الاستعمار الفرنسي للجزائر العربيّة (3): ددور المنظّمات والأحزاب السّياسية – اسكندر عمل

سلب فرنسا لحرّيّة الجزائريّين، أي لأهم حقّ من حقوق الإنسان الطّبيعيّة، وانتزاع أقواتهم من أفواههم وسلب خيرات بلادهم وجعلهم خدما وعبيدا لهم، دفعت الجزائريّين إلى اقتحام الموت كي يثأروا لما لحقهم من ذلّ وإهانة.

بدأ النّشاط السّياسي المنظّم في صفوف العمّال الجزائريّين المقيمين في فرنسا عام 1926،حيث أقاموا منظّمة نجم الشّمال الإفريقي الّتي هدفت إلى استقلال شمال افريقيا، لكن القائمين عليها لم يصرّحوا بأهدافها وجعلوا غايتها “النّهوض بسكّان الشّمال الإفريقي والدّفاع عن مصالحهم الوطنيّة والمادّيّة والاجتماعيّة والسّياسيّة.” وقد تزعّم المنظّمة عام 1927 مصالي الحاج الّذي عمل على إبعادها عن المبادرين لإقامتها، الشّيوعيّين. في العام 1929 أصدرت محكمة في باريس قرارا بحلّها فتوقّف نشاطها العلني. في العام 1933 عادت إلى نشاطها وقد دعت جريدة ” الأمّة” النّاطقة بلسانها إلى الثّورة بصراحة، وطالبت باسقلال شمال افريقيا. لاحقت السّلطات مصالي الحاج عام 1934 ونفته إلى سويسرا.
في العام 1935 ظهرت المنظّمة من جديد باسم الاتّحاد الوطني لمسلمي الشّمال الافريقي، وعاد مصالي الحاج ليقود المنظّمة عام 1936 ولكن قلص نشاطها لتحرير الجزائر، ووقفت المنظّمة ضد حركة إدماج الجزائر بفرنسا، ونتيجة لتعاظم نشاطها قامت السّلطات بحلّها للمرّة الثّالثة في أوائل 1937 .( الجزائر العربيّة ص230).
في نفس العام أقام مصالي الحاج ونشيطون آخرون كعبد القادر بركة حزب الشّعب الجزائري، وقد جذب إليه الجزائريّين المصمّمين على عدم قبول الواقع الاستعماري كضرورة أملتها الطّبيعة،وقد كان لعبد القادر الّذي توفي بالتّيفوس عام 1940، تأثير كبير على تكوين أحمد بن بلة السّياسي . (مذكّرات أحمد بن بلة ص 6).
في العام 1939 عشيّة الحرب العالميّة حُلَّ  حزب الشّعب، لكنّ أعضاءه استمرّوا في العمل السّرّي. في العام 1944 أنشأ فرحات عبّاس حزب أصدقاء البيان والحرّيّة، واعتقد أنّه يمكن الوصول إلى هدف الاستقلال بسياسة التّفاهم الودّي، لكنّ هذه السّياسة أثبتت فشلها أمام التّعنّت الفرنسي بعد الحرب، ففي 8 أيّار 1945 قام الشّعب الجزائري في مختلف المدن باحتفالات بهزيمة المحور الفاشي النّازي، وقد رفعوا الأعلام الجزائريّة  فكان رد المستعمرين مجازر في سطيف وشرق الجزائر ذهب ضحيّتها 45 ألف جزائري.(مذكّرات أحمد بن بلة ص67 )
في العام 1947 أقام مصالي الحاج حركة انتصار الحرّيّات الدّيمقراطيّة وقد هدفت هذه الحركة إلى الغاء النّظام الاستعماري وإقامة نظام سيادة جزائريّة، واقامة جمهوريّة مستقلّة  ديمقراطيّة اجتماعيّة تتمتّع بكل الصّلاحيّات التّنفيذيّة والتّشريعيّة والقضائيّة، وقد صدرت عن الحركة صحف معظمها بالفرنسيّة كالأمّة الجزائريّة والمغرب العربي والمنار والجزائر الحرّة والجمهوريّة الجزائريّة، وكانت هذه الصّحف تصدر بالتّتالي كلّما توقّفت أحداها عن الصّدور أو أوقفت تصدر أخرى، (الجزائر العربيّة ص235).
في العام 1953 القي القبض على مصالي الحاج ولم يطلق صراحه إلّا عام 1959، في هذه الأثناء أسّس أحمد بن بلة في آذار 1954 حزبا باسم الّلجنة الثّوريّة للوحدة والعمل، وكان بن بلة قد فرّ من السّجن الفرنسي 1952 وانتقل سرّا من الجزائر إلى وهران فمرسيليا ثمّ قضى شهورا في باريس، وانتقل إلى مصر في العام 1953، وفي خريف 1954 قرّر بن بلة وقادة حزبه تأليف جيش باسم جيش التّحرير الوطني (جبهة التّحرير الجزائريّة) وغايته خوض المعركة في سبيل الاستقلال. وقد أعطى بوضياف رفيق بن بلة أوامره ببدء القتال في الواحدة صباحا من 1 تشرين الثّاني 1954، بدأت الثّورة المسلّحة بقليل من السّلاح، 350- 400 قطعة من البنادق الايطاليّة وصلت من ليبيا، وقد وُزّعت على الثّوّار في جبال الأوراس الّتي أراد الثّوّارأن تكون الحصن الأساسي للثّورة. (مذكّرات أحمد….ص94 )

