حارس القدس سجينُ القضيّة الفلسطينية والعربيّة بقلم: *راضي شحادة

“أبتي، أسرُّ إليكَ أنّ غَسُولَ هذِه الأرض من دَمِنا” يوسف الخطيب

   لا يمكنني بعد الذي جرى ويجري من ويلات ودمار، ليس في سوريا فحسب، بل في معظم عالمنا العربي، إلّا التّطرق لمسلسل “حارس القدس” الذي يثير جُرحاً مؤلماً غائراً في جسد أمّتنا العربية، منطلقاً من شخصيّة إنسان مناضل ووطني ضحّى بحياته من أجل قضيّتيه العادلتين: العربية والفلسطينية، فتفرّعت حياته واتّسعت لتعبّر عن واقع أُمَّةٍ بأكملها، في ظروف سياسيّة واجتماعيّة ودينيّة قاسية، وما ركّز عليه من العلاقة بين سوريا الحضارة وفلسطين القضيّة والأرض المقدّسة والمظلومة.  

   مسلسل مكوّن من ثلاثين حلقة بُثَّ في رمضان، وأُنتج في دولة سوريا، وهي دولة تتعرّض لحرب هوجاء بدَتْ لأوّل وهلة وكأنّ ما يحدث فيها مجرّد مشكلة داخليّة تخصّها وحدها، وإذا بالأمور تتطوّر فتتحوّل الى محاولة لإبادة سوريا بأكملها وعن بكرة أبيها، كما تكرّر الأمر مع شقيقاتها العراق واليمن وليبيا والسّودان وفلسطين ولبنان..وغيرها، مع التّنويه الى الفارق في أسلوب الخطط المرسومة لتدمير كل دولة عن سواها. في ظل هكذا ظروف تمّ إنتاج هذا المسلسل الضّخم بأقلّ ما يمكن من ميزانيّة، وبأكثر ما يمكن من حِرَفيّة، شكلاً ومضموناً.  

   “حارس القدس” هو مسلسل وطني قومي سياسي من الدّرجة الاولى، وهو وثيقة احتجاج صادقة تُدافع بشراسة عن الأسرى العرب والفلسطينيّين في السّجون الإسرائيليّة، ووثيقة تاريخيّة دراميّةإبداعيّة قريبة الى الإبداع الوثائقي والتوثيقي المباشر، وبغلاف ديني، وسوف أتعامل معه في بحثي هذا على هذا الأساس.

   تنبع أهمية هذا المسلسل لأنّه جاء في فترة تحدّيات وطنيّةضاغطة تجعل من الأهميّة بمكان استحضار شخصيّات تحمل قِيَماً ثوريّة مبدئيّة ومناصرة للقضيّة الفلسطينيّة العربية. إنّه أبهى ما يمكن تقديمه دعماً ووقوفاً الى جانب الأسرى الفلسطينيين والعرب في السّجون الإسرائيليّة، وشدّاً على أيدي ذويهم المحرومين من العيش معهم حياة طبيعية ومستقرّة وحرّة. 

   إنّ موضوع الإبداعات الفنيّة السّياسية الوطنيّة بشكل عام تجعلنا نتوسّع في تقييمنا للأمور، بحيث يرتبط ذلك برحابة قضايانا وضرورة ربط العام بالخاص، وضرورة قراءة ما وراء السّطور أيضا.

   الفرق شاسع بين تجيير القضايا الوطنيّة وعلى رأسها القضيّة الفلسطينيّة كموعظة دعائيّة لدين ما بِعَيْنِه، وبين تجيير الدّين لخدمة القضايا الوطنيّة، فالحالة الأولى فيها تفضيل لدين على دين أو تحاشي وجود ديانات أخرى في الوطن ذاته، بينما في الحالة الثّانية، فإنّ وجود الدين كجزء من النّضال الوطني والقومي يجعل الجامع والمشترك بين أفراد الوطن والأمّة أكثر بكثير في انتمائهم لقوميتهم التي تجمعهم جميعهم بعدل وبمساواة تحت كنف الوطن الواحد والعروبة الجامعة. 

   لم يكن مسلسل “حارس القدس” منغلقاً في كلّيته على شخص بعينه، بل أراد كاتبه “حسن م. يوسف” أن يجعله حُجّة قويّة يسرد من خلالها عن القضيّة الفلسطينيّة كقضيّة عربيّة مركزيّة وعادلة، في خضمّ بيئة محليّة وعربيّة وإقليميّة وعالميّة، وهنا تكمن الرؤية الرّحبة لصانعي هذا العمل وفي مقدّمتهم كاتبُه ومخرجُه. 

إنّه لأمرٌ في غاية الأهميّة أنْ يُنتَج عمل درامي يركّز على دور أبطال قوميّين مقاومين عرب مسيحيّين الى جانب مقاومين قوميّين عرب مسلمين في مرحلة كَثُر فيها التّركيز على العنصر الدّيني خارج النّضال الوطني، وفي وقت تكثّفت فيه الأعمال الدراميّة والأفلام التي تركّز على التّاريخ والتّراث البعيد عن واقعنا الحالي. وهنا جاء هذا المسلسل لكي يحكي بكلّ قوّة قصةً من حاضرنا تَمتُّ بصلة مباشرة مع قضايانا الوطنيّة والنّضاليّة، وبخاصة أنّه يركّز على القضيّة الفلسطينية كقضيّة وطنيّة نضاليّة عربيّة عادلة.  

