تاريخ توافقي لعيد الفصح د. عاطف أنيس عبود – شفاعمرو
- by منصة الراي
- April 26, 2024
- 0
- 316  Views
- 0 Shares
اعتاد المسيحيون إحياء ذكرى القيامة المجيدة منذ القرن الميلاديّ الأوّل. فكانت كنائس آسيا الصّغرى تحتفل بالفصح في الرابع عشر من نيسان العبري، سواء كان يوم أحد أو غير ذلك. أمّا كنيسة رومة وكنائس المشرق في سوريا والعراق، فكانت تحتفل بالفصح في يوم الأحد الأوّل حصرًا، الّذي يلي بدر شهر نيسان. وذلك اعتمادًا على نفس التّقويم.
انعقد مجمع نيقية الأول، بدعوةٍ من الامبراطور قسطنطين عام 325م.وكان هدفه توطيد وحدة الإمبراطورية على ركيزة الإيمان المسيحي إزاء الانقسامات الّتي كانت سائدة بين المسيحيّين. فأقنع الأساقفة المشاركين في المجمع، الوصول إلى اتفاق يضمن الاحتفال بأكثر الأعياد المسيحية قداسة، في نفس اليوم، عند جميع الكنائس سواء في الشّرق أو الغرب. وفي هذا المجمع تمّ بالفعل تحديد معادلة جديدة للاحتفال بعيد الفصح، مع مراعاة، أن يكون العيد متوافقا مع بدر الربيع، وتاليًا احتفال اليهود بالفصح. لأن حدث القيامة وفق التّقليد الإنجيلي وقع بعد الفصح العبريّ. وقد قبلت كلّ الكنائس في ذلك الوقت بتلك المعادلة التي جعلت الاحتفال بعيد الفصح في يوم الأحد التالي لأول بدر ربيعي، وبعد فصح اليهود (عن Vatican News).
حدد مجمع نيقية تاريخ عيد القيامة كالتاليّ: الأحد الأول بعد بدر الاعتدال الربيعي، ولا يجوز أن يأتي بالتّزامن مع فصح اليهود أو قبله. واعتمد التّقويم اليولياني الذي كان سائدا آنذاك. وكان الهدف من ذلك هو صلب المسيح قبل فصح اليهود وقيامته بعد العيد.
وقد شدّد الإمبراطور قسطنطين في خطاب افتتاح المجمع على ضرورة الاحتفال بأكثر بالعيد في نفس اليوم، وفي جميع الكنائس، سواءً في الشرق، أو في الغرب. وأضاف أنه يتألّم من الانقسام داخل الكنيسة. حيث يحتفل البعض بالعيد، بينما يلتزم آخرون بالصِّيام. وبكلمات أخرى فريق يعلن القيامة المجيدة وفريق آخر ما يزال يتبعُ صلوات أسبوع الآلام.
وسارت كنائس الشرق والغرب على هذا النّهج، لأكثر من ألف ومئتي عام. حتى جاء البابا غريغوريوس الثالث عشر في العام 1582،وأجرى إصلاحًا جذريًّا بناءً على الحسابات الصّحيحة، وذلك بعد اكتشاف الأخطاء الفلكية في حساب الأيام والسنين، في التّقويم اليولياني. فاعتمد تقويمًا جديدًا، دون التّشاور مع الكنائس الأرثوذكسية، فاعتبرت الكنائس الشّرقيّة التّقويم الجديد بدعةً غربيّة. وبقيت تعتمد التّقويم اليولياني، المعمول به. تحتفل الكنيسة الكاثوليكية، بعيد الفصح حسب التّقويم الغريغوري، في يوم الأحد الأول إثر اكتمال القمر، بعد بداية الربيع. أي يوم الأحد الأول الذي يلي بدر 21 آذار. ممّا يجعل أقرب موعد لعيد الفصح في 22 آذار، وأقصاه في 20 نيسان. أمّا الكنيسة الشرقيّة والتي تعتمد التّقويم اليولياني فأقصى موعد للعيد يقع مع الفصح الثاني لليهود ممّا دفعها لتأجيل الاحتفال بالعيد إلى الأحد الّذي يليه، تمشيًّا مع طلب قسطنطين الملك: “الابتعاد عن احتفالات اليهود بفصحهم”. فاعتماد تقويمين أوقع فرقًا بين مواعيد الكنيستين الشّرقيّة والغربيّة عند الاحتفال بالفصح. ففي هذه السنة 2024، لا ينسجم تاريخ العيد مع قرار مجمع نيقية الأول، إذ يأتي بعد البدر الثاني الذي يلي الاعتدال الربيعي، بحسب المعطيات الفلكية الدقيقة.
