الموقف والوضوح في ” تعويذة الحب والياسمين” – غالب سيف


قرأت ديوان الكاتب هادي زاهر ” تعويذة الحب والياسمين” وهو ديوانه الأول في عالم الشعر ولفت انتباهي بان الكاتب يبدأ مسيرته الشعرية من المستوى المتوسط وما فوق، وقد يعود ذلك إلى ان الكاتب مارس كتابة الكثير من الألوان الأدبية، قصص قصيرة، رواية، مسرحية وهو يكتب زاوية أسبوعية ناقدة في كل الاتجاهات، منذ حوالي ال 30 عامًا يغلب على هذه الزاوية النقد الساخر، ولعل روحه الساخرة تنعكس في قصائده النثرية ايضًا والتي سنتطرق إليها من خلال استعراضنا لديوانه، إلى جانب القضايا التي تشغل بال كاتبنا والتي تشمل واقعنا المعاش في ظل ما يعانيه شعبنا من مظالم على يد الاحتلال، يهدي الكاتب ديوانه إلى الشهيدة رزان نجار التي قتلها الاحتلال اثناء علاجها للمصابين في مسيرات العودة وهو يخص قصيدة في رثائها جاءت تحت عنوان ” المسعفة”
“قتلوها كي لا تسعفُ
ضحايا حقدهم لا توصفُ
لحظة بلحظة.. يُضاعف جهدهم
كل شيء هنا يقصفُ
لا قبلهم ولا بعدهم
كهذا الرصاص ينعفُ”
إلى أن يقول
“هي دعوة لفوضى القتلِ
هولاكو وموسوليني يتدافعون في زحمة
وأتى يلهث عن بعدٍ أبى جهل”
اللعنة على أضلاع هذا المثلث
من غابت همجيتّه جاء يلهث”. ص 119
الإدانة شاملة في هذه القصيدة لإسرائيل والدول الغربية والرجعية العربية
نجد أن الهم الفلسطيني حاضر في قصائده بكل زخمه وتفاصيله ففي قصيدته التي تتصدر الديوان “في ذاكرتي تُخيّم الرحالة” يقول:
“جار علىّ الزمن
وما جُرت على أحد
أنا المنفيُّ بلا وطن
وغُربتي..
غُربةُ الروح والجسد”. ص 7
وهو يسخر من الحكام العرب الذين لا يهمهم سوى سعادتهم الذاتية
“لكم الطبل.. لكم الدفُ.. لكم البوق
هزوا أجسادكم الرجراجة
أطلقوا الموال أسمعوا كل من في السوق
اجرعوا الخمر.. لا تتركوا عند الخمار أي زجاجة” ص 8
وبما أننا تحدثنا عن السخرية في قصائده نراه في قصيدة ” سندوس رمال الجزيرة” يتحدث ساخرًا بلسان المستعمر الغربي المستهتر بالأمة:
بأياديكم ستغتالون ذاتكم
وبأصابعكم المرتجفة تكتبون شهادة وفاتكم ص58
ونجد هذا الهم في قصيدته “ملحٌ وماء” التي يهديها إلى اسرانا الذين اضربوا عن الطعام في سجون الاحتلال يقول:
“ماذا تبقّى لنا كي تسرقوه
لم يعد لنا بيدر قمح كي تحرقوه
سرقتم فصولنا الأربعة
زهر الربيع قبل ان نجمع
إلى ان يقول عاتبًا:
تركونا وحدنا على مائدة اللئام
وفي كل منفى نصبوا لنا الخيام” ص 90
وإلى جانب الآلام التي يعاني منها جراء ما يشاهده من جرائم الاحتلال نراه يفتخر بالانتماء لشعبه الفلسطيني وقد عبر عن ذلك في قصيدة ” كوفيتي هويتي” ساخرا من الحكام العرب ومن الثراء الفاحش الذي ينعمون به مقابل الفقر الذي يعاني منه الشعب:
انا لست من أمراء العرب
ولا أرتدي عباءة من قصب
كوفيتي هويتي
تمتص عرق الجبين لحظات التعب
وهي رمز قصيتي
إذا الكون من حولي مسه الصخب” ص 93
اما قصيدة” اخرجوا من هنا.. القدس لنا” التي يُكذب فيها الرواية الصهيونية التي تزعم بان المسجد الأقصى بني على أنقاض ” الهيكل”؟! هذه التكذيب يأتي على لسان كبير علماء الاثار ” يسرائيل فكنشنك” الذي كلفته الحكومة الإسرائيلية بالإشراف على عملية التنقيب تحت المسجد الأقصى، والذي افاد فان عملية التنقيب شملت كل الجهات وإلى العمق ولم يتم اكتشاف أي أثر للهيكل المزعوم يقول في القصيدة:
“ها هو بروفسوركم ” يسرائيل فكنشنك”
كبير علماء الآثار
بعد البحث والتنقيب والحفر ليل نهار
اتخذ بشجاعة القرار:
لا شيء هنا لكم
لا شيء على هذه الأرض موصولٌ بكم
إلى أن يقول:
