ما بين البئر والسّيح (بير النّبع وبير الجمع) – فوزي حنا

حفر الإنسان نوعين من الآبار للحصول على الماء العذب، النّوع الأوّل يعتمد على المياه الجوفيّة وهو البئر، والثاني يعتمد على مياه الأمطار وهو السّيح.لنبدأ بالأوّل وهو ما اصطُلِح على تسميته بير النّبع أي التي في داخلها نبع أي خروج المياه الجوفية، هذه البئر تكون ضيّقة وعميقة بحيث تصل إلى مستوى الجوفية في طبقة الأكڤيكلود أي حاوية الماء، لا يتم طلاء أو قصارة الجدران في تلك الطبقة كي يتسنّى للماء دخول البئر.هناك نوع يسمّى البئر الارتوازيّة وهي التي ترتفع مياهها بفعل الضغط  بسبب وجودها في منخفض بين الجبال، فبضغط المياه الجوفية الجبلية تخرج مياه البئر دون وسيلة بشريّة، أما التسمية فقد جاءت من منخفض (Artois) في فرنسا.وجدير بالملاحظة أن الآبار السّاحلية القريبة من الشاطئ والتي يؤدّي استغلال مياهها إلى ارتفاع مستوى الإسفين، وهو ملتقى المياه العذبة مع مياه البحر المالحة المتغلغلة في الأرض، وعن حصول هذا الارتفاع تصير مياه البئر مالحة، لهذا تكون الكمّيّة مراقَبة من قبل السلطات المختصة.أمّا البئر الأخرى وهي السّيح أو الصّهريح أو بير الجمع، فمختلفة الشّكل باختلاف الزّمان والمكان ونوع التربة.جاءت كلمة سيح من (ساح الماء أي جرى) لأنّ هذا النّوع يعتمد على المياه الجارية على السّطح، أما كلمة صهريج فهي فارسيّة بمعنى خزّان الماء.اشتهر الأنباط بحفر تلك الآبار في الصحراء ذات المطر القليل، فاهتمّوا بجمع أكبر ما يمكن من المياه التي تجري فوق السّفوح لجمعها في آبار واسعة في أسفل المنحدَر.وفي منطقتنا تمّ نقر الطّبقة النّاريّة القاسية التي تغطّي الطّبقة الطّباشيرية الطّريّة، وقبيل الوصول إلى هذا الصخر الليّن تقلّ قساوة الطبقة الناريّة فيتم توسيع البئر، وفي الطبقة الطباشيريّة يزيد التوسيع بالتدريج ليصير السّيح بشكل إجّاصة.بعكس النوع الأوّل، هنا القصارة واجبة لأننا لا نريد للماء المجموع أن يتغلغل في طبقات الأرض فيضيع.وهنا أيضًا بعكس النّوع السّابق يتمّ تنظيف السيح كلّ عام من تراكم التراب الذي جاء به الماء من السّطح، كما أنها بحاجة لصيانة بين الحين والآخَر .القسم الضّيّق العلوي يسمى (العنق) وكانت تثبت فوقه صخرة أسطوانيّة فيها ثقب واسع تسمّى (خَرَزَة)، ومن خلالها يتمّ إخراج الماء، أما دخوله فمن فتحة تحت الخرزة تسبقها حفرة ترسيب لتقلّل من كمّيّة التراب المحمول مع الماء.لكل بئر كهذه حوض واسع لتزويده بالماء، ويتم تنظيف هذا الحوض بواسطة المطر الأوّل الذي لا يُسمَح له بدخول البئر، فيصبح الحوض بعده نظيفًا…إخراج الماء من البئر:ذكرنا سابقًا أن لا حاجة لأي وسيلة لإخراج مياه البئر الارتوازيّة، أمّا الأنواع الأخرى فقد استعملت عدّة وسائل (قبل اختراع المضخّات الكهربائيّة)، أبسطها الدلو والحبل، كذلك النّاعورة وهي عبارة عن دولاب يحمل العديد من الأواني المربوطة بحبال تنزل فارغة وترتفع ملآى بالماء، وتدار هذه الدواليب بواسطة حيوان كالجمل أو الحمار وما شابه.كما اختُرِعَت لاحقًا مضخّة يدويّة ذات ذراع تتحرّك بيد الإنسان حركة عموديّة، إلى أعلى وأسفل فيتدفّق الماء خارجًا……بعض الأقوال والأمثال:
. (بير قريب ولا نهر بعيد)أي القليل المتوفّر أفضل من الكثير بعيد المنال.
. (سرّك في بير)أي سرّك محفوظ فلا تقلق.
.  (بير ماله قرار)أي جشِع لا يشبَع.
. (ملّي بيرك من أوّل شتوه)أي استغلّ الظرف الموجود.
. (بعرف البير وغطاه)أي أنه يعرف خفايا الأمر.
. (تغطّي البير بعد ما وقع الولد)أي تعالج الأمر بعد وقوعه.

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*