علّيّة صهيون – فوزي حنا

في قمّة جبل صهيون المشرف على وادي الرّبابة، عدّة مواقع مقدّسة، ولعلّ أشهرها ذلك المبنى المؤلّف من طابقين، في الأوّل مقام النبي داود وفي الثاني غرفة العشاء الأخير، والمسمّاة أيضًا علّيّة صهيون.بدأ الاهتمام بالموقع في زمن البيزنطيّين، إذ آمنوا ان قبر النبي/الملك داود موجود هناك، وربطوا بين داود والعشاء الأخير للسّيّد المسيح، فأقاموا كنيسة سنة 390، واعتمدوا على ما جاء في المزامير 131 (13): {فإنّ الرّبّ اختار صهيون واشتهاها له مسكنًا، وهذا هو مكان راحتي للأبد}. كذلك ما جاء في موعظة بطرس الأولى، هنا في هذا المكان: { يجوز ان أقول لكم صراحةً إنّ أبانا داود مات ودُفِن وقبره عندنا إلى اليوم، على أنّه كان نبيًّا وعالمًا بأنّ الله أقسم يمينًا ليقيمَنّ ثمرًا من صلبه على عرشه}. (أعمال الرّسل 2).أمّا الأحداث المتعاقبة التي تُنسَب لهذا المكان، فهي: العشاء الأخير، حين كسر السّيّد المسيح الخبز قائلًا لتلاميذه :{خذوا كلوا، هذا هو جسدي}، وأخذ الكأس قائلًا :{اشربوا من هذا كلّكم، هذا هو دمي الذي للعهد الجديد}. (متى 26).وهنا تنبّا بخيانة يهودا، وأنّه سيُصلَب.(متى 26)، وتنبّأ أن بطرس سينكره ثلاث مرّات قبل ان يصيح الدّيك: {في هذه الليلة قبل ان يصيح الدّيك ستنكرني ثلاث مرّات}.(متى26 ولوقا22).وهنا غسل أرجل تلاميذه، (يوحنا 13). هذا التقليد الذي ما زال مستعملًا في بعض الكنائس إذ يغسل المطران ارجل الكهنة والكهنة ارجل العامّة.وهنا أيضًا اجتمع التلاميذ بعد القيامة بخمسين يومًا أي بعد الصّعود بعشرة أيّام، وحلّ عليهم الرّوح القدس بهيئة ألسنة من نار حطّت فوق رؤويهم، فتكلّموا بلغات لم يعرفوها من قبل، وكانت هذه إشارة للتبشير لدى الأمم الأخرى، وهنا كانت موعظة بطرس الأولى. (أعمال الرّسل 2).في العام 614هدم الفرس ما بناه البيزنطيّون، وبقي المكان خرابًا حتى جاء الفرنجة وبنوا كنيسة جديدة تحت اسم (سيّدة صهيون)، وفي الفترة الأيّوبيّة خرّبها الملك المعظّم سنة 1216قبل ان يستعيدها الفرنجة باتّفاق، ليتمّ ترميمها .في الفترة المملوكيّة في القرن الرابع عشر، اصدر البابا كلمنت مرسومًا يعطي الفرنسيسكان حقّ حماية الأرض المقدّسة، فكانت بداية تنظيم حراسة الأرض المقدّسة (كوستوده دي تيراسانتا)، وبعدها تمّ الترميم الجديد سنة 1334.ثمّ زاد الخلاف بين اليهود والمسيحيّين على الموقع باعتباره يرمز لقبر داود، فتدخّلت السلطات المملوكيّة، وأغلقت الموقع امام الفريقين، وضمّته إلى مقدّسات المسلمين.ظلّ الوضع كذلك فحوّلت الدّولة العثمانيّة الكنيسة إلى مسجد مضيفة إليها محرابًا ونقوشًا ومئذنة، على الشبابيك الزجاجيّة الملوّنة كُِتبت الآية {أحكم بين الناس بالحقّ ولا تتبع الهوى} (سورة ص 26)، وهو كلام الله لداود. وهذه إشارة لوجود ضريح داود هنا.في ظلّ الانتداب البريطاني سُمح لليهود بزيارة قبر داود وللمسيحيّين بزيارة العلّيّة.وبعد الاحتلال الإسرائيلي سنة 1948 تحوّل المكان إلى منطقة أمنيّة باعتابارها على خطّ الهدنة، وتحوّل السطح إلى ثكنة عسكريّة، لذا توقّفت الزيارات إلّا لشخصيّات اعتباريّة، ففي العام 1964 طلب البابا بولس السادس زيارة المكان وكان له ما اراد.وفي العام 1967احتلت إسرائيل كلّ الضفّة الغربيّة للأردن وضمّت القدس العربيّة إليها فصار المكان مفتوحًا للجمهور للزّيارة فقط، لكن الطابق الأرضي حيث المقام تقام فيه كل الطّقوس اليهوديّة، لكن في يومين في السنة يُسمٌح للمسيحيّين إقامة القدّاس الرّسمي وهما يوم خميس الأسرار ويوم العنصرة. والمناسبتان مرتبطتان بالمكان.مَن يزُر العلّيّة اليوم يواجهه درج ينزل للطابق السفلي وهو اليوم مغلق، وفوقه قبّة محمولة على أعمذة يحمل الأول القريب تاجًا فيه طائر بجع يُطعِم فرخيه من جسده، وهذا يرمز لتضحية المسيح بنفسه من اجل البشر.وإلى جانب المحراب لوحة من القاشاني الأزرق كنب عليها بخط الثلث{بسم الله الرحمن الرحيم}. شرقي المحراب درج يؤدّي إلى غرفة مقفلة هي غرفة الروح القدس وتسمّى أيضًا (قبر داود المزيّف)، ذلك لأنّه في فترات حكم المسلمين تمّ السماح لليهود بالصلاة هنا باعتباره قبر داود، وظل الضريح في الطابق الارضي مقامًا إسلاميًّا خالصًا.في بداية الدرج نلاحظ نقشًا حجريًّا مثبتًا على الجدار، قد تكون جزءًا من نقش:{بسم الله الرحمن الرحيم امر بتطهير هذا المكان من عبادة الاوثان وتحويله إلى جامع يُذكر فيه اسم الله، سلطان الخلق حامي دين الإسلام خادم البيت الحرام حامي العدل والامان السلطان بن السلطان سليمان بن عثمان عزّز الله الإسلام في زمانه على يد سيّدنا شمس الدين محمّد العجمي الخطيب جازاه الله على اعمال يديه ويرحم والديه بتاريخ الخامس من شهر ربيع الاوّل سنة ثلاثين وتسع ماية والحمد لله وحده} .أما من الشمال فهناك شجرة زيتون ذهبيّة اللون ترمز لقدسيّة البلد ولها ثلاثة اغصان قد تكون الديانات الثلاث التي تقدّس المكان وقد تكون الثالوث الاقدس، وحول الشجرة كرمة وسنبلة، فالكرمة ترمز للخمرة التي ترمز لدم السيد المسيح والسنبلة ترمز للخبز الذي يرمز لجسده.وهذه الشجرة تقدمة من البابا يوحنّا بولس الثاني حين زار الموقع سنة 2000.بقي ان نذكر ان مفاوشات مستمرّة منذ عشرات السنين بين الڤاتيكان وإسرائيل على استعادة الكنيسة، لكن بلا نتيجة حتى الآن.

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*