في سيناء تاهت قوافلكم الشاردة
لو كانت هذه بلادكم
ومسقط رأس آبائكم وأجدادكم
فكيف تتوهون عنها يا أبناء المتاهة
حتى الجنين في بطن امه يعرف اتجاهه” ص 110
وفي قصيدة ” صدق دمهم” يسأل المحتلين، فيما إذا كانوا حكومة أم شركة للقتل؟
“عجز الوصف
هل هي دولة أم شركة للقتل
ما عاد بإمكاني أن اعرفها
كيف في الإمكان
في هذا الزمان
أن تغض الطرف
وانت تشاهد هذا السهل الممتنع” ص 122
إلى جانب التزامه بقضايا شعبه نجده مغرمًا أيضا بجغرافيا بلاده وبطولة أهلها عبر التاريخ من هنا لها منزلة خاصة في قلبه في قصيدة “انا ابن عكا” يقول بعد ان يذكر بالغزاة الذين طمعوا فيها وتحطمت احلامهم على اسوارها:
وتشهد الخليقة.. يشهد الكون
أنها لم تتغير ولم تبدّل اللون
كنعانية الحواري والأزقة
عربية الهوى والانتماء. ص 105
وهو متفائل إذا يقول في نهاية القصيدة:
أشعلي يا موقد الروح أشعلي الحطب
فالمطر الجميل أوله غضب
وآخرهُ زهرٌ يتفتح في كل الحقب
لا بد من عكا وإن طال الزمن
عكا خاصرُ البلاد وروح الوطن
وعكا الموت والميلاد
وعكا البعث والحياة ص 106
هموم الامة العربية مرافقة لأنفاسه، مع الشهيق والزفير، الحرب الكونية على سوريا وقبلها على العراق حاضرة في شعره وها هو يحاكي بلاد الرافدين في قصيدة “أبي العاصي وأمي الفرات”:
أنا العراق.. أنا سوريّا
أنا سورّيا.. أنا العراق
سليل الرافدين وبردى
أرض الحضارة أمّنا
وهذه الأنهر دمنا المراق
الذي يلتحف المدائن والقرى
حنّاء أصابع الجنّة.
وهو لا ينسى الجولان السوري المحتل ومناضلين هناك، وقد خاطب عميد الاسرة في سجون الاحتلال المناضل “صدقي المقت” في قصيدته “منديلا سوريا”
يا صدقي الصادقُ الصدوق
من جبينكَ الوضَّاء يبزغ هذا الشروق
فكيف إذن تضيع الحقوق
ومثلكَ.. بيننا
فأنتَ البوصلة وأنت الطريق ص 86
كما انه لم يتسَ ابنة الجولان السيدة بشيرة محمود التي تصدت للمحتلين عندما كانوا ينقلون قوى الشر والتكفير عبر السياج الحدودي من قريتها مجدل شمس إلى الشق الثاني من الجولان ليعيثوا في سوريا دمارا:
يا بشيرة المستبشرة المبشرة
وصلت منكِ الإشارة المؤثرة ص 73
وإلى جنب كل ذلك نجده يفتخر بالانتماء المذهبي خاصة وان التاريخ يقول الكثير عن بطولات الدروز في النضال البطولي الحربي القومي في وجه الاستعمار، من هنا يصيغ وصية المغفور له عطوفة سلطان باشا الأطرش شعرًا في قصيدة ” “نهر دفاق”
تحصنوا بالوحدة والإيمان
ورص الصفوف في الميدان
هذا هو الخيار الوحيد
حتى يبزغ الفجرُ الجديد. ص 25
ويبدو ان هادي لا يحمل اسمه خاصة انه يواكب الأحداث التي تسير بعكس تطلعاته ففي قصيدته ” شربت من دمي ما يشبع ذئاب الأرض” يواجه الاضطهاد الذي تتعرض له الطائفة الدرزية من قبل الحكومة الإسرائيلية ويبدو أن هذه القصيدة عبارة عن تسجيل موقف صلب يقول فيها:
أنا العربي الدرزي
عروبتي رأس مالي وكنزي
جذوري هنا في احشاء الصخرِ
في عروق ينابيع البحيرة والنهرِ
في بوح مشاتل الزهرِ
أنا من ذرات الهواء وفي خرير المياه
وانت من أي غبار وصلت إلينا
إلى ان يقول:
مثلك لا يجدي به الخير أبدا
وكل معروف من الاخرين إلية سُدى
ولو كان قطرة ندى
والخير والشر عنده سواءُ
لن أكون كما تشاء
عروبتي زمرةُ دمي
وفي شهيقي الذي اتنفس
وهذا هو هوائي الأنقى والاقدس
حرّى هي أنفاسي وزفيري عليك بلاء. ص 39
اما القصيدة التي حمل عنوانها اسم الديوان ” تعويذة الحب والياسمين” فهي قصيدة رومنسية طويلة تتحدث عن واجب التصدي للحروب بشكل عام كما انها تأتي على لسان فتاة تناجي حبيبها وتطلب منه أن لا يخدم في جيش الاحتلال:
“حبيبي تعال..
