لمن أكل “الأفيون” – د. خالد تركي

 

في يوم ما وفي احدى السَّنوات، شاهدتُ، على شاشة التِّلفاز تقريرًا إخباريًّا، ينقل للمشاهدين، كيف تَهدِم قوى الظَّلام في محافظة أربيل، العراق، مسجدًا، بقبَّته ومئذنته ويُصبح غبارًا أحمرًا وبُنِّيًّا يطال السَّحاب، وفي برنامج آخر، نرى كيف تُحرَق كنائس الموصل، ويُطرَد أهلها المسيحيِّين، ويُكَرَّهون في الدِّين أو يُهجَّرون ويُقتلون ويُذبحون أو يُجبَرون على دفع الجِزية وفي نفس الوقت، وعلى قناة الإرسال إيَّاها تبثُّ صورة مسجدٍ، بغزَّة العِزَّة، مهدومٍ بكلِّ مكوِّناته، القبَّة والمئذنة، (نُشِرت في ذلك اليوم على صفحة “الإتِّحاد” الثَّانية) بعد عمليَّة قصفٍ جوِّيَّةٍ إرهابيَّةٍ، ليصل عدد المساجد التي هُدِمت في القطاع الصَّامد والمقاوِم إلى أكثر من ستِّين جامعًا فوق رؤوس المصلِّين، ويصل عدد الشُّهداء فيها جرَّاء القصف إلى ما يُقارب الألفين، ستَّة وثمانون بالمائة منهم من المدنيِّين، وأكثر من عشرة آلاف جريح، معظمهم من المدنيِّين أيضًا، وها هو مسجد الأقصى وقبَّة الصَّخرة والحرم الإبراهيميُّ وكنيسة القيامة والمهد والأوقاف تُستباح يوميًّا وتُناجيهم بالذَّوْد عنها، لكنَّهم أموات لا يرفُّ لهم رمش ولا يحركون ساكنًا، كقول الشَّاعر “قد أسمعتَ لو ناديتَ حيًّا ولكن لا حياة لمن تُنادي”، وشاهدتُ، كذلك، صورة هدم أماكن العبادة في الرَّقَّة ودير الزُّور وغيرها من مناطق سورية الحبيبة، وقد أعادني هذا إلى الأيدي المجرمة التي فجَّرت الكُنُس في مصرَ وفي العراق في أماكن أخرى من الوطن لتُجبِر اليهود على الهجرة إلى فلسطين وترك أوطانهم!

إنَّ الأيدي التي أقدمت على هدم أماكن العبادة، على مختلف انتماءاتها الدِّينيَّة والمذهبيَّة والعقائديَّة، في وطننا العربيِّ، القسم الشَّاميِّ منه، واحدة، في الشَّكل والمضمون والهدف، تُريد قَصْم ظهر أمَّتنا الأبيَّة وشرذمتها وتقسيمها إلى فئات وجزَيئات ليسهل عليهم قَضمها وتقليمها لتسبُر عميقًا في اللحم الحيِّ، وتفكيك الجسد ونزعه بعيدًا عن أعضائه، لتقْطَع الأيدي كي لا تعمل وتُقطِّع الرُّؤوس كي لا تُفكِّر..

إنَّ المؤامرة على وطننا كبيرة وستطول على ما يبدو لكنَّها لن تنال من عزمنا وهمَّتنا وإرادة شعبنا، وسننفخ بالنَّار لتُضيء لمن أكل “الأفيون” القاتل والسَّام من كتفه ومن أوصاله، “ولو نار نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفُخ في رماد، ويُتابع: :لقد أسمعت لو ناديت حيًّا ولكن لا حياة لمن تنادي (عمرو بن معد يكرب بن ربيعة الزبيدي)، وما يجري في منطقتنا هو تشويه لتعاليم الإسلام السَّميح والمتسامح والقِيَم القويمة التي نقلت الحضارة والعلم والأدب والفنَّ والانسانيَّة والرِّفق بالآخر إلى جميع أنحاء المسكونة، وإنَّ ظاهرة “داعشو”النُّصرة” و”جند الشَّام” و”الخلافة الجديدة” جاءت في ظاهر إسلاميٍّ وباطنٍ صهيونيٍّ، إمبرياليٍّ وعربيٍّ رجعيٍّ، يُراد منها تشويه صورة الإسلام وتعاليم الرَّسول العربيِّ الكريم..

إنَّ جميع هذه الظَّواهر المجرمة مرفوضة وبعيدة عن الإسلام، بُعد القمرين عن بعضهما البعض، وهي هي أفيون الشُّعوب، ستزول كما جاء في حتميَّتنا..

وحدتنا في قوَّتنا وقوَّتنا في وحدتنا ووحدتنا قوَّة وأقوى من أيِّة قوَّة..

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*