   عندما يظهر مقاومون فلسطينيّون يداً بيد مع مقاومين سوريّين،فهذا بحدّ ذاته نقطة مهمّة جدّاً لصالح مسلسل “حارس القدس”. 

  صحيح أنّ الحديث هنا عن شخصيّة متديّنة مقاومة، ولكنّها عاصرت مرحلة المدّ القومي والوطني، وامتدّت الى مرحلة انهيار الأوطان العربيّة قوميّاً وأمنيّاً، في ظلّ المدّ الدّيني الذي استُغلّ للدّمار وليس للبناء، فَبَرَز مسلسل “حارس القدس” متمثّلاً بنموذج المطران “هيلاريون كبوتشي” ليعيد التّنويه الى ضرورة العودة الى النّضال من منطلق قومي ووطني، بحيث ينصهر العنصر الدّيني في الوطني والقومي، وليس العكس.

   إنّ الضّخّ المكثّف ضدّ عروبتنا وقوميّتنا المشتركة جعل البعض في عصرنا يظنّون أنّها مجرّد شعارات فارغة، ولا يعترفون او يتنبّهون الى أنّ المدّ الدّيني السّلفي والرّجعي والعنفّي أصبح طاغياً ومهيمناً.أصبح البعض يعتقد أنّ الإيمان بالحلّ القومي يُعتبر نموذجا بائداً، في وقت لم يصل أيّ نظام في العالم الى مرحلة أرقى من الحلّالقومي بانتهاجهم الحلّ الأُممي او الاشتراكي، في حين أننا نعلم نظريّاً أنّنا لا نستطيع تجاوز الحلّ القومي قبل أن نمارسه ونحقّقه.

   يتخوّف البعض ويتشكّك من جدوى استمرار التّشديد على الإنتاجات الإبداعيّة المنطلقة أولا: من مواضيع مرتبطة بالدّين او بالمتديّنين بهدف إرضاء سيادة المدّ الدّيني، وثانيا:  التّشديد أيضاًعلى الإنتاجات الإبداعيّة التي تركّز على  الفكر الاجتماعي السّائد، وكلاهما ينتشران بغزارة عبر قنوات ميديويّة غزيرة تابعة بمعظمهالنُظم سياسيّة تنازلت عن النّضال الثّوري لقضايانا القوميّة والوطنيّة، وبخاصة بما يتعلّق بقضيّتنا الفلسطينية، وثالثا: كل ذلك يحدث بغياب البديل الثوري الثالث.

   هذا المسلسل، ولأوّل مرّة، هو مسلسل سياسي وطني يطرح موقف بطله، وهو رجل دين بدرجة مطران مسيحي، من منطلق قومي وطني مقاوم، يطالب المتديّنين ورجال الدّين والقائمين على السّلطة الدّينيّة أنْ يكونوا جزءاً من النّضال، وليس أنْ يكونوا محايدين ولامبالين؛ لا بل إنّهم يدّعون دائماً بأنّ علاقتهم هي فقط مع الله،وليست مع الوطن والوطنيّة، فيجدون في سِعة ورحابة السّماء مصلحةً أكثر بكثير من ضيق الوطن، ناهيك عن أنّهم بذلك يجدون لهم حماية ولو جزئيّة من بطْش الحكّام والمحتلّين، وإذا وصلوا الى السّلطة أو تربّعوا على عرشها فإنّهم يتولّون بأنفسهم عمليّة البطش.

   الدّين كما يبثّه لنا بطل المسلسل ليس التّعبّد عاموديّاً الى أعلىفحسب، بل هو أيضا علاقة أفقيّة مع البشر، والاندماج في قضاياهم التي بحاجة للمتنوّرين والثّوريّين لكي يناضلوا من أجلها، والوقوف الى جانب المظلومين وأصحاب القضايا العادلة والحقّانيّة.

   وُجِّهت معظم الفضائيّات الدّينيّة التي تُعدّ بالمئات نحو الوعظ المعتمِد على التّشبث بالتّراث المتزمّت والرّجعي الجامد، والترّكيز على الغيبيّات كملاذٍ للابتعاد عن الاندماج مع المساهمين في محاولة حلّ القضايا التّحرريّة والنّضاليّة الدّنيويّة والثّورية الرّاهنة. 

   هنالك مسلسلات دينيّة وفضائيّات تضخّ الدّين كهدف تبشيري،بينما هنا نحن بصدد تقديم رواية يُشدّد كاتبها ومخرجها الـمُسلِمان بالولادة، القوميّان بالـمُكتسب، على أنّ انتماء بطلهماالمسيحي هو للعروبة والقوميّة، وهذان المبدآن يجمعان ولا يفرّقان، بغضّ النّظر عن دين منتهجيهما، وليس بهدف التّبشير والوعظ الدّيني، وهذه هي قوّة المسلسل في بُنيته العامّة، وفي القِيَم الوطنيّة التي يعرضها، والتي تسمو فوق الانغلاق الدّيني أوالتّعصب لدينٍ معين على حساب دين آخر.

