بين أورسالم والقدس – فوزي حنا

( تعدّدت الأسماء والمدينة واحدة )………………………………….لم يعرف التّاريخ مدينة لها هذا الكَمّ من الأسماء والألقاب كما عرفت مدينة القدس، ولم يعرف التّاريخ مدينةً تحاك حولها قصص مقدّسة كما القدس، قد تلتقي هذه القصص وقد تتباعد، لكنها تلتقي في القدسية والمكان، فليس غريبًا أن الدّيانات التوحيديّة التي أُطلِق عليها (السّماويّة) تعتبر هذه المدينة بابًا للسّماء.لو رجعنا ستّين قرنًا إلى الوراء لوجدنا مدينة صغيرة على مرتفَع بين واديين، أحدهما رافد للآخَر، هما قدرون/النّار والآخَر هو وادي صانعي الجبن / تريپيون / الواد (حيث شارع الواد الواصل بين باب العمود وباب المغاربة اليوم.هذه المدينة التي يسكنها الكنعانيّون أطلقوا عليها اسم (سالم / شالم / شاليم)، وتروي الحكاية أن ملكًا كنعانيًّا هو (ملكيصادق) تعبّد في أحد كهوف المنطقة، وكان حكيمًا مؤمنًا، جاءه ملوك القبائل، وحين عرفوا حكمته قرّروا التّبرُّع له ببناء مدينة فيصيرَ ملكًا عليهم، فأطلقوا عليه صفة (ملك الملوك). واتّخذ لمدينته اسم (سالم)أو (شالم) أي السّلام، وظهر في نقوش مصريّة قديمة اسم (روشاليموم) في نصوص اللعنة أي لعنة المدن التي لم يفلحوا بفتحها، إذ كانوا يكتبون اسم تلك المدن على فخّار يتم تحطيمه. وتقول كارين آرمسترونغ في كتابها عن القدس إن كلمة روشاليموم تعني (شاليم الوضع الأساسي).وانتشرت في برّ سوريا آنذاك عبادة إلإله (شالم) الذي رأوا ظهوره في ظهور كوكب المساء عند الغروب.ذكرتها التوراة باسم (شاليم) كما جاء في سفر التكوين 14/18 ( وأخرج ملكيصادق ملك شاليم….) .حين احتلّها داود قبل ثلاثين قرنًا كان يسكنها قوم من الكنعانيّين عُرِفوا باليبّوسيّين، لهذا كان يدعوها (مدينة اليبّوسيّين أو يبّوس)، وحين جعلها عاصمةً له دعاها (مدينة داود) إذ جرت العادة على تسمية العاصمة باسم ملكها. جاء في سفر صموئيل ب 6/9: (وأقام داود في الحصن وسمّاه مدينة داود). وكان لليبّوسيّين حصن في المدينة، في موقع مرتفع، دعاه داود (صهيون) فصارت المدينة بنت صهيون، وقد ذكر العهد القديم هذا الاسم مرّات عديدة، وهذا الاسم لا يتّفق الباحثون حول مصدره، فهناك تفسيرات مختلفة، منها أنه من كلمة عبرية (تسيا) بمعني القفر، أو آرامي بمعنى العطش أو حثّي (سيوناس) بمعنى قلعة أو حصن.أخذت المسيحيّة اسم (بنت صهيون) رمزًا للعذراء مريم، وذلك اعتمادًا على العديد من آيات العهد القديم، ومنها:(ماذا أساوي بك فأعزّيك يا بنت صهيون) المراثي 2/13(هللي يا بنت صهيون) صفيّا 3/14(ابتهجي يا بنت صهيون) زكريّا 9/9أمّا التسميات والألقاب التوراتيّة فكثيرة، مثل القرية الأمينة و المدينة المقدّسة ومدينة القدس و مدينة الملك العظيم و أريئيل.بعد مملكة داود عاد إلى المدينة اسمها القديم (أور سالم / أور شالم) أي مدينة السّلام.تبنّى الإغريق هذا الاسم وجيّروه لثقافتهم ولغتهم، فكلمة (هيروس) تعني المقدّس، ومن هنا جاء اسم هيروساليم وبالأسپانيّة (خيروساليم). ظلّ اسم أورشليم متداولًا في بداية الحكم الروماني إلى أن هدم تيطوس المدينة فصارت خرابًا، وحين حكَم هدريانوس، بنى مدينة جديدة أطلق عليها اسم (إيليا كاپتولينا) وهو دمج من كلمتين، الأولى إيليا أخذها من اسم عائلته (إيليوس) والثاني (كاپتولينا) فمن اسم (جوپيتر كاپتولينوس) أي جوپيتر أبو السّماء، وهو ملك الآلهة وإله السّماء.أعاد لها قسطنطين اسم أورشليم سنة 324م، لكن العهدة العمريّة التي أعطاها الخليفة عمر للبطرك صفرونيوس عندما تسلّم منه مفاتيح المدينة، كُتِب الاسم الرّوماني إيلياء، اختصارًا ل (إيليا كاپتولينا):(هذا ما أعطى أمير المؤمنين عبد الله عمر أهل إيلياء من الأمان….).بعد الفتح العربي ساد اسم بيت المقدس، اعتمادًا على ما جاء على لسان الرّسول محمّد(ص):(سيّد البقاع بيت المقدس وسيّد الصّخور صخرة بيت المقدس).وصخرة بيت المقدس هي مكان المعراج، وهي الصخرة التي آمَن اليهود أنها باب السّماء وأنها أقدس البقاع، لذا اتّخذوها قبلتهم، وعليها أقاموا معبدًا أطلقوا عليه (بيت همكداش) أي بيت المقدس.اختصر العرب اسم بيت المقدس ليصير اسم المدينة ، منذ قرون، القُدس، ما زلنا نجلّها ونصلّي لأجلها ونسمّيها (القدس).                           فوزي ناصر حنا

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*