ثقافة” المقاهي ومقاهي الثّقافة – بقلم اسكندر عمل

يقولون قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق لذا فليعذرني أصحاب المقاهي والمطاعم والبارات والمقاهي الليليّة، فأنا لا أضمر لهم أيّ عداء أو ضغينة، ولا هدف لي من هذه الصّباحيّة إلا مصلحة شبابنا وشابّاتنا، جيل المستقبل،ولا أقصد مقاطعة المقاهي لكن تحديد مهمتها ، إن كان لا بد من ارتيادها.
من المعروف أنّ عمالقة الأدب من كتّاب وشعراء كانوا يختارون مقهى معيّن يعرف الجميع تواجدهم فيه، وكانوا يبدعون في انتاجهم الأدبي والفكري، ويلتقيهم الأدباء والشّعراء وتتحوّل المقاهي إلى نوادٍ أدبيّة، ومن هناك وصلتنا أروع الدّواوين الشّعريّة والقصص والرّوايات.
ففي مصر مثلاً اشتهر عدد من المقاهي مثل مقهى “الفيشاوي” وكان من أشهر روّاده نجيب محفوظ والإمام محمد عبده وجمال عبد النّاصر وعبد الحليم حافظ ومحمد فوزي وليلى مراد ومحمد الكحلاوي وعبد المطّلب وعبّاس محمود العقّاد ونجيب الرّيحاني. وكان مأوى للفنّانين التّشكيليّين العالميّين الّذين كانوا يجلسون ويرسمون لوحاتهم المستوحاة من حي الحسين وخان الخليلي. وكان في المقهى قاعة خاصّة تُسمّى ” البيسفور” كان يجتمع فيها علماء الأزهر بعد صلاة الجمعة ويتناقشون في أمور الدّين. ومقهى “ريش” الّذي اعْتُبِر بمثابة الأم للعديد من المشروعات الأدبيّة والفكريّة، ففيه وُلِدَت فكرة مجلّة ” الكاتب المصري” الّتي تولّى رئاستها طه حسين، ومجلّة ” الثّقافة الجديدة” لرمسيس يونان، و”جاليري 68″ لكُتّاب السّتّينات. وكان نجيب محفوظ يعقد ندوة اسبوعيّة يوم الجمعة في هذا المقهى. وتمّ الإعلان فيه عن انشاء أول نقابة للموسيقيّين في مصر والعالم العربي في الأربعينات من القرن الماضي. في دمشق قامت المقاهي بنفس الدّور الأدبي والفكري ومن أشهر مقاهيها “مقهى البرازيل” و”مقهى هافانا” و”مقهى القنديل” الّذي كانت تعقد فيه “ندوات الثّلاثاء” الّتي أدارها الأديب شوقي البغدادي.
وفي السّودان اعتُبِر مقهى ” المحطّة الوسطى” كجامعة شعبيّة مفتوحة للنّشاط الطّلّابي. وفي الجزائر أبدع الكاتب محمد ديب أحدى روائعه القصصيّة في مقهى “الرّمانة” وهي تحمل اسم المقهى “رُمّانه”. وما ذكرته هو أمثلة فقط، فهناك العشرات من المقاهي في العالم العربي والعالم الّتي لعبت هذا الدّور. ومحليّاً شهدت بعض مقاهي هدار حيفا ابداع عدد من شعرائنا وأدبائنا الأعلام.
أمّا اليوم فالمقاهي أصبحت “عادة” يمارسها معظم شبابنا صباح مساء، يقضون ساعات، ينشغلون خلالها بهواتفهم النّقّالة وب”الأيفونات” و”الآيبادات” وا”لآيبودات”، فاحصين الفيسبوك كل دقيقة او دقيقتين، وهم بذلك يخفّفون عن أنفسهم” أعباء الحياة” أو يبعدون الملل عنها، وقلّما تجد من يقرأ كتاباً أو حتّى صحيفة “وهي أضعف الإيمان”، أومن يناقش الوضع السّياسيّ أو الاجتماعي، فهذه الأمور “توجع الرّأس” وتثقل عليهم ولتُتْرك هذه الأمور للسّياسيّين. والأنكى أنّك تجد الأبناء في هذا المقهى والآباء والأمّهات في آخر على قرب أو على بعد وكل يغنّي على ليلاه.
كل ما ذكرته لا يعني أن لا ننعم ببعض الرّاحة في مقهى أو مطعم في عطلة نهاية الأسبوع كعائلة يجتمع أفرادها بعد انشغال كل منهم خلال الأسبوع بعمله أو دراسته، أو أصدقاء وصديقات يتمتّعون معاً ويقضون وقتاً في ما يسرّ قلوبهم ويسعدهم أو يناقشون مواضيع السّاعة فيدلي كل بدلوه ويثري بعضهم البعض بالأفكار والمعلومات فتعم الفائدة.

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*