   لم نكن نميّز من الممثّلين السّوريين من هو مسلم او مسيحي او فلسطيني، او مَن مِنْهم متديّن ام غير متدين، فالشّعور القومي والوطني والعربي هو الطّاغي وهو المحتوي للجميع.

   “حارس القدس” لا يَظهر على الفضائيّات العربيّة، أللّهم إلّا على فضائيّة واحدة خليجيّة، وللأسف فهو لا يظهر حتى على أيّةفضائيّة فلسطينية. لم تَعُد القدس قاسماً مشتركاً بين الفلسطينيّين وبين أنفسهم، وبين العرب والعرب، وبين فلسطين والعرب. المسلسل أحد محكّاتنا الصّعبة فأظهر مَدى تشتّتنا وعدم توحّدنا حول أهم ما يجمعنا، ليس القدس فحسب، بل القضيّةالفلسطينيّة بمجملها. 

   لقد تفشّت فكرة الانغلاق على الذّات بين الدّول العربيّة، فَسَادَالتّفكير أنّ ما يخصّ سوريا يخصّها وحدها، وما يخص العرب وقضاياهم العامة لا يخصّ الحكّام والشعوب العربيّة؛ لا بل تدخّلوا في شؤون سوريا الدّاخليّة وحاربوها ودمّروها وحاصروها بحجّة أنها هي النّظام والنّظام هو سوريا، ولذلك يجب معاداتها وتدميرها، منصاعين لأوامر سيّدهم الأمريكي.

   في ظروف كهذه التي تمرّ بها سوريا، هل نحاسبها على إنتاجاتها المستقلّة غير المدعومة من دول الخليج والنّفط التي قد تَصرِف ميزانيّات هائلة على مسلسل لا يمتّ لقضايانا الوطنيّة العادلة بشيء، ولا يطرقون القضيّة الفلسطينيّة، او عن دمار الوطن العربي من قبل أمريكا والإرهاب؟ فهل إذا أنتجوا مسلسلاً وطنيّاً وسياسيّاًبأدوات غير هوليووديّة او “هَسْبَرَاتيِّة” (الهَسْبَرَاهْ: عبرية ومعناها الشّرح أو التّرويج من خلال البْروبَچاندا) فهل نلومهم؟ أم أنّ كلّ شيء يَصدُر عن سوريا مرفوضٌ من قبل الحاقدين على نظامها السّياسي لأسباب تتفاوت في الحجج، فتمتدّ من المقاتلين ضدّها حاملين راية داعش والنصرة، الى محاربيها السنّة المعادين للشيعة، الى المقاتلين الاستعماريين الطّامعين بخيراتها، الى المعارضين للفساد فيها، متسلّحين مسبقاً بفكرهم المسبق ضدّها، بحيث أصبحنا نجد بعضهم لا يهمّهم حتى لو تدمّرت سوريا وأصبحت ركاماً؟ لقد اختلطت كراهيتهم لنظامها الى كراهيتها هي، سوريا التّاريخ والحضارة والإبداع والفنّ. في مثل هكذا مواقف وظروف يستحيل أن يُنتَج هذا المسلسل من أموال الدّول الخليجية.

   أحد فنّانينا صرّح بأنّه مستعدٌ أن يؤيّد تنظيم “داعش”، إذا كان هذا سيؤدي الى إسقاط نظام “بشّار الأسد”، حتى ولو أدّى ذلك الى دمار سوريا”. أليست هذه المقولة تنطبق على من هو على استعداد أن “يجاقر طيزه فيشخّ في لباسه”؟

****  

القدس عروس عروبتكم، وفلسطين عُرسُها

   إنّ طَرْقَ موضوع القدس وطَرْق أبواب خزّانها الخانق، وإثارة موضوع القضيّة الفلسطينيّة في مثل هذه الظّروف التي نشعر بأنّقضايانا المصيريّة تَفلت من أيدينا، هو بحدّ ذاته شكلٌ من أشكال المقاومة، فالقدس تُضمّ رسميّاً، و”صَفْقَة القرن” مُعلَنَةً كتابةًوقَولاً، وفلسطين تُضمّ رسميّاً مع باقي أراضي العرب المحتلّة بشكل علني، مع الشّعور بعدم اتّخاذ أي ردود فعل جدّية من قبل العالم العربي، لا تتعدّى الإدانة والاستنكار والشّجب واللامبالاة، وأحياناًالوقوف ضد القضيّة الفلسطينيّة من بعض الحكّام العرب، فيأتي هذا المسلسل ليذكّرنا بأنّنا يجب أن نعيد حساباتنا من جديد، ويفطّننا كم هو مهم تكثيف الإنتاجات الوطنيّة والتّحرريّة والتّقدميّة عن القضيّة الفلسطينيّة التي تُجُوهِلَتْ كثيراً في الإعلام الإبداعي العربي.

