الطبقة العاملة اللبنانية وحركتها النقابية اليسارية من الشهيدات وردة بطرس وفاطمة خواجة إلى الشهداء سليمان الشريف ويوسف العطار ومعروف سعد.. تحية الأول من أيار – سمير دياب*

 

إذا كان الوجود الاجتماعي هو الذي يحدد الوعي، فإن الظروف الاجتماعية ستنتج تغييراً في وعي الناس آجلا أمعاجلاً من خلال سيرورة نضالية توفر هذه الشروطالموضوعية لوعي التغيير، وفق مشروع وطني تغييري جذري.

فالطبقة العاملة وحزبها وحركتها النقابية هي الحاضنة والحاملة لتحقيق هذا المشروع نحو مجتمع أفضل.

في الأول من أيار، لا بد من القاء نظرة، ولو سريعة، على مسار نضال الحركة العمالية والنقابية اللبنانية المشرفة في مجرى الصراع الطبقي من أجل التغيير.  

بعد المعركة الوطنية ضد المستعمر الفرنسي، ونيل الاستقلال الوطني عام 1943، عملت الحركة النقابية على تعزيز نضالها أكثر فأكثر، وتكريس حقوق العمال من خلال تأسيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين فيلبنان عام 1944.

حيث شهد عام 1945 إضراباًعمالياً كبيراً نفذه عمال معملالأصواف الوطنية، طالبوا فيه   بزيادة الأجور ودفعالتعويضات العائلية، وحق ترخيص نقابة لهم.

وتحول عام 1946 إلى موجه من الاضرابات العماليةوالقطاعية فمن إضراب عمال وموظفي شركة الكهرباء، إلى عمال وموظفي شركة الريجي (التبغ) تحت شعارات زيادةالأجور والتعويضات العائلية، وحماية الحريات النقابية.. لكن القوى الامنية قمعت تظاهرة اثناء اضرابهم رداً على طرد عدد من العمال، وقامت باطلاق النار على المتظاهرين ادى ذلك إلى سقوط العاملة وردة بطرس شهيدة الحركة النقابية والعمالية برصاص السلطة، وعدد من الجرحى. بعدها استمر اضراب الريجي مدة شهر استطاع العمال من تحقيق الكثير من مطالبهم.

هذا الاضراب الشهير دفع قطاعات عمالية جديدة إلى إعلان الاضراب للحصول على ذات المطالب :عمال وموظفو شركتيالحديد والمرفأ، موظفو بنك سوريا ولبنان، عمال وموظفوبلدية بيروت..) إلى أن أقر مجلس النواب في 23 أيلول منالعام 1946 قانون العمل، الذي يعتبر انتصاراً لنضال الحركة النقابية والعمالية في لبنان.  

شهد عام 1947 موجة واسعة من الإضرابات، بفعل قيام 8 شركات أجنبية تسريح أكثر من 635 عاملاً وعاملة.  

في 2 تموز 1948 نفذت الحركة العمالية والنقابية تظاهرة تضامنية مع القضية الفلسطينية، تعرض خلالها العماللحملة اعتقالات واسعة ، كما تعرضت تظاهرة 19 تشرين الثاني في منطقة الاونيسكو بيروت لإطلاق نار من القوىالأمنية، واعتقال العديد من المتظاهرين والنقابيين وسجنهم لمدة 3 أشهر.

توسعت جبهة المواجهة بين العمال والسلطة، حيث استمرت السلطة في قمع التظاهرات والاعتقالات والمداهمات للمراكز النقابية وتجمعات العمال في عام 1949. واشتدت المواجهات ليسقط عام 1950 الشهيد سليمان علي الشريف برصاصالقوى الأمنية دفاعاً عن لقمة العيش.

وشهد  عامي 1952 و1953 مجموعة من الإضراباتالعمالية والنقابية بلغ عددها أكثر من 22 إضراباً شملتقضايا تتعلق بالحريات النقابية وزيادة الأجور والاحتجاجعلى الصرف من العمل وتخفيض ساعات العمل. وتزايدتالاحتجاجات الشعبية في عامي 1955 -1956 وبرز في تلكالفترة اضراب معمل عسيلي للنسيج (2200 عامل)،واضراب معملي الترابة والاترنيت في شكا (1500 عامل). تمكن العمال من تحقيق عدد لا يستهان به من المطالب،خاصة بعد تضامن نقابي معهم، في منطقة الشمال، بماخص معملي الترابة والاترنيت.

