هل تحاول الإمبرياليَّة إحياء ما فشلت في تحقيقه في سايكس بيكو (الجزء الثاني)
- by منصة الراي
- July 1, 2017
- 0
- 1245  Views
- 0 Shares
بقلم اسكندر عمل
هناك تناقض بين ما وعدت به بريطانيا الشَّريف حسين وما نفَّذته فعلاً في سايكس بيكو ووعد بلفور…
إذا تمعّنّا في مواد هذه الاتِّفاقيَّة نجد أنَّها تَنكُّر واضح لكلِّ وعود بريطانيا للشَّريف حسين بإقامة دولة عربيَّة مستقلَّة بعد الحرب وإعلان العرب الحربَ على الأمبراطوريَّة العثمانيَّة حرَّرها من سيطرة العثمانيِّين وأوقعها تحت سيطرة لا تقلُّ سوءًا.
المادَّة الأولى تنصُّ على أنَّ الدَّولة العربيَّة المقترحة تتكوَّن من منطقتي النُّفوذ غير المباشر لكلٍّ من فرنسا وبريطانيا أي منطقتي أ+ب. منطقة أ وهي منطقة النُّفوذ الفرنسيِّ غير المباشر ومنطقة ب وهي منطقة النُّفوذ البريطانيِّ غير المباشر، أي أنَّ الدَّولة العربيَّة المقترحة لا تضم الجزء الأكبر من فلسطين، لبنان والسَّاحل السُّوري، كذلك لا تضم الجزء الجنوبيَّ من العراق، أي مناطق النُّفوذ الفرنسيِّ والبريطانيِّ المباشر( السَّيطرة) وإذا حاولنا تحديد حدود هذه الدَّولة نجد أنَّها تضمُّ شرق الأردن وجنوب فلسطين والجزء الدَّاخليِّ من العراق والأجزاء الدَّاخليَّة من سوريَّة.
هذه الدَّولة كما هو واضح من خلال المادَّة الأولى ليست مستقلَّة استقلالاً تامًّا إذ أنَّ فرنسا وبريطانيا، كلٌّ في منطقة نفوذها غير المباشر في هذه الدَّولة يحقُّ لها الأولويَّة في المشاريع والقروض كذلك تكون الوحيدة التي تقدِّم المستشارين والموظَّفين الأجانب عندما ترغب الدَّولة العربيَّة في خبراء أو مستشارين كهؤلاء.
أمَّا المادَّة الثانية فتحدِّد مناطق السَّيطرة البريطانيَّة والفرنسيَّة، المناطق الفرنسيَّة تضمُّ لبنان والمناطق السَّاحليَّة السَّوريَّة أي المناطق الواقعة غربيَّ المدن دمشق، حمص، حماة وحلب كذلك تضمُّ منطقة أضنة وأجزاء من الأناضول. أمَّا مناطق السَّيطرة البريطانيَّة فتضمُّ الجزء الجنوبيِّ من العراق، من بغداد شمالاً حتَّى الخليج العربيِّ جنوبًا. في هذه المناطق يحقُّ لكلٍّ من بريطانيا وفرنسا انشاء نوع الحكم الذي ترغبان به، أي أنَّ حرِّيَّة التَّصرف في هذه المناطق حرِّيَّة مطلقة.
من الواضح أيضًا أنَّ الدُّول الإمبرياليَّة تسعى لمصالحها قبل كلِّ شيئ فتدويل فلسطين هَدَفَ إلى تسهيل تحويلها إلى وطن لليهود كي يكون في المستقبل شرطيًّا يحمي مصالحها، واستثنت عكَّا وحيفا وجعلتهما تحت سيطرتها المباشرة لأهمِّيَّهما كميناءين لمصالحها التِّجاريَّة والاستراتيجيَّة.