• أسباب الثّورة*

إنّ سلب فرنسا لحرّيّة الجزائريّين، أي لأهم حقّ من حقوق الإنسان الطّبيعيّة، وانتزاع أقواتهم من أفواههم وسلب خيرات بلادهم وجعلهم خدما وعبيدا لهم، دفعت الجزائريّين إلى اقتحام الموت كي يثأروا لما لحقهم من ذلّ وإهانة.
إنّ التّمييز الفاضح بين حياة سكان البلاد وبين حياة المستوطنين الفرنسيّين الكولونياليّين واضح للعيان، فهذه البلاد الجميلة الّتي بناها الفرنسيّون بأموال الجزائريّين وبجهودهم وعرق جبينهم يتمتّع بها الفرنسيّون الدّخلاء الغرباء، أمّا جزائر الجزائريّين فهي تلك الخربات الدّارسة الّتي هي أشبه بالأحجار منها بالمنازل والّتي ما تزال تعيش في حالة بدائيّة يخجل المرء من ذكرها.
حتّى عندما كال الجزائري يخدم ويحارب إلى جانب الفرنسي ضدّ الوحش النّازي، كان التّمييز العنصري يبرز بأقبح صوره. يكتب بن بلة في مذكّراته عن فترة خدمته في الفيلق السّادس في تلمسان عام 1943 :” إنّ اللّامساواة بين الضّبّاط الجزائريّين والضّبّاط الفرنسيّين كانت فاضحة، هناك قاعتان منفصلتان ومطبخان مختلفان، وصحوننا لم يكن لها الحقّ أن تتآخى مع صحون الفرنسيّين المساوين لنا في الرّتبة”.(ص47 )
ينقل لنا إحسان حقّي عن “المجلّة الفرنسيّة” الّتي صدرت بعدد خاص عن الجزائر في كانون الثّاني 1960، وصف د. غي مارك سنغلين للأطفال في الجزائر “إنّ أول ما يلفت أنظار المرء حينما يصل ميناء الجزائرهو أفواج من الأطفال القذرين العراة الّذين يتدافعون نحو المسافرين ليحملوا لهم حقائبهم أو ليمسحوا أحذيتهم أو ليبيعوهم الجرائد… من هم هؤلاء الأولاد؟ هم من الأيتام أو ممن تركوا منازلهم، أو من القبائل تركوا دوّارهم البعيد وانحدروا نحو المدن الكبيرة… يعيشون عيشة شقاء وبؤس، يعملون كلّ النّهار في الأزقّة ويعيشون فيها، وإذا ما جاء الّليل أووا إلى حمّام ليناموا فيه فوق بعضهم في جوّ فاسد موبوء.” (الجزائر العربيّة ص242- 243).
وفي مجال الانتخابات البلديّة يقول بن بلة انّه كانت هناك درجتان، الأولى الأوربّيّون والثانية الجزائريّون. كان عشرة ملايين جزائري ينتخبون ثلث المستشارين البلديّين، بينما مليون أوروبّي ينتخبون الثّلثين.(مذكّرات… ص68)
ما نقرأه في أدبيّات الأدباء الفرنسيّين الّذين شعروا بالعار لما ترتكبه دولتهم في الجزائر، ومنهم من ذاق العذاب لما نشره عن ألوان العذاب وسكر الفرح الّذي كان يطغى على الجلّادين وتلذّذهم أثناء تفنّنهم بأساليب التّعذيب، فهذا سارتر يأتي بنصوص من كتاب الأديب الفرنسي أليغ الّذي زجّه الفرنسيّون في السّجن.” هناك الجلّادون الأصغر سنّا العاجزون الّذين يتمتمون باضطراب وجزع “هذا فظيع”، عندما يضيء مصباحهم الكهربيّ أحد المسجونين”. و” هناك من يتسلّون برؤية الانتفاضات الّتي تعرو المعذَّب بالكهرباء، لكنّهم لا يحتملون سماع صراخه وأنينه”.(سارتر ص42 ).
ولم يكن وضع الجزائريّين في فرنسا بأفضل، فقد عاش حوالي 450 ألف جزائري في أنحاء فرنسا، وقد عملوا أصعب الأعمال وأذلّها: عمّال في المناجم، عمّال في ورشات البناء، عمّال في الطّرقات، حمّالون في المحطّات أو في الموانئ، بائعو فول سوداني، بائعو خضار متجوّلون، سائقو سيّارات أجرة وغير ذلك من الأعمال الّتي تنهك البدن ولا تكاد تسدّ الرّمق.وقد مُنع الجزائريّون في فرنسا من امتلاك سيّارة “كي لا يساعدوا المجاهدين”، ولكنّ السّبب الحقيقي لهذا المنع هو الإذلال والاحتقار.
رأى الجزائريّون كلّ هذا وعانوه فثاروا وحقّ لهم ذلك، وصدق حمو أخو زيدان الأحمر في رواية الطّاهر وطّار” الّلاز” الّذي قال انّ الوضع الّذي أصبح عليه النّاس من فقر وبؤس وعري وجهل ومرض وظلم وجور، يجبرهم على العمل من أجل التّخلّص منه وهذا العمل ليس سوى الثّورة، ليس سوى التّمرّد على الأسياد الّذين كما يقول زيدان لم يفهموا ولا يريدون أن يفهموا إلّا أمرا واحدا هو مصلحتهم، مصلحتهم الّتي تتعارض مع مصلحة جميع النّاس.. بل تقتضي أن لا يكون لأيّ أحد عداهم، مصلحة ما، هكذا خُلِقوا، يا ابن عمّي، الضّيم يهيّج كلّ النّاس.(الّلاز ص34-35 )