ثم تصاعدت الإضرابات العمالية، وأبرزها في شركة نفطالعراق عام 1959، احتجاجاً على سياسة الصرفالجماعي، تخللها إضراب عن الطعام.

عام 1961 شهد معركة شرسة، بهدف تصحيح الأجور، فماأن أقر قانون زيادة الأجور حتى عمت المناطق اللبنانية، وفيمختلف القطاعات، إضرابات بهدف الضغط على المؤسساتوالشركات، وإلزامها بدفع هذه الزيادة. وأغلب الإضراباتنجح في تحقيق المطالب، لكن المؤسسات الخاصة ردتبحملة تسريح واسعة للعمال.

وبفعل استمرار نضال الحركة العمالية والنقابية الضاغطةصدر قانون الضمان الاجتماعيبموجب مرسوم جمهوريبعد تهرب النواب من إقراره خلال 40 يوماً ، ما اضطررئيس الجمهورية، خوفاً من تصاعد النضال العمالي إلىإصدار المرسوم. والأمر نفسه حصل لقانون عقود العملالجماعية، الذي صدر بموجب مرسوم عام 1964.

وشهد العام 1965 إضراباً كبيراً في شركة الريجي، حيثطالب العمال بتحقيق مطالب تتعلق بزيادة الأجور، وتحسينظروف العمل. وعلى الرغم من استمرار الإضراب مدة 14يوماً، لم توافق الشركة إلا على عدد محدود من المطالب.

عام 1966، أضرب موظفو وعمال شركة الكهرباء بهدفزيادة الأجور وإقرار المِلاك الجديد. استمر الإضراب 14يوماً جديداً حصلوا في نهايته على جزء من مطالبهم، ومنثم استأنفوا الإضراب لكن ما لبثوا أن علقوه، بعد أن تلقواوعداً بتنفيذ مشروع المساكن الشعبية.

وعلى الرغم من أن الاتحاد العمالي العام كان قد تأسسعام 1958، إلا أنه اقتصر التمثيل داخله على النقابات غير اليسارية. احتدم الصراع داخل الحركة النقابية بين الاتحادالعام والاتحادات النقابية اليسارية غير المرخص لها. وفي عام 1967 تأسست اتحادات عمالية كانت الدولة ترفضسابقاً إعطاء الرخص لبعض هذه الاتحادات ( اليسارية تحديداً)، ولا سيما الاتحاد الوطني لنقابات العمالوالمستخدمين في لبنان، واتحاد الجنوب.

في عام 1970، إثر إنجازات حققتها الحركة النقابية، ولاسيما صدور المرسوم التطبيقي الخاص بفرع الضمانالصحي، انضمت كل الاتحادات التي كانت خارج الاتحادالعمالي العام إليه، وأعلن عن ذلك في 3 أيار1970.

وشهد العام 1971 موجة واسعة من الإضرابات شملتقطاعات مختلفة، خاصة في معمل ماليبان للزجاج فيالبقاع  الذي استمر لمدة شهر بسبب صرف 300 عامل وعاملة،وسط تضامن نقابي غير مسبوق. كما حصلت إضرابات لنقابة سائقي السيارات العمومية، ونقاباتالمصالح المستقلة، ونقابة موظفي المصارف.

في العام 1972، بدأت حملة نضالية نقابية هادفة إلى تعديلالمادة 50 من قانون العمل، وخاصة لحماية النقابيين منالصرف التعسفي، بسبب نشاطهم النقابي. هذه المعركة استمرت عامين من النضال تم خلالهما صرف العديد منالعمال النقابيين، تحت تلطي أرباب العمل وراء “مبدأالاقتصاد الحر و ” التعاقد الحر”.

في الوقت عينه، نفذ المعلمون اضراباً طويلاً انتزعوا خلاله على حق إنشاء روابطهم في المحافظات في المدارسالرسمية الابتدائية والمتوسطة. في حين تأخر تحقيق ذات الموضوع لدى أساتذة التعليم الثانوي (إنشاء رابطتهم) حتىعام 1980.