   علينا ألّا ننكر بأنّنا جزء من العالم العربي، ونحن امتدادٌ له وهو امتداد لنا، وهو جزء مهمٌّ من كياننا وهويّتنا، ولا يمكننا الخروج منه بقدر ما يستحيل علينا الخروج من جلود أجسادنا، وبالتّالي فهو جزء من عمقنا الاستراتيجي، وإذا كانت مزبطة الحكّام حاليّاً تبدو “إعلاميّاً” جزءاً من ختم الشّعب، فهذا لا يعني أنّ شعوبنا العربيّة في عمقها وهويّتها فقدت أصالتها وبوصلتها، بل هي التي نراهن عليها من أجل الوصول الى وحدتنا ودعم قضيّتنا المظلومة، فالتّنكّر لشعوبنا العربيّة يفقدنا قوّتنا، لأنّه يجب ألّا نكتفي بالتّنديد وجَلد الذّات لدرجة أنّنا قد نُساهم عن وعي او عن غير وعي في المزيد من تشتّتنا وضياعنا.

   يقول “كبوتشي”، فيبدو كلامه كَوَلَاءِ قَسَمٍ، معبّراً عن شعوره القَومي والعربي: 

“إنّ الأمّة العربيّة هي أُسرتي، في ازدهارها سعادتي، ومن كرامتها أستمدّ كرامتي. أَنْ أقدِّم في خدمتها دَمي فَتِلْكَ أُمنِيتي. أنا رجل دين،عروبتي ومسيحيّتي توأمان. محبّة الله وخدمة الأوطان تتناديان. مَن لا يحب أمّته خائن لربّه. عروبتي ليست قائمة على عِرقٍ او دينٍ او سُلالة. عروبتي قائمة على قواعد لغويّة وحضاريّة وثقافيّة تجمعني مع أبناء هذا البلد الذين يشاركونني نفس المصير. لقد قَدَّمَتْ هذه الأمّة لي كلّ شيء، وأعِدُهذه الأمّة أنْ أكون وفيّاً مخلصاً لها، وأتمنّى لهذه الأمّة أن تتّحد، فَرَايةُ الوحدة هي طريق النّصر”. 

   في مسلسل حارس القدس” لا يوجد تأتأة في الرّسالة التي أراد الكاتب والمخرج وسائر المساهمين إيصالها من خلاله، ولم يَبقوا في المساحة الرّمادية التي يتحجّج بها بعض الفنّانين مدّعين أنّ الفنّيجب أنْ يكون فنّاً خالياً من الشّعارات والتّحريض للمقاومة، او لتجذير الوعي الوطني والقومي والسّياسي والاجتماعي، قبل أن يكون رسالة، فالمخرج هنا عملَ على إيصال فحوى النّص بروحه المضمونيّة والجماليّة، وكذلك حرص الكاتب على تمرير سرديّة شائقة، وتدعيمٍ لفكرِ بطلِه الذي وجَد فيه عنصراً قريباً جدّاً منه، ما جعله يمرّر رسالة وطنيّة واضحة وغير ممغمغة، بعيدة عن المنطقة الرّماديّة الغامضة والـمُربِكة. 

   لا يمكننا الادّعاء أنّ الأعمال الإبداعيّة منفصلة عن السّياسة، او أنها غير مسيّسة بشكل مباشر او غير مباشر، وكم شهدنا مؤخّرا تورّط بعض فنّانينا العرب والفلسطينيين في أعمال ملغومة بالرّسائل المعادية لقضايانا العربية والفلسطينية، فيدّعي بعضهم أنّهم يتحيّزون للفنّ الرّاقي والمهني، فإذا بهم يَسقطون في فخّ المنتِج صاحب الميزانيّة، والذي يقدم لهم وجبة شهيّة من الشّهرة والمال.

   ولأنّه مسلسل يتحدّث عن ماضٍ قريب جدّاً، فقد كرّر كاتبه”حسن م. يوسف” أنّ كلّ ما قيل فيه مستندٌ الى وثائق ومصادر دقيقة، ما جعله مسلسلاً يتمتّع بالمصداقيّة في زمن يميل فيه بعضالـمُغرِضين الى التّشكيك والتّقليل من أهميّته‎، ولأسباب متعلّقة كليّاً بموقفهم المسبق من سوريا بشكل عام، ومن نظامها بشكل خاص.

   تعمّد المؤلف “حسن م. يوسف” معالجة الظروف الاجتماعيّة والسّياسيّة والماديّة التي ترافق سرده لقصّة المطران “كبوتشي”، وهذا ينمّ عن وعي عميق وواسع في ثقافة المؤلف التّقدميّة والتّحرريّة، وتشديده على ربطها بواقعنا، وبتعمّده أيضا تمرير رسالة قوميّة وتحرّريّة، وهو ما تَوفَّر أيضا في شخصيّة بطله الذي اختاره بحنكة لكي يذكّرنا به، وبخاصة في هذه الفترة بالذّات من حياتنا المتأرجحة بين الإحباط والبحث عن مَخْرَج لـمُعضِلاتنا الحياتيّة على جميع مستوياتها.