 (يتبع)

جزائرنا يا بلاد الجدود
نهضنا نحطِّم عنك القيود
ففيك برغم العدا سنسود
و نعصفُ بالظُّلم والظَّالمين
***
سلامًا سلامًا جبال البلاد
فانت القلاعُ لنا والعمادْ
وفيك عقدنا لواء الجهادْ
ومنك زحفنا على الغاصبين
***
قهرنا الأعادي في كلِّ وادْ
فلم تُجْدِهمْ طائراتُ العوادْ
و لا الطَّنكُ يُنجيهمُ في البوادْ
فباءوا بأشلائهمْ خاسئين
***
وقائعُنا قد روتْ للورى
بأنا صمدنا كأُسْد الشَّرى
فأوراسُ يشهدُ يوم الوغى
بأنّا جهزنا على المُعتدينْ
***
سلُوا جبل الجرْف عن جيشنا
يخبِّرْكمُ عن قُوى جأشنا
و يعلمكُم عن مدى بطشنا
بجيْش الزَّعانفة الآثمينْ
***
بجرجرة الضَّخم خضنا الغمار
وفي الأبيض الفخم نلنا الفخارْ
و في كلِّ فجٍّ حمينا الذِّمار
فنحن الأباةُ بنو الفاتحين
***
نعاهدكمْ يا ضحايا الكفاح
بأنَّا على العهد حتّى الفلاحْ
ثقُوا يا رفاقي بأنّ النَّجاح
سنقطفُ أثمارهُ باسمين
***
قفوا و اهتفوا يا رجال الهممْ
تعيشُ الجبالُ، و يحيا الشَّممْ
و تحيا الضَّحايا، و يحيا العلمْ
و تحيا الدّماءُ، دما الثَّائرين

محمَّد الشَّبُّوكي – شاعر جزائري

 

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*