الطائفية.. منكم واليكم – زاهد عزت حرش

 

تَبًا لزمن صرنا نتوق فيه الى زمن المخترة وسادة القوم، ونقول: “يا ريت بترجع ايام زمان”. اذ انه فيما مضى كان الناس يخجلون من المجاهرة بانتماءاتهم الطائفية، وكان الامر يقتصر على نوع من المفاخرة والكبرياء العائلي او الحمائلي، اذا ما كانت العائلة او الحمولة كبيرة العدد كثيرة المال والعقارات، وتستند الى تاريخ مشرف تنضوي في ثناياه ثروة العلم، وتاريخًا من الرجولة والبطولة، في حين كانوا يخجلون من تورط نفر منهم في العمالة والنذالة والفتنة بين الناس.

لقد وصل الامر بمجتمعنا الى التلويح علانية بكل ما هو مدعاة للفتنة والتفرقة بين ابناء البلد الواحد. واكبر مثال على ذلك قوائم الانتخابات للبلديات والمجالس المحلية في قرانا وبلداتنا العربية، التي تنعم بممارسة “الديمقراطية” الاسرائيلية، المفتوحة على كل ابواب الفساد وبيع الذمم. وقد كانت تلك القوائم في ما مضى، تخجل ولا تجرؤ على تسمية قائمتها الانتخابية بانتماءها الطائفي، حتى وان كانت تعمل بشكل طائفي في الخفاء. وعلى الرغم من ان تلك الجولات الانتخابية كانت تشهد بعضًا من الحوادث المفتعلة لخلق صراعات فئوية هنا او هناك.. الا انه دومًا كان هناك من يتصدى لها ويمحو اثارها حفاظًا على البلدة ونسيج علاقاتها الاجتماعية والاهلية.

وهذه شفاعمرو “المدينة” بل “القرية الكبيرة”، التي لا يتعدى عدد سكانها عدد اصغر حي من احياء اي مدينة تحمل صفة “المدينة”.. لأن هذا المسطلح “المدينة” جاء من التمدن، أي التطور واللحاق بركب العصر من علم وادب وعلاقات اجتماعية، حيث ترقى ببنيتها التحتية ومشاريعها الثقافية والعمرانية وبأبنائها إلى مستوى العصر المشرق، اسوة بالزمان والمكان الذي تعيش فيه. بيد أن هذا “القرية الكبيرة” تعيش أكثر من حالة انفصام في شخصيتها وتركيبتها ونسيجها الاجتماعي، القائم على أسس واهية. ففي حين يمتلك أبنائها الكثير من أدوات التكنولوجياالعصرية، ويمارسون العديد من الأعمال التقنية والعلمية، إلا أن السواد الأعظم منهم، لا زالت عقولهم ومعتقداتهم ترزح تحت وابل من التخلف والرجعية الفكرية والعقائدية، فتجدهم يتعصبون فئوياً وطائفياً للصف الذي ينتمون اليه، ضاربين بعرض الحائط أي انتماء وطني أو بلدي، اجتماعي وانساني لهم.

هكذا لم يعُد من المخجل أن تسمي أية قائمة انتخابية اسمها باسم طائفي. ويعود ذلك إلى مركب النقص النفسي والاجتماعي لأصحاب هذه القائمة أو تلك، ولأن تاريخهم الإنساني والاجتماعي لا يملك أي ميراث ثقافي، علمي، اجتماعي، قيادي، ولأنهم لا يملكون برنامج عمل حقيقي يستطيعون من خلاله العمل على خدمة البلدة واهلها، في حال وصولهم إلى مقعد في المجلس البلدي، لذلك لم يبقى أمامهم سوى أن يرفعوا لواء الطائفية مستندين على غباء الأخرين أجل السيطرة عليهم.

دعونا نسمي الأشياء بأسمائها، إذ كيف يجرؤ هؤلاء باصدار نشراتهم أو منشوراتهم، وهم يضعون على رأس صفحاتها آية من الكتب المقدسة، لرفع وتيرة الحس الطائفي بين أبناء هذه الطائفة أو تلك. في حين أن معظم الناس يعرفون، أن الجزء الكبير من هذه النشرات والمنشورات ستذهب إلى حاويات القمامة، أو ستصبح مداس لاقدام وأحذية القوم بعد التخلص منها. فأين هو الايمان؟ وأين هو احترام ما جاءت به كتب الديانات السماوية لكل طائفة منهم، حتى لا يصيب آياتها أية اهانة من أي نوع كان؟ بل أكثر من ذلك، أي قائمة طائفية عملت على عقد جلسة للمجلس البلدي وطرحت فيها فكرة تعظيم شأن الطائفة “الدين” وحث المجتمع على التعمق في أهداف الدين ومزاياه. ووالله لو فعلوا ذلك لوجدوا أنهم ملزمين بالتخلي عن طائفيتهم وعنصريتهم، لان الله هو رب الناس جميعًا، حسب المعتقدات الدينية كلها.

إن العمل البلدي عمل اجتماعي وسياسي، يهدف ألى تطوير البلدة وتحسين أجوائها الإنسانية والعمرانية، ولا ولم يكن في يوم من الأيام عمل ديني أو طائفي، وأن كل قائمة تعتمد على البعد الطائفي في سياق عملها البلدي، تفعل ذلك لأنها لا تملك أي بديل مقنع لاحتواء من يدعمها ويؤيد زعامتها. فعار على كل من يتبع النهج الطائفي للعب بقول الناس وجلبهم إلى صفه، وعار عليه وعلى من يتبعه لأنه سيجلب على البلدة ويلات لها أول وليس لها أخر.

فيا أيها الناس يكفي الناس ما فيها.. وشفاعمرو يكفيها ما هو فيها.. فالمخفي أعظم، والقادم أخطر، فأتقوا البلدة من شر ما فيها.

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*