   إنّ انجذابنا لمسلسل “حارس القدس” شكلاً ومضموناً نابع من أنّه أتى في الوقت المناسب في فضاء مليء بالأعمال التّرفيهيّة الإبداعيّة ومحمّلٍ بها لحدّ الإشباع، والتي تتغاضى عن طَرْقِمواضيعنا المصيريّة بشكل جَليّ وحاسم، بَعد دهر من التّغاضي عن البحث عن حلول عمليّة لحلّ هذه القضايا، وبَعد  انتهاج أسلوب “نستنكر وندين” و”نتعاطف” مع و”يا حرام طخّوه وهو أعزل”، و”هذول وحوش وقتلة”.. فنجد أنفسنا مكانك سِرْ، وننتظر الفَرَج متّكلين على فلسفة “يمهل ولا يهمل”. 

يقول “كبوتشي” في الحلقة 12:

“أنا مش ضدّ اليهود كدين أبداً، أنا ضد الصّهيونيّة العنصريّة التّوسعيّة، هَاللي بدها تبني مصالحها على أنقاضي. أنا مش مجرم. أنا موجود عندكو هون بالسّجن لأني كنت عَمْ بَطِيعْ قوانين ربـِّي وشعبي.. ما ذنب العرب والفلسطينيّين بأنْ يدفعوا ثمن جريمة ارتكبها الغرب ضدّ اليهود؟ 

أنا رجل دين مسيحي، مع ذلك لا أجد موقف الغرب المسيحي مفهوماً بل هو بالنّسبة لي مُدان.

تريدون أيها الغربيّون منّا الاعتذار عن ظُلمكم لليهود بمساعدتهم على إلحاقهم الظّلم بالفلسطينيّين؟ هل من العدل توطين المشرّدين بتشريد المواطنين أصحاب الأرض الحقيقيّين؟ أين الإنسانيّة والعدالة في هذا؟ لقد خلق الله الإنسان حرّاً ولا يحقّ للقوي أن يتحكّم به او يستعبده”.

  هنالك قصد مباشر من قبل كاتب المسلسل بأنْ يوصل درساً مباشراًللمشاهد عن ضرورة التّشبث بهويّتنا وقوميّتنا وعروبتنا، وتنبيههالى حقيقة ممارسات الاحتلال الصّهيوني لفلسطين، وتفطينه بالحقائق التّاريخيّة التي غُيّبت عن قصد او عن غير قصد عن الوعي العام في خضمّ موجات الميديا ورِيَاحِها العَاتِية الحديثة الغاسلة للأدمغة والمزيّفة للحقائق.

ثقافة الفداء، فداءً لقضايا عادلة وسامية:

   هنالك تأكيد مستمر لدى كاتب المسلسل من خلال بطله “هيلاريون “كبوتشي” على ثقافة حبّ التّفاني والفداء دفاعاً عن قضيّة او قضايا عادلة وإنسانيّة ومظلومة مثل القضيّة الفلسطينيّة، والوقوف الى جانب المظلومين ضدّ الظّلم والشرّ.”لأنّ الله أحبّ العالم حتى بذَلَ ابنه الوحيد لكي يخلّص مَن يؤمن به. ما من حُبّ أعظم من أنْ يبذل الإنسان نفسه فداءًلأحبّائه… لقد تجسّد ابنُ الله فداءً للبشر وبَذَلَ الذَّات دفاعاًعن البشر وبخاصة المظلومين”.

   وفي ردّه على مقولة أنّ رجل الدّين عليه أنْ لا يتدخّل في هذه الأمور، يقول “كبوتشي”: 

“من أوجب واجبات رجل الدين أنْ يكون راعياً وطنيّاً،مخلصاً للحقّ، وهذا يحتّم عليه أنْ يقف بوجه الباطل ويدافع عن حقوق شعبه… على رجال الدين أن يدافعوا عن أوطانهم وخاصّة اذا انتُهِكت مقدّساتُهم… كرجل دين أنت جزءٌ من هَمِّ مجتمعك، وهذا يتناقض مع الانغلاق داخل الدّير والتّعبد للخالق بعيداً عن هموم الدّنيا ومظلوميها…الوطن هو تجسيد لله، ودفاعي عن وطني هو دفاعي عن وطني ومقدّساتي… عذابي سببه إيماني بقضيّة عادلة نذرتُ نفسي قرباناً لأجلها…”.

     وفي مبدئه هذا يبدو كأنّما هو يردّ على ادّعاء بعض رجال الدّين او على الكثيرين منهم بأنّهم متعبّدون واجتماعيّون ولا يتدخّلون في السّياسة والوطنيّة، وهذا أسهل عليهم من انتهاج الخط الوطني، الذي قد يعرّضهم للصّدام مع السّلطة، أو قد يعرّض طريق وصولهم للسّلطة للخطر.

