الدَّاوَيمَة د. خالد تركي

 

أرسل لي صديقي الصَّدوق، مشكورًا، عبر البريد الإلكتروني، رابطًا من صحيفة “هآرتس”، يحمل في طيَّاته خبرًا ينقله إلينا الصِّحافيُّ تسفرير رينَات عن إقامة مستوطنةٍ جديدةٍ بالقرب من مستوطنة أمَتسيا والتي أُقيمت، عام ألف وتسعمائة وخمسة وخمسين، على أنقاض قرية الدَّوايمة قضاء الخليل، وتقع ما بين مدينتي الخليل وبئر السَّبع، تلك القرية الفلسطينيَّة المهجَّرة، منذ التَّاسع والعشرين من شهر تشرين الأوَّل من عام النَّكبة، على أيدي كتيبة تسعة وثمانين بقيادة يغآل ألون وتحت إشراف يتسحاق سديه، مؤسِّس البلماح، التَّابع للواء ثمانية، ليسكنها اليوم مستوطنون من جوش قطيف، تعويضًا لهم، بعد أن انتقلوا من قطاع غزَّة، بعد أن أُبرِمت اتِّفاقيَّة إخلاء المكان بين “السُّلطتيْن“..

ينقل لنا الصِّحافيُّ خلال الرَّابط ما يسرده أهل القرية عن المجازر والمذابح وأعمال الاغتصاب والعنف يوم سقوط قريتهم وكذلك ينقل لنا ما يدَّعيه مدير المنطقة التَّابع لسلطة الآثار أنَّ البيوت كانت خالية من أيِّ شيء وذلك لسببين، على حدِّ قوله، إمَّا أنَّ السُّكَّان نقلوا جميع أثاثهم وحاجيَّاتهم من البيت إلى مكان إقامتهم الجديد (وكأنَّهم نعِموا براحة الوقت) أو أنَّ مَن أتى مِن بعدهم أفرغ هذه البيوت من محتوياتها، بعد أن يُنكر المديرُ عِلْمَه، مُستهجنًا، بأخبار العنف والقتل والتَّفجير التي لازمَت احتلال القرية.

لقد عُدْتُ إلى كتاب المؤرِّخ الفلسطينيِّ وليد الخالدي “كي لا ننسى” (ص 160) وقرأتُ فيه عن هذه القرية نقلاً عن المؤرِّخ بيني موريس ومقتطفات عن صحيفة “عل همشمار”: “قتلوا الأولاد ضربًا على رؤوسهم بالهراوات، لم يخلُ منزل واحد من قتيل..وأَمَرَ أحدُ الضُّبَّاط زارعَ الألغام بوضع امرأتين مسنَّتين في أحد المنازل.. وتدمير المنزل وهما فيه..ونُفِّذ العمل المشؤوم. وقد تباهى أحد الجنود بأنَّه اغتصب امرأةً ثمَّ أطلق النَّار عليها..”. وعندما وجدوا بعضًا من العائلات المُختبئة داخل كهف من كهوف القرية “أمرَتها بالخروج والاصطفاف، ثمَّ البدء بالسَّير. وما أن بدأَتْ بالسَّير حتَّى أُطلِقت نيران الرَّشَّاشات عليها من جهتين” جمعوا الجثث ورموها في بئر القرية ثمَّ دفنوها.

وينقل لنا بيني موريس قول وزير الزِّراعة أهرون زيسلينغ، بعد شهر من سقوط قرية الدَّوايمة: “هذا أمر يحدِّد شخصيَّة أمَّة..لقد ارتكب اليهود أيضًا أعمالا نازيَّة” لكنَّه طلب منع نشر الحقائق “بغية الحفاظ على صورة اسرائيل“..

مستوطنة جوش قطيف بُنيت على أساس باطل، على أرض محتلَّة في قطاع غزَّة فهي من أساسها باطلة، وبئس المصير، وهذا سيكون مصير جديدتهم، التي ستُشيَّد على تراب مُغتصب، في منطقة خليل الرَّحمن، لذلك ستكون باطلة، لأنَّ الصَّبر والتِّين والزَّيتون والعنب واللوز والسِّنديان وفيٌّ للزَّارع الحنون والغارس الأصيل لهذه الاشجار، وشاهدٌ على ما اقترفته هذه الأيدي الآثمة من مجازر ومآسٍ بحقِّ شعبنا، في اربعمائة قرية عربيَّة مهجَّرة أو يزيد، وجرائم أخرى لا تُغتفر بحقِّ سكَّان مدننا العرب، وما زال حمَّام الدَّم ينزف من جروحنا والدِّماء تجري في عروقنا سكبًا ومجدًا وبلسمًا بينما تحاول شلَّة من المرتدِّين من ذوي القُربى أن تُداوي كلومنا بالملح والليمون، لكنِّي أقول لشعبنا العربيِّ “صبرًا على النوَب”، فكيف لا تردُّ هذه الأرضُ الجميلةُ الجميلَ للمعلِّم والمقلِّم والمتلِّم، “بِصير خير“..

ولن نفقد الأمل فالمثل الرُّوسي يقول “الأملُ هو آخرُ من يموت“..

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*