معلول تقوم بقيامة أهلها – نداء نصير – 22 نيسان 2019

 في معلول أناسٌ اعتادوا كلّما أتى ثاني يوم الفصح المبارك أن يعرّجوا على الجامع الصغير المقفل المُهمَل، ثمّ يذهبون بأبنائهم للصلاة في الكنيسة. في هذه القرية التي كانت يومًا ما- حيّة بناسِها وأهلِها الطيبين، نوعٌ من البشر يعتبرون أن العيش المشترك ليس مجرد شعار يتغنّون به، هو نهج عيش زرعوه بتراب أرضهم فأثمر إيمانًا عندهم لا يستقيم وغير مقبول إلا بإحياء صلاة ثاني اليوم الفصح على الأرض الخيِّرة، فإن كان الجامع مقفلًا بحكم الظالمين، فالكنيسة تتسّع للجميع.. إنها معلول…تقوم بقيامة أهلها..

أعدّه: نداء نصير

لهذا العيد أسماء كثيرة أشهرها الفصح والعيد الكبير وعيد القيامة، هو انتقال السيد المسيح من الموت الى الحياة، ولدى أهل معلول أيضًا يعني الرجوع الى الحياة الى معلول وما كانت عليه قبل النكبة، مستغلين ثاني اليوم العيد وفق التقويم الغربي، لإقامة الصلاة في كنيسة مار يعقوب الكاثوليكية في القرية المهجّرة والواقعة قرب قرية يافة الناصرة، في الجليل الأسفل. وهو الطقس الديني الوحيد المسموح لهم منذ أكثر من 16 عامًا، والذي يعتبر رمزًا للتعايش والالفة والمحبة بين أهل قرية معلول المهجرة على مختلف انتماءاتهم وأطيافهم من الجيل الاول الذي عصرَتهُ النكبة حتى الجيل الرابع لغاية الآن.

القيامة في معلول

لم تُثنِ صقوعة نيسان وشتاءه وبرده القارص الملتف على تلك القرية المزيونة والمزدانة بأهلها من أطفال ونساء ورجال، من مسلمين ومسيحيين، لم تثنيهم عن تقديم التبريكات والمعايدات وعن حمل بيض الفصح المصبوغ بفعل الصفّير الذي ملأ الأرجاء، والزعتر والخبز الساخن الطازج الممزوج بحكايا العجائز هناك. هم لا يتركون أحدًا دون أن يتناول هذه الوجبة الصباحية الفصحية، مضافة اليها القهوة، القهوة المعلوليّة التي لا مجال للتخلي عنها أو رفضها.

المجدّرة شؤم الدار

أول ما التقيتُ بها، كانت من أبناء الجيل الثالث، الفنانة الممثلة رنين بشارات- إسكندر، وقد ذكرتْ أنها تتواجد في القرية صباح كل ثاني فصح، وهي عادة ما انفكت عن تركها أو تجاهلها هي وأبناء اسرتها، قائلة: “هو تقليد سنوي قداس وفطور جماعي في معلول قرية أهلنا المُهجرة في فلسطين. ومعلول لها مكانة خاصة في قلبي لما تحمله من إرث تاريخي وذكريات أجدادي وجداتي “. موضحةً أنه من المهم، لا بل من الضروري الحفاظ على موروث التراث ونقله للأجيال القادمة، مشيرة الى ابنها الطفل هاني إسكندر الذي اعتاد هو أيضًا أن يزور القرية وبشكل خاص اليوم الثاني من الفصح، “لفقس البيض”، على حد قوله والالتقاء بالأصحاب. وتسرد الفنانة رنين بشارات إسكندر، ما حدّثتهُ به جدتها- أم الشفيق بشارات يوم حلّت النكبة على القرية، حين أُرغِمت على ترك القرية بغفلة عين، وكانت قد سوّتِ العدس وهيأت طبخة المجدرة، وتركتها في قدر على النار، لقناعتها الكاملة أنهم عائدون، ولم تدرك وقتها أن العودة استحالت يوم وُضِعتْ معلول ضمن مخطط المرحلة الثانية من عملية “ديكل”، إذ إنها احتلت قبل يوم واحد من الاستيلاء على الناصرة في 15 تموز 1948 وقد تمّ إخلاء القرية من سكانها كلهم، وان منازلها سويت بالأرض بالكامل.