 يؤكد “كبوتشي” على اقتناعه بمبدأ الفداء قائلاً:  

“كنت أقول لحالي إنّ آلامي والشِّيْ اللي عَمْ بَآسِيهْ هُوجزء يسير من الشِّيْ اللي بِيآسِيهْ شعبي الفلسطيني وأمّتي العربيّة، وهي تصارع الطّغاة والمحتلّين من أجل نيل حرّيتها ووحدتها”.

أنا فدائي وأفتخر أنّني فدائي. دروس الفدائيّة تلقّيتها من مدرسة المسيح معلمي الذي هو الفدائي الأول. لقد حمل المسيح آلام شعبه وعلّمني أنْ أحمل آلام شعبنا الفلسطيني. هذا هو قَدَري الذي انتُدِبت من أجله. عن طريق الله رأيت فلسطين، وفي عيون فلسطين الحبيبة والجريحة رأيت جراح يسوع على الصّليب. كيف يواجه الإنسان ربّه وشعبه بوجهين؟ أنا عربي بمشيئة الله ومحبته؛ قوميّتي هي الأساس لـِمَسْحَتي المسيحيّة. مسيحيّتي واهِيةٌ عقيمة ما لم أكن عربيّاً خالصاً وحتى النّهاية. قد يظنّ البعض منكم أنّني أزجّ الدّين في السّياسة، ولكن هذا وهم، هذا باطل، فأنَا لا أرى في القضيّة الفلسطينيّة أي وجه سياسي. قضيّة فلسطين قضيّة إنسانيّة، قضيّة حقّ وعدالة، واذا كان هنالك من إنسان يقدّم نفسه في سبيل هذه القضيّة فهو أنا،لأني مطران القدس أؤمن بعروبتها وبأنّها مهد المسيحيّة، وأرفض تهويدها، كما وأقدّم نفسي في سبيلها. إنّ سَجني على أرض القدس العربيّة أحبُّ إلى قلبي من إطلاق سراحي بعيداً عنها”.

“يا معلمي يا يسوع المسيح، لو كنتَ تنظر الى هذه المدينة المقدّسة، لرأيت أبناءك يُسجنون وَلَبَكَيْت… إنّي أسِيرُ الغزاةِ والبرابرة يا مولاي… إني أسير الغزاة وضحية قوة النّظام ..لقد علّمْتَنا يا يسوع الدّفاعَ عن أرضك وأرضنا، وقد فعلنا ذلك طاعة لمشيئتك لأنّنا جنودك”

   هذه الفلسفة تنطبق أيضا على أم الشّهيد الفلسطيني، فهي تشبه السّيدة مريم العذراء التي تُشكّل مثالاً للأم التي تقدم ابنها شهيداً، وهكذا هي أمّ كل من استشهد دفاعاً عن وطنه وعن قضايا إنسانيّة سامية.

يقول “كبوتشي” لأمّه في المسلسل: “كيف بدّي أكون مبسوط والدّنيا قايمة قاعدة والنّاس مقهورين؟”

   ويقول للمرأة الفسطينية المناضلة “امّ عطا”: “انت لما بْتِحْمِي بيتك في القدس عَمْ تحمي بيتي في حلب”، وفي ذلك تأكيد على المبدأ السّامي الذي ينتهجاه بنبذ فكرة أنّ “كل واحد يقلّع شوكه بإيده”، وإنما نحن أبناء وطن عربي واحد يجمعنا، ويجب أن ندافع عنه.

   ويقول للثوّار الفلسطينيّين: “أنا مش متعاطف معكو، أنا منكو..فلسطين بلا قُدسها كالإنسان بلا قلب، والإنسان بلا قلب هو جثّة هامدة. أنا نذرت نفسي أنْ أكون حارساً للقدس بالكلمة وبالتّضحية وبالموقف”.

الفادي هو الفدائي:

   ولأنّ بطل المسلسل يَشغَل منصباً دينيّاً رفيعاً، ودارساً لعلم اللاهوت، فهو يُدرك المنزلة التي وصل اليها السّيد المسيح من التّفاني من أجل الإنسانيّة، والتّنازل عن مصلحته الفرديّة خدمة للمصلحة العامّة، ووقوفه الى جانب المظلومين، واستعداده للموت بأبشع طريقة إعدام صلباً ومعلّقاً على خشبة، فإنّ هذا الإيمان السّامي من قبل “هيلاريون كبوتشي” بقبوله الدّفاع عن قضايا الأمّة،وعن أسمى قضية عادلة فيها وهي القضيّة الفلسطينيّة، لكون وجودها في مكان تواجده، ومكان وجود السّيد المسيح وولادته فيها وهي فلسطين، فقد بدت معادلةُ المقارنةِ هذه قويّة جدّاً، واستَخلَصَتِ الجانب الثّوري والنّضالي في المبدأ الذي يحملهبطله، الذي عايش تجارب الظّلم والاستشهاد خلال وجوده فيفلسطين، وبخاصة في القدس، فصُقلت تجربته وتعمّقت وتجذّرتوتراكمت. لم يتراجع المسيح عن قضيّته حتى ولو أدّى به ذلك الى الصّلب بأبشع طريقة إعدام. 

