الطَّنطوريَّة د. خالد تركي حيفا

شاءت الظُّروف أن تجمع ثلاث صدف في صباحيَّتي هذه، في زاوية صباح الخير. حيث تزامنت معي ثلاثة أمورٍ، مع ما تمرُّه بلادنا في ذكرى نكبتها، ونكبة العربِ الثَّالثة والسَّبعين هذه الأيَّام، في منتصف شهر أيَّار..

الأمر الأوَّل رواية “الطَّنطوريَّة” للكاتبة المصريَّة رضوى عاشور، زوجة الكاتب الفلسطينيِّ مريد البرغوثي، وله تكتب إهداءها، (الإهداء، إلى مريد البرغوثي).

تدور أحداثُ الرِّواية، الملحمة الفلسطينيَّة، ما بين قرية الطَّنطورة على السَّاحل الشَّمالي لفلسطين، ومدينة حيفا، قبل احتلال البلاد، ومقاومة أهل هذه المنطقة للمحتلِّ وبين النَّكبة واللجوء إلى لبنان حيث ينخرط اللاجئون من الطَّنطورة كغالبيَّتهم من ابناء فلسطين المهجَّرين، في العمل المقاوم من أجل عودتهم، الأكيدة، إلى ديارهم، المتمثِّلة بأبي الأمين، فضلاً عن مشاركة الاشقَّاء اللبنانيِّين نضالَهم من أجل حياةٍ حُرَّةٍ كريمةٍ وعزيزةٍ ومن أجل مستقبلٍ أفضل، ليكونوا أحرارًا في وطنهم فلسطين.

تسرد الرِّواية، رُقيَّة ابنة أخ أبي الأمين، عن مشاركة عمِّها، في جنازة جماهيريَّة عارمة، شيَّعت فيها المناضل اللبناني، معروف سعد، حين قاد مظاهرة الصَّيَّادين في مدينة صيدا، احتجاجًا على منح السُّلطة اللبنانيَّة حقَّ احتكار صيد السَّمك، مدَّة تسعين يومًا، وفي قمَّة موسم الصَّيد، بالذَّات، لشركة خاصَّة يملكها كميل شمعون، رئيس الجمهوريَّة الأسبق، حيث اغتالت يدُ الغدرِ سعدًا، برصاصةٍ موجَّهةٍ إلى صدره، في السَّادس من آذار من العام ألفٍ وتسعمائةٍ وخمسةٍ وسبعين، لقد جمع أبو الأمين الأولاد حوله، ليستذكرَ قاصًّا عليهم، كيف تعرَّف على هذا المناضل الشَّهيد: تعرَّفنا عليه عام الخمسة والثَّلاثين عندما كان يُدرِّسُ في مدرسةِ البُرج في حيفا. طوال عامين كان يدرِّس ويشاركنا في المقاومة المسلَّحة. يعود إلى لُبنان يوميِ الخميس والجمعة وفي العطلة الصَّيفيَّة ليُسهمَ في تنفيذِ قرارات المقاطعة..

.(الطَّنطوريَّة ص168)

مدرسة البرج، التي كانت في شارع البرج، وكانت تسكنه عائلات المدينة الغنيَّة والميسورة بعد أن وجدت ازدحامًا كبيرًا في الشَّوارع الضَّيِّقة والأزقَّة داخلَ اسوار المدينة، حيث كُتِب على مدخل المدرسة، المدرسة الاسلاميَّة التَّابعة للجمعيَّة الاسلاميَّة، قسم الذُّكور. لقد درَّس في هذه المدرسة الشَّيخ عزِّ الدِّين القسَّام منذ تأسيسها في العام ألفٍ وتسعمائةٍ وإثنين وعشرين حيث انتقل بعدها إلى جامع الاستقلال ليكون مأذونًا وإمامًا ومجاهدًا يدًا بيد مع إخوانه العرب في فلسطين، كذلك الاستاذ والشَّيخ محمَّد كامل عبد الخالق القصَّاب، صديق القسَّام، عمل فيها مديرًا وكلاهما أعلام على رؤوس الأشهاد، في الجهاد والنِّضال ونشر الوعيِ الثَّوريِّ المقاوِم ضدَّ الاستعمار.

الأمر الثَّاني هو حصولي من زميلٍ وصديقٍ على هذا الكتاب، ومطالعتي له في منتصف شهر النَّكبة، في الخامس عشر من أيَّار ذكرى كارثة فلسطين والعرب..

أمَّا الأمر الثَّالث هو حصولي، صدافًا، على صورة، من صديق آخر، لمدرسةِ البرج يوم سقوط حيفا..

كانت مدرسة البرجِ عامرةً بطلابها من حيفا وقُرى قضائها وأصبحت ثكنة عسكريَّةً..

كانت المدرسةُ الاسلاميَّةُ في شارع البرج مزدهرةً بنخبةٍ من المعلِّمين الثَّوريِّين، الذين ما زلنا نحفظُ لهم جميلَهُم وتاريخَهُم وتضحياتِهم..

فحيفا وصيدا، فضلاً عن بيروت، هما منفذُ دمشق على السَّاحلِ الشَّاميِّ..

..”يا حيفا يا ميمتي بالعين خبيني..يا ديرتي حمَّلوه”

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*