أيقونة معلول

الاشبين مسلم والمؤذِّن مسيحي وقتَ كان الجمعُ في قرية معلول، يعيدُ سرد أحداث النكبة والتهجير.. تجوّلتُ باحثةً بين الجمع عمّن يساعدني في الكشف عن أسرار هذه البلدة التي يأتيها جموعها يوم الثاني من الفصح، لماذا في الفصح تحديدًا؟ وما الذي يميّزها عن غيرها من القرى المنكوبة؟ بعد التطواف استطعتُ أن ألتقي بابن الجيل الثاني، الذي عايش تداعيات النكبة، السيد عايد علي الصالح، وهو المولود عام 1958، في مدينة يافة الناصرة، الموطن الذي استقره الأغلبية الساحقة من سكان معلول، نظرا للقرب الجغرافي ولعلاقات القرابة والنسب بين سكان معلول ويافة الناصرة، واليوم يتواجد في المجلس البلدي هناك 3 أعضاء من أصول معلوللية، على حد قول السيد عايد. ما يميّز البلدة، أن العلاقات بين سكانها على اختلاف انتماءاتهم كانت وما زالت وطيدة جدًا، وخير دليل على ذلك، ما كان يتبعه سكان البلدة من تقليد في الأعراس- فالعريس المسيحي يوكلُ له اشبين مسلم من البلدة، وقد ظلت هذه العادة تلحق سكان القرية ويلحقونها بعد نزوحهم قصرًا، حتى سبعينيات القرن الماضي. كما وعُيِّنَ مختاران للبلدة، الأول مسيحي، وهو عوض الياس ووظيفته تسجيل السكان، والثاني مسلم واسمه يوسف المحمد عباس، وقد كانا يقومان بتشكيل لجنة من البلدة لحلّ المشاكل، إذ لم تصل اية مشكلة الى المحاكم، فجميعها كانت تُحلّ في البلدة بمعية اللجنة ومترأسيِها المختارينِ، على عكس ما كان يحصل في بلدات وقرى أخرى. أمّا قصّة خطيب البلدة ومؤذّنها، فهي غريبة، تتمحور حول بطلينِ اثنين، الأوّل وهو خطيب البلدة ومؤذنها واسمه سعيد الخطيب من دار عباس، والثاني صديق الأول واسمه يوسف السالم وهو مسيحي، كان الاثنان يمتلكان صوتًا عذبًا جميلا، حيث كانا يغنيان في الاعراس والمناسبات معًا. في احدى المرات مرض سعيد الخطيب وبحّ صوته وقد أوصى صديقه يوسف السالم أن يؤذِّن بدلا عنه، لم تمتلك البلدة وقتها سماعات مثلها مثل غيرها من البلدات، وافق يوسف السالم شرط ان لا يتوكل آذان الصباح لأنه لا يقوى على القيام باكرًا، وهكذا كان، رُفِعَ الآذان على مدار أسبوع بصوت مؤذِّنها المؤقَّت يوسف السالم.

“تفرَّقنا هيك وكان كل واحد بِغُربي”

يسكن اليوم الغالبية الساحقة (ما يقارب 90%) من مهجري معلول في قرية يافة الناصرة التي تبعد كيلومترين عن معلول، وقسم في الناصرة وقرية عسفيا وكفر كنا، والجزء الأصغر تم تهجيره في عام النكبة. بعد النكبة عام 1948، بقي من معلول مسجد مهجور وكنيستان (أرثوذكسية وكاثوليكية)، وكان عدد أهالي القرية يقدر بـ 900 نسمة، ويقدر عددهم اليوم بـ 16 ألف نسمة ومن أكبر عائلاتها البشارات وعلي الصالح. وما زالت هناك مقبرتان واحدة للمسلمين والثانية للمسيحيين، علمًا أن الأخيرة محاصرة داخل معسكر جيش الذي أقيم على أراضي القرية. نشير، الى أن كنيستيّ قرية معلول المهجرة ومسجدها تم هدمهم خلال عام 1948، بعد تهجير سكانها، إلا أنه تم ترميم كنيسة مار يعقوب للروم الكاثوليك وهي المحتفى بها منذ عدة سنوات، بواسطة اهالي القرية، بحيث بادرت لجنة تراث معلول الى حملة تطوع، فقد عملوا على تنظيف المقبرتين وكنيسة الكاثوليك خلال أسبوع وذلك قبل حوالي 10 سنوات. ابقوا على بلاط الكنيسة الأصلي، وقاموا بطلاء جدرانها وتثبيت ابواب الحديد الخاصة بها. كذلك الامر بالنسبة لكنيسة الروم الأرثوذكس الموجودة في البلدة، فقد بادروا الى ترميمها، الا أن الوكيل المخوّل بذلك حاول أن يغير من معالم الكنيسة بتغيير البلاط الأصلي. فتم توقيف أعمال الترميم. والكنيسة اليوم محاطة بسياج، لا يزورها أبناء رعيتها! أما بالنسبة للجامع، فما زالت قضية فتحه واستخدامه عالقة وهنالك دعوة قضائية للبتّ في أمرهِ، إذ كانت الحجّة أنه تمّ شراء الأرض المقام عليها الجامع عام 1989، على الرغم من أنه ادعّاء باطل! على أية حال، يصلي مسلمو معلول في الكنيسة ويشاركون في طقس الفصح، في يومه الثاني ويفقسون البيض ويرفعون الصلوات ويعايدون بعضهم بعضًا راجين قيامة مجيدة لمعلول.

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*