تؤكِّد بنود المعاهدة تعاون الدَّولتين الإمبرياليَّتين من أجل تسهيل المهمَّات الإمبرياليَّة لكلٍّ منهما، ففي المادَّة الرَّابعة وبما أنَّ مصادر المياه موجودة في منطقة النُّفوذ الفرنسيِّ غير المباشر ، تعهَّدت بضمان مقدار محدود من مياه دجلة والفرات لمنطقة النُّفوذ البريطانيِّ غير المباشر.كذلك المادَّتان الخامسة والسَّابعة فالمادَّة الخامسة تنصُّ أن يكون ميناء الإسكندرونة الذي يقع في منطقة النُّفوذ الفرنسيِّ ميناءً حرًّا لتجارة بريطانيا، مقابل ذلك يكون ميناء حيفا الواقع في منطقة السَّيطرة البريطانيَّة ميناء حرًّا لتجارة فرنسا ، نلاحظ أنَّ البضائع الأنجليزيَّة تستطيع المرور من ميناء الإسكندرونة إلى منطقة سيطرتها أو إلى المنطقتين “أ” و “ب”،كذلك البضائع الفرنسيَّة تستطيع المرور من ميناء حيفا إلى منطقة سيطرتها أو إلى المنطقتين “أ” و “ب” ويتمُّ ذلك دون معاملات أو تعقيدات.
أمَّا المادَّة الثَّامنة فقد هدفت إلى تسهيل التَّعامل في قضيَّة الجمارك بين الدَّولتين الإمبرياليَّتين، حيث لم تكن أيٌّ منهما ترغب في خلق توتُّرات حول الجمارك، لذلك أُبقيت تعريفة الجمارك التُّركيَّة سارية المفعول عشرين سنة، واتُّفِق أن تُجبى الجمارك مرَّة واحدة على السَّواحل (الموانئ التَّابعة لفرنسا أو لبريطانيا) ثمَّ تُرسَل المبالغ للدَّولة التي تصل إليها البضاعة في نهاية الطَّريق (أي عدم جباية الجمارك على الحدود الدَّاخليَّة بين المناطق الفرنسيَّة والبريطانيَّة).
المادة التَّاسعة تربط بين تشبُّث بريطانيا في منطقة نفوذها المباشر وبين تشبُّث فرنسا في منطقة نفوذها المباشر ..أي لا يتم التَّنازل عن هذا النُّفوذ المباشر في منطقة دون الموافقة من الطَّرف الثَّاني على ذلك..وهيهات ان تتَّفق الاراء بعكس مصالحها الامبرياليَّة!!
امَّا المادَّة العاشرة تؤكِّد تداخل مصالح الامبرياليَّة البريطانيَّة والفرنسيَّة ضدَّ ايَّة محاولة لدخول دولة امبرياليَّة ثالثة في مناطق نفوذها، اذ انَّهما ستقفان ضدَّ ايَّة محاولة لاقامة قواعد بحريَّة في الجزائر. وستمنعان أيَّة دولة من امتلاك اقطار في الجزيرة العربيَّة!!
المادَّتان الحادية عشرة والثَّانية عشرة تُظهران انَّ حدود الدَّولة العربيَّة المقترحة ليست نهائيَّة (أي من الممكن ان تختصر) وستكون هذه الدَّولة مراقَبة من حيث كمية السِّلاح الداخلة اليها.
قبل ان ادخل في التَّناقضات بين معاهدة سايكس بيكو وبين مراسلات الشَّريف حسين مكماهون يجب ان اوضِّح انَّ المفاوضات السريَّة بين الدُّول الامبرياليَّة، بريطانيا، فرنسا، روسيا، وايطاليا كانت جارية في نفس الوقت الذي كانت مراسلات الشَّريف حسين مكماهون في اوجها. اذ انَّ معاهدة سايكس بيكو وقعت في ايَّار 1916 والمراسلات بدأت في اواسط عام 1915، كذلك فان معاهدة سايكس بيكو وقعت قبل شهر من اعلان الثَّورة العربيَّة الكبرى 1916.
اذا حاولنا العودة الى الرِّسالة الثَّانية التي ارسلها مكماهون الى الشَّريف حسين واصراره فيها على ان مارسين والاسكندرونة والمناطق الواقعة غربيَّ دمشق حمص حماة وحلب لا يمكن تