البلد الثَّاني لسمعان بعد المغار التي غادرها إلى حيفا طلبًا للرِّزق قبل اكثر من عقدين، من النَّكبة..
لم يسلِّم رفاق الحزب بالأمر الجديد وحاولوا ان يمنعوا كارثة التَّهجير لأنَّهم هم فقط وليس جيش الإنقاذ أو غيرهم الذين ادركوا أبعاد المؤامرة وعلموا ان هذا التَّفريغ للوطن يهدف إلى توطين أعداد كبيرة من المهاجرين اليهود الذين وصلوا إلى البلاد من بلاد بعيدة، لمم، كما لقَّبهم ابو عايدة (داود تركي) في قصائده. فقام اعضاء من عصبة التَّحرُّر وعلى رأسهم توفيق طوبي وعصام العبَّاسي وآخرون بكتابة منشور سعوا إلى توزيعه في ميناء حيفا وفِي كلِّ مكان نجحت قواهم في الوصول إليه يحثُّون فيه الأهل الفلسطينيِّين في كل مكان ان لا يتركوا الوطن وأن يتحدُّوا المؤامرة ويقفوا في وجه الرِّياح العاتية.
‏لكنَّ النَّكبة حلَّت على أبناء هذا الشَّعب وشرَد السَّواد الأعظم منه وهدَمت اكثر من أربعمائة قرية فلسطينيَّة ولَم يبق منها الا الجوامع في بعضها والكنائس في بعضها الآخر أمَّا اكثريَّة القرى لم تترك العصابات الصهيونية فيها حجرًا على حجر.

في هذا الكتاب يصل الكاتب الى التَّنظيم الذي اقامه عمُّه دَاوُدَ تركي ليؤكِّد ان ما قام به دَاوُدَ لم يأتِ من فراغ ويركِّز في المحكمة على الحلِّ الذي حارب من أجله المناضل دَاوُدَ تركي ألا وهو حلُّ الدَّولة الواحدة للقضيَّة الفلسطينيَّة ، الدَّولة الدِّيموقراطيَّة العلمانيَّة الواحدة
وقف دَاوُدَ تركي في المحكمة كالطَّود لا ينحني ولا يساوم وقال بالفم الملآن إنَّ اسرائيل ليست بقرة مقدَّسة وأنَّ الخيانة العُظمى هي لجسم تعترف به وهو لم يعترف بهذا الكيان..
بعد إصدار الحكم وقف أعضاء التَّنظيم يهودًا وعربًا وأنشدوا نشيد الأمميَّة بصوت مرتفع وكأنَّ الحكم الجائر الذي صدر بحقِّهم كان لآخرين، لم يشعر أحدٌ منهم بالرَّهبة ولا بالندم فقد قضى جميعهم الحكم الصَّادر بحقِّهم اما دَاوُدَ تركي فحُرِّر في صفقة أحمد جِبْرِيل الذي كنَّ له دَاوُدَ تركي احترامًا خاصًّا وعاد إلى حيفا وبقي في حيفا ووارى ثرى حيفا، وعندما سأله الصَّحفيُّون الذين مثَّلوا معظم صحف البلاد إن كان نادمًا على ما فعل، اجاب لقد دفعت الثَّمن ولا اريد دفعه مرَّتين.

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*