احتفال الكنيسة الغربيّة بعيد الفصح ظل قائما بناء على جزء من معادلة مجمع نيقية، وهو أن يكون العيد في الأحد الأول الذي يلي البدر الذي يقع بعد الاعتدال الربيعي (بحسب التقويم الغريغوري) متجاوزين ضرورة أن يقع العيد بعد فصح اليهود.
يقول البعض أن مجمع نيقية لم يربط الفصح المسيحي بالفصح اليهودي بل ربطه ببدر الرّبيع إذ قرر المجمع أن لا يرتبط الاحتفال بالفصح بأي شكل من الأشكال بالفصح العبري.
إنّ استخدام التّقويم اليولياني من قبل الكنيسة الشرقيّة يؤدّي إلى وقوع العيد بعد احتفال الكنيسة الغربية به، أحيانا بفارق أسبوع وأحيانا بفارق خمسة أسابيع وفي مرات قليلة متزامنا معه. في هذا العام 2024، احتفلت الكنيسة الغربيّة بعيد الفصح في الحادي والثلاثين من شهر آذار، بينما تحتفل به الكنيسة الشّرقية بعد ذلك بخمسة أسابيع، أي في الخامس من أيار. وهذا الفارق الطويل،يُسبِّبُ حرجًا كبيرًا لجميع المسيحيين.
الكنيسة بحاجة إلى مجمعٍ مسكونيّ جديد، على غرار مجمع نيقية.يشارك فيه رؤساء الكنائس الشرقية، والغربية وقادتها. لأن تحديد مواعيد الأعياد ليس جزءًا من العقيدة، بل هو ترتيب بشري،قابل للنّقد والتّعديل والتّبديل والتّغيير.
جرت محاولات عديدة لتوحيد موعد الأعياد بين الكنيستين الغربيّة والشرقيّة، وكان هناك اقتراح لوضع معادلةٍ جديدةٍ للاحتفال بعيد الفصح، تتلخّصُ في الأحد الثّاني من شهر نيسان، وهو يأتي بعد الاعتدال الربيعيّ، بغض النظر عن عيد اليهود. قبلت الكنيسة القبطية.بينما لم تعط الكنائس الشّرقيّة الأخرى أي جواب، في الوقت الذي كانت فيه بعض الكنائس تميل لقبول الفكرة، والبعض رفضها تماما. إذا اتفقت الكنائس على معادلة جديدة للاحتفال بالفصح سواء كان في الأحد الثاني أو الثّالث من نيسان أو في الأحد الأول بعد فصح اليهود، متجاوزين ذكر كلمة بدر الربيع،فهذا يشكل خطوةً مهمةً وإيجابية وحلًا عمليًّا، ولا بدّ أن يقابلها اتفاق الجميع للاحتفال بعيد الميلاد وفق التّقويم الغريغوري. أي في الخامس والعشرين من كانون أول ديسمبر.
في العام القادم 2025، تحلُّ الذّكرى الألف وسبعمئة سنة على انعقاد مجمع نيقية الأوّل. وهو أوّل مجمع مسكونيّ. الّذي كان لقراراته آثار عميقة وجذريّة على العقيدة، وعلى الكنيسة وعلى المؤمنين. وفي ذلك العام تحتفل كنائس الشّرق والغرب بعيد الفصح في اليوم نفسه، في العشرين من نيسان. وهذه مناسبة لإعطاء دفعٍ للجهود الرّامية، إلى توحيد تاريخ عيد الفصح. فالكنيسة اليوم، بحاجة إلى مجمعٍمسكونيّ جديد، على غرار مجمع نيقية، يشارك فيه رؤساء الكنائس الشّرقية والغربيّة على اختلاف مذاهبهم. إذا ما اجتمعت النّوايا الطيبة والإرادة الصالحة يمكن الوصول إلى نتائج تخدم العقيدة وتخدم الكنيسة وتخدم المؤمنين. فالأسباب التي أوجدت هذا الاختلاف في التّقويم، ليست عقائديّة. والاحتفال بعيد الفصح في تاريخ واحد،يكفل خير المسيحيين عامة. ويدعم الكيان المسيحيّ، ويصون وحدته.وفي هذه المناسبة تتّجه أنظار العالم المسيحي كله نحو كنيسة القيامة (القبر المقدس)، في القدس. حيث أن عيد الفصح هو عيد النور الذي أنار القبر، مع قيامة يسوع المسيح، وانتصار الحياة على الموت.ففي الأردن اتفقت جميع الكنائس، على توحيد الاحتفال بعيدي الميلاد والفصح ونفذته ابتداءً منذ سنة 1975.
في سياق حديث عن عيد الفصح لصحيفة أوسيرفاتوريه رومانو الفاتيكانية، تطرق الكاردينال كورت كوخ، رئيس المجلس البابوي لتعزيز وحدة المسيحيين، إلى الاختلاف في التقويمين الشرقي والغربيّ، موضحًا أنّ الكنائس المسيحيّة الغربيّة تحتسب، منذ القرن السّادس عشر، تاريخ عيد الفصح وفقًا للتّقويم الغريغوري، أما الكنائس الشّرقيّة فحافظت على التّقويم اليولياني، الّذي كان مستخدمًا في الكنيسة كلها، قبل الإصلاح الغريغوري.
وكان البابا فرنسيس والبابا تواضروس الثّاني قد عبّرا عن نيتهما فيإيجاد معادلة مشتركة لتوحيد تاريخ العيد في أكثر من مناسبة، كما أنّ الرّئيس المشارك للّجنة الدّوليّة المختلطة للحوار اللّاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكيّة والكنيسة الأرثوذكسيّة، رئيس الأساقفة الأرثوذكسي المسكونيّ جوب غيتشا Job Getcha قد تقدم باقتراح بهذا الخصوص.
ثم ذكّر نيافته بأن بطريرك أورشليم للروم الأرثوذكس، في مقابلة مع صحيفة الفاتيكان أوسيرفاتوريه رومانو، قد لفت إلى أن الجهود الهادفة إلى توحيد عيد الفصح، ليست أوْلَوِيّة رعويّة هامة فحسب. إذ ذكّر بأن هذا العيد هو الأقدم والأهم بالنسبة للمسيحية، لاعتمادها على حدث قيامة الرب يسوع المسيح، صاحب النورُ المنبعث،من القبر المقدس إلى العالم كلّه. فالكلمة الأخيرة ليست للموت، إنّماهي لله: ألا وهي الحياة. المسيح قام!
توحيد تاريخ هذا العيد يساهم في تسليط المزيد من الضوء على أهميته. كما أن هذه الخطوة بالغة الأهمية، بالنّسبة للمسيرة المسكونيّة، الهادفة إلى استعادة وحدة الكنيسة المسيحيّة، شرقًا وغربًا في الإيمان والمحبة.
لهذا أقترح على المسؤولين في الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسيةفحص هذه البدائل: 1. العودة إلى احتساب أحد الفصح المجيد، الأحد الأوّل، الذي يلي
بدر نيسان العبري.2. الأحد الثاني أو الثّالت من شهر أبريل.3. الأحد الذي يلي 15 أبريل.
تأثير التقويم على الاحتفال بعيد البشارة وسبت النّور
احتفال الكنيسة الكاثوليكية بعيد الفصح المجيد في هذه السنة في 31 آذار، جعل كنيسة الرّوم الملكيّين الكاثوليك تحتفل بعيد البشارة في نفس تاريخ العيد، يوم الإثنين 25 آذار، لكن في قدّاس يُقام في ساعات المساء. بدلًا من صلاة الختن (الختن/ يسوع) والّتي تقام في أسبوع الآلام. أمّا الكنيسة الكاثوليكية (الّلاتين)، فأجّلت الاحتفال بالعيد أسبوعين إلى 8 نيسان أبريل. إذ لا يجوز ليتورجيًّا إقامة صلوات لوالدة الإله في أسبوع الآلام. فوقع العيد في اليوم الّذي يليعيد البشارة حسب التّقويم اليولياني/ الشّرقي.
في حال وقوع عيد الفصح في تاريخ 26 آذار فيقام قداس عيد البشارة مع احتفالات سبت النور ويقتصر على قراءة رسالة البشارة.
هذان الأمران يدفعان إلى الوصول إلى اتفاق، والتحرر من عقدة بدر الربيع/ الاعتدال الربيعي 21 آذار. فالمسألة ليست عقائدية، واعتقال يسوع ومحاكمته وصلبه جرت عشية فصح اليهود. أمّا القيامة المجيدة فكانت ثاني الفصح. فحريٌّ بنا أن نكون متساهلين للوصول إلى اتفاق، يرضي الكنيستين، والمحافظة على الزمن الخلاصيّ.
ملاحظة: بعد حضور البطريرك المسكوني في القسطنطينيّة بارثلماوسالأوّل في آذار 2013، حفل تنصيب البابا فرنسيس، ولقاء قداسته في هافانا كوبا، يوم 16 فبراير2016، مع بطريرك موسكو وعموم روسيا،للأرثوذكس، كيريل الأوّل، وذلك بعد الانشقاق الكبير عام 1054،وتقريب وجهات النّظر بين الكنائس الثّلاث، لربما سيفضي إلى اتفاق وشيك.