استقلال 6 و 6 مكرر سمير دياب


لم يتشرف شعبنا المناضل المقاوم طيلة 78 عاماً بالتعرف على معاني ومفاهيم واحكام الاستقلال الوطني، لكنه عانى طيلة هذه العقود من “الاستغلال” وما يزال بسبب غياب الاستقلال الوطني، وإحلال الارتباطات التبعية السياسية والطائفية لنسف قواعد وقيم ومهام الاستقلال الوطني والاجتماعي والدستوري والقانوني لتدعيم دولة الاستقلال الفتية.

لقد انحكم شعبنا لسلطنات طائفية توحي بقيام دولة مركزية تتحكم من خلال أجهزتها ومؤسساتها بالمجتمع وتعمل على إخضاعه خدمة لأهدافها الطبقية والطائفية. وهذا مرده طبيعة نظام الاستقلال وبنيته البرجوازية المتخلفة التابعة وتركيبته الطائفية التي احتلت معادلة 6 و6 مكرر موقعها كبديل مستعار عن الاستعمار وطمست معركة التحرر الوطنية من جذورها. لذا، ما نشهده اليوم هو الامتداد السياسي والطبقي لتبعية النظام القائم لقوى الاستعمار القديمة والمتبدلة ليبقى الاستقلال الحقيقي منقوصاً، والتغيير صعباً، بعد أن تحصنت النخب السياسية الحاكمة على اختلاف العهود والمراحل بقوانينها ومؤسساتها وأدواتها وأجهزتها القمعية لتأبيد سيطرتها الطبقية والطائفية، ومنع احداث أي إصلاح جدي أو تغيير حقيقي يطال بنية النظام البرجوازي وتركيبته الطائفية حتى اللحظة ( قانون الانتخاب الطائفي لعام 2022 ) اما التعديلات على الصلاحيات الطائفية فتغيرت بفعل الحروب الاهلية حصرياً.

لم تخرج الطبقة الحاكمة عندنا من مفهوم “السلطنة” القائمة على التفريق والتمزيق لوحدة الشعب، واستحضار الفدرلة أو الكونفيدرالية متى” توجعت” أو استحضار العائلية والعشائرية والمذهبية والطائفية متى اخلتفت فيما بينها. هكذا اجتهدت الطبقة الحاكمة في خوض التجارب بحق شعبها ودولتها المستقلة لإنتاج الحروب والصراعات الداخلية أي خوض معركتها السلطوية التي تشبه تنظيماتها واحزابها ومؤسساتها وافكارها .. وبهذه المعارك الممتدة من عام 1943 لحد اليوم استطاعت هذه الطبقة أن تقوض مكتسبات نضال العمال والمزارعين والطلبة والموظفين وصغار الكسبة، وأن تطيف انتصارات مقاومتنا الوطنية ضد الاستعمار والاطلسي والاميركي والصهيوني، وأن تطمس وتضيع عن قصد كل الاحتجاجات والتحركات والانتفاضات الجماهيرية والسياسية لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية.

لا يمكن الخروج من دوامة الازمة الوطنية الشاملة التي نواجهها في السيادة والاستقلال والتنمية والأمن والتعليم والاقتصاد والفساد من دون الخروج من لعبة أركان النظام الفوضوية المفتعلة. وللخروج من هذه الدوامة لا بد من بناء بديل وطني ديمقراطي جامع وحاضر وجاهز ومنظم ومنتج وقادر على تعديل موازين القوى الشعبية الميدانية ومواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهذا غير وارد إلا من خلال بناء علاقة نضالية مباشرة مع الجماهير العاملة والكادحة والمفقرة الواقفة اليوم على حافة الموت بعد إنسداد كل شرايين الحياة أمامه وأمام الاجيال القادمة بفضل “دولة الاستغلال” وعصابات النهب والفساد التي أفسدت الماضي والحاضر والمستقبل لابناء شعبنا الصامد المقاوم. وهذا يتطلب “طحشة” جريئة وجدية وحاسمة ومنظمة لقوى المشروع الوطني الديمقراطي، وفي مقدمها الشيوعيين الذين كان لهم شرف النضال والمقاومة ضد كل أشكال الاستعمار الامبريالي وضد المحتل الصهيوني، والتاريخ المشرف المميز في معارك النضال الديمقراطي من أجل العمال والفلاحين والطلبة والموظفين والمرأة والاعلام والحريات العامة.. وتحت شعار وطن حر وشعب سعيد.. وما زالوا على نهج شهداء حركة التحرر الوطني العربية وفي المقدمة فلسطين ومن أجل ربط التحرير بعملية التغيير الديمقراطي كأساس لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانية المستقلة. من دون إظهار التمايز السياسي والاجتماعي والميداني لهذا البديل التغييري، وفرض خياراته الوطنية والطبقية الواضحة والصحيحة، سيبقى لبنان خاضعاً وتابعاً وصندوقا لبريد الداخل والخارج، وسيبقى محكوماً لسيطرة تحالف الطغمة السياسية المالية الطائفية الذي أكل الاخضر كله وسينهي ما تبقى من يابس.

22 تشرين الثاني 2021

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*