في 3 تشرين الثاني من العام 1972، بدأ عمال معاملغندور للبسكويت إضراباً طالبوا فيه بزيادة أجورهم وتحسينظروف عملهم وحماية الحريات النقابية. وفي 11 تشرينالثاني، هاجمت القوى الأمنية العمال المضربون سقط خلالها العامل يوسف العطار شهيداً، والعاملة فاطمة خواجةشهيدة. ونفذت حملة اعتقالات واسعة طالت العشرات من العمال، وصرف 45عاملاً وعاملة. لكن التضامن السياسي والنقابي والعمالي الواسع ادى الى تراجع الشركة عن تهديداتها. لتقدم الحركة النقابية والعمالية نموذجاً متقدماً في معركتها الطبقية ضد الطغمة المالية ورؤوس الاموال المتحالفة مع الطبقة البرجوازية المسيطرة.

عام 1973، تعرض مزارعو التبغ في الجنوب لحملة قمعشرسة عندما طالبوا باستلام كامل محصولهم، لقاء أسعارمناسبة، وحماية الحريات النقابية، وتحويل الريجي إلىشركة وطنية. وتطورت الأمور من خلال تظاهرات شبه يومية،وحين حاولت القوى الأمنية إخراج المعتصمين من داخل مركزالشركة بالقوة، سقط شهيدان هما نعيم درويش وحسنحايك. وتضامنت النقابات والأحزاب الشيوعية واليسارية والديمقراطية مع المزارعين، واستمرت القضية بالتفاعل الىحين تمكنت نقابة مزارعي التبغ في الجنوب من الحصولعلى ترخيص رسمي بإنشائها عام 1979.

أما العام 1974 فشهد توسعاً للحراك النقابي والعمالي. ونفذ الاتحاد الوطني للنقابات تظاهرة عمالية حاشدةشارك فيها أكثر من 50 ألف متظاهر ومتظاهرة، أطلقخلالها رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان المناضل الياس الهبر موقفا سياسياً عالياً ضد السلطة السياسية، وضد القيادة اليمينية للاتحاد العماليالعام، قائلا” : الطبقة العاملة أخذت قضاياهابأيديها وإنها لن تتساهل إزاء كل من يستجيبلضغط السلطة، لكبت وتمييع النضال النقابيوعلى الذين يتصدرون قيادة الحركة النقابية أنيستجيبوا لصوت الطبقة العاملة.

واستمرت نضالات الحركة النقابية والعمالية بقوة إلى أنأقرت الحكومة مجمل مطالب الحركة النقابية في 29أيار1974. كما شهدت الحركة الطلابية ذروة تحركاتها في الجامعة اللبنانية  والمدارس الرسمية من أجل ديمقراطية التعليم ووطنيته والزاميته..وقد استمرت موجة الإضراباتبالتصاعد والمواجهات بوتيرة عالية في قطاعات عمالية عام1975 إضرابات : عمال البلديات، وعمال شركة سوليفرللزجاج، وعمال المطاحن،عمال معمل سجاد لبنان، عمالمصلحة مياه بعلبك، وعمال معمل عريضة للنسيج،بالإضافة إلى الاضرابات الطلابية . لكن الحدث الأبرز،كانت التحركات الشعبية الرافضة لاحتكار شركة “بروتيين” لصيد السمك على طول الشاطئ اللبناني من الجنوب الى الشمال عام 1973، وعلى الرغم من المطالبات المستمرةوالحثيثة من نقابات الصيادين بإلغاء ترخيص الشركة الاحتكارية، إلا أن الحكومة لم تستجب بل عمدت إلى إطلاق النيران على تظاهرة الصيادين السلمية في 26 شباط 1975 في صيدا التي تقدمها النائب الناصري معروف سعد، ادى الامر إلى استشهاد 10 متظاهرين، واصابة النائب معروف سعد اصابات خطيرة ادت إلى استشهادهلاحقا في المستشفى.

لتبدأ مرحلة مختلفة، هي مرحلة الحرب الاهلية التي بدأت في 13 نيسان عام 1975 واستمرت حتى عام 1990 واتفاق الطائف الطائفي.

هذا الموجز عن تاريخ النضال النقابي والعمالي المشرق والمشرف، يشكل زاداً لنا وللشباب ولكل الاجيال من أجل استكمال معركة النضال الوطني والطبقي من أجل اقامة البديل الوطني الديمقراطي العلماني المقاوم.    

تحية لشهداء الطبقة العاملة

عاش الأول من أيار يوم العمال العالمي.

30/4/2019

*كاتب من لبنان    

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*