سأفرش عيني لك سريرًا
وأمد لك جفني غطاءً وثيرًا
تعال لنعيش مباقي البشر
ونصعد سفوح وذرى هذه الجبال
من هنا سيكون أجمل هذا القمر
وأكثر بهاءً في ظلال الشجر ولا تكن أداة قتل
بيد من يمارس جريمة الاغتيال. ص 39
قصائد هادي متنوعة تتحدث عن أمور حياتية كثيرة ففي قصيدة “مطر اخضر” يتحدث عن شجرة الزيتون ويبرز أهمية وقدسية هذه الشجرة المباركة:
جذورها القوية.. ممتدة في الأرض.. وذؤاباتها الندّية.. تلامس خد السماء.. حبها في الشرائع سنة وفرض.. طوبى لكل راكع على ترابها الفضاء.. تلكم حبيبتي، زيتونتنا الخضراء.. والتين والزيتون أحلي قسم.. قسم يردده في الصلاة
كل نبض” ص 102
يستخدم الشاعر بعض الرموز الفلسطينية ويربطها بالقرآن الكريم في قصيدة “أيها المسافر في فلك دمي:”
“بورك الزيتون والتين
في هذا البلد الأمين” ص 67
وهكذا يمنح شجرتي التين والزيتون بعدًا مقدسا.
اما قصيدة “عمدها بمسك وطيب الموج” فنجد جملا يتضح من خلالها تأثر الشاعر بكتاب الله وبالإنجيل نذكر منها: “أعرف بحري وحبه لي وزرقته التي عمدت مولدي “ص 82
“وقمطته الأرض طفلا وتعمدت به خطى الأنبياء
وتوضأ بزرقته الأنبياء ولاذت بذور الخليقة بهذا لترب. ص 83
وهكذا فهناك المسيحية في الطفل الذي تعمد بالماء، وهناك الإسلام في توضأ بزرقته الانبياء، وهكذا تنسجم المسيحية مع الإسلام من خلال “الزيتون والتين والنخيل. انها قصيدة رائعة فيها دلالات وخصوبة.
اما الصورة في قصائد هادي زاهر فهي واضحة تخلو من التعقيد، ولو اخذنا على سبيل المثال قصيدته الغزلية” عبق الروح” نرى أن الشاعر لا يجد ذاته إلا من خلال امتزاجه مع حبيبته.
ولا شيء ينقصني سوى أنت
ونقصي فيه اكتمالِ”
إلى ان يقول:
“كم أنت بعيدة.. وأقرب من قصيدة
إذا همست بها يفيض بروحي نيلُ.. مكتمل الجمالِ”
يا لهذه الصورة من جمال آخذ، يفيض بروحي نيل، والنيل هو النهر الأطول في العالم، يختتم الشاعر قصيدته بروعة كبير حين يقول:
تعالي خديني من نبض لهفتي
من نشيد الأناشيد في شفتي
من قفص الغيم ربما نمطر
وترتعش كروم الدوالي”
انظروا إلى الصورة والخيال الغزير حين يقول: “من قفص الغيم، ربما نمطر وترتعش كروم الدوالي ص 117
نكتفي بهذا الاستعراض الذي ما هو إلا وجهة نظر متواضعة لقارئ متتبع ومتذوق أمل ان أكون قد اضفت شيئا ما مع محبتي للكاتب وللقارئ.

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*