  القضيّة الفلسطينيّة التي طالما كان الدّفاع عنها لدرجة الفداء مقروناً بكلمة “الفدائي”، هي ذاتها وبنفس المعنى تُقال في المسيحيّة كَصفةٍ ملازمة للسّيد المسيح وهي “الفادي”. هو الارتباط العضوي للبطل الإنسان المسيحي المناضل بفكرة الفداء كأساس جوهري لفلسفة السّيد المسيح. وضمن هذا التّعريف يبدو بطلنا في المسلسل مُقلِّداً لفلسفة بطلِه المسيح لكونه الفدائي الفلسطيني الأوّل الذي يحمل لقب الفادي.

   مسلسل “حارس القدس” يؤكّد بشكل مباشر أنّه يقدّم رسالة واضحة ومباشرة، ولم يكتفِ بمجمله بسرد قصّة من أجل التّشويقفحسب، بل يركّز دائماً على أنّ أقوى رسالة فيه هي التّفاني من أجل الوطن والقضايا العادلة والوقوف مع القضايا السّامِيَة وعلى رأسها القضيّة الفلسطينيّة. طبعاً اتّخاذ موقف مبدئي كهذا كلّف بطلنا ثمناً باهظاً، فحُكم عليه 12 سنة سجناً وعُذّب؛ قضى منها ثلاث سنوات وثلاثة أشهر، ونُفي وعانى الأمرّين. إنّه حالة نضاليّة عانت كثيراً ودَفعت ثمن خياراتها. 

   اختار “كبوتشي” منذ صغره انتهاج الطّريق الصّعب والحكمة التي علّمته ايّاها جدّته عمّا يحبّ أن يختار من هذه الخيارات الثلاثة: الخروف، الذئب أم الرّاعي، فاختار أن يكون الرّاعي الذي يحمي الخروف من الذّئب، وفي هذا الخيار مغامرة كبيرة تتطلّب التّنازل عن الرّاحة الذاتيّة والمصلحة الشّخصيّة المنغلقة على ذاتها. وقال لاحقاً منتهجاً طريق معلّمه الأوّل السّيد المسيح: 

“طريق الآلام هو طريق الخلاص وهذا هو خياري..الطريق صعب ومليء بالتّجارب.. ما فيّي أشوف الظّلم وأظلّ ساكت…طفح الكيل والحياد صار نوعاً من التواطؤ.. بتاريخ البشريّة ما مرّ ظلم مثل هذا الظّلم.الطريق اللي اخترتُه بتْطَلَّب الصّبر والانضباط.. ما فيه أحلى من انّه الانسان يحسّ انّه وجوده ضروريفي هالحياة من شان النّاس ولخدمة النّاس”

****  

بين المدّ القومي والمدّ الديني:

   الفرق شاسع بين أن يكون الانتماء والنّضال الوطني جامعاًومشتركاً بين جميع فئات الشّعب الواحد، بِغضِّ النّظر عن دين المواطن ولونه وعرقه، اي تحت جناح وطنه ودولته وقوميّته من جهة، وبين أن يكون هذا الانتماء والنّضال مقتصراً فقط على دين معيّن،حتى وإن كان هذا النّوع من النّضال يحمل شعار الدّفاع عن الوطن والانتماء إليه. لا تناقُض في الوطن الواحد عندما يذوب الانتماءوالنّضال الدّيني في النّضال القومي، ولكنّ التّناقض يحدث عندما يذوب النّضال القومي في الانتماء للنّضال الدّيني.

  إنّ انحسار المدّ القومي العربي أدّى الى غموض مفهوم الوطن والأمّة، وأدى أيضا الى فراغ مَلَأَهُ المدّ الدّيني. تحوّل الوعظ من أجل تقوية القوميّة العربيّة الى وعظ عن الأمّة الإسلاميّة، وإذا رُفع أحيانا شعار “الأمّة العربيّة والإسلاميّة”، فهذا بحدّ ذاته يجعل الأمّة العربيّة جزءاً من الأمّة الإسلامية في كل العالم، وليس ما يخصّ المسلمين العرب فحسب، ويُبقي القضايا الوطنيّة والقوميّة تحت سقف الشّعار الدّيني التّفضيلي لذاته.

   كم كنّا نطمئنّ ونحلم بمستقبل زاهر للوحدة القوميّة العربيّةعندما كانت معظم الدّول العربيّة تُساند هذا التّوجه، فيظهر رجال دين يدعمون هذا التّوجه من أمثال “عزّالدين القسّام” والمطران “كبوتشي” والمطران “چريچوريوس حجّار”، وظهور حركات ثوريّة أبت أنْ تسمّي نفسها تسميات دينيّة كــ”الجبهة الشّعبيّة” و”الجبهة الديمقراطيّة” و”فتح” وغيرها..  

   بينما شهدنا لاحقاً عند انحسار المدّ القومي وامتداد المدّ الدّيني حركات تطلق على نفسها تسميات دينيّة مباشرة مثل “الإخوان المسلمون”، “حماس”(حركة المقاومة الإسلاميّة)، و”الجهاد الإسلامي”، و”حزب الله”، و”داعش”(الدولة الاسلامية في العراق والشام)، و”أنصار الله”؛ مع تأكيدنا على الفارق الآيديولوجي والمبدئي بين كل واحدة من هذه الحركات، فَيُقاس مدى مقاومتها ونضالهابكمّية وقوفها الى جانب القضيّة الفلسطينيّة، ومع تأكيدنا أنّ تسميتها بحركات إسلاميّة يجعلها تؤمن بتبعيّتها للشّعوبالإسلاميّة في كل أنحاء العالم، وليس لكونها جزءاً من القوميّة العربيّة، وفي الوقت ذاته يجدر التّمييز بين من هو مناصر للاستعمار وللاحتلال، وبين المناصر للقضيّة الفلسطينية والقضايا العربيّة القوميّة.

   ومن هنا تأتي أهميّة المطران “كبوتشي” بأنّه لم يكن منتمياً لحركة او لحزب ديني معيّن، مع أنّه يتمتّع بمنزلة دينيّة رفيعة. إنّه رجل دين مسيحي ولكنّه مناضل وطني وقومي، وسُجن وعُذِّب لأنّه ناضل في سبيل القضيّة الفلسطينيّة وليس لأنّه تابع لحزبٍ معيّن، بل لأنّ تربيته هي تربية قوميّة وطنيّة مؤمنة بعدالة القضيّة الفلسطينيّة. لا بل وصلت به تحرريّته القوميّة والدينيّة بالتّصريح في الحلقة العاشرة من المسلسل عندما طولب بإيجاد صيغة مشتركة بينه وبين الشّيخ المسلم في قضيّة دينيّة واجتماعيّة، قال إنّه ما دام بيننا أمور مشتركة كثيرة كأبناء شعب واحد، فلماذا لا نسمح بأن يتزوّج المسلم والمسيحيّة؟ طبعاً كانت القوانين الاجتماعيّة والدّينيّة  أقوى منهم، اي أقوى من الشّيخ والمطران، وأقوى من الفتاة المسيحيّة والشاب المسلم، فبدلاً من تسهيل أمورهما، وخوفاً على نفسها من الضّغوطات الاجتماعيّة وحرمانها من الزّواج من حبيبهاالمسلم الذي أنقذها ممن حاولوا اغتصابها، فقد فضّلت أن تصبح راهبة، وهي في المسلسل اسمها “مريم”.

   هنالك فرق شاسع بين التّعصب الدّيني المنغلق والمتقوقع على ذاته، وبين المشترك القومي بين العرب حتى وإن تعدّدت دياناتهم.في العلاقات الوطنيّة والقوميّة تذوب العلاقات بين المسلمين والمسيحيّين الذين يعيشون كعرب وكفلسطينيّين تحت الاحتلال تحت سقف وطنيّتهم المشتركة.

   يقول “كبوتشي” في المسلسل: “هذه الصّدمة بعد هزيمة الــ67من أصعب سنين عمري ومن أكثر الأوقات سواداً في تاريخ العرب،لأنّ أحلام الناس وآمالهن في النّصر تبخّرت وضاعت”.

   ومع تطوّر التّاريخ نحو المزيد من تجزئة العالم العربي وشَرْذَمته، فإن “كبوتشي” يؤكّد على مَدَى خطورة تحوّل الدّيانات والطّوائف الى وباء. يقول “كبوتشي”:

“وباء الطائفيّة والاقتتال الطّائفي اللي زرعوه في لبنان وصل لسوريا (ووصل لفلسطين أيضا: راضي) عمرها ما كانت الحروب الدّينيّة من أجل الدّين، ودخان الحريق اللبناني غَطّى على “كامب دِيڤِد” وعلى الحرب العراقيّة الإيرانيّة، وهلأ انتقل لسوريا، وهاي هي المرحلة الأخطر، لأنّ الهدف تجزئة سوريا او تركيعها، ومتى ركعت سوريا ركع العرب”.

  ها نحن نشهد سنوات من الاقتتال والتّشرذم والدّمار في بلادنا العربية، من نموذج ملوك الطّوائف في لبنان، كبلد عربي صغير مجزّا الى 18 طائفة، وها هو الاقتتال يتحوّل من المناداة بالوقوف الى جانب فلسطين الى اقتتال سُنّي  وشيعي، وكل ذلك معتمد على استعمال الدّين السّياسي كذخيرة لهذه الحرب التي يغذّيها الاستعمار ويستفيد منها على حسابنا.

   شهدنا في هذه الفترة التي طالت الزّخم الذي نعاني منه من التخبّطات والانهيارات والتّعصّبات والعنف والإرهاب، وكم أن الدّين، أيّ دين، يمكن أن يكون رحباً بوسع الدّنيا، وقد يكون ضيّقاً فيدخل من ثقب إبرة، فأي من هاتين الحالتين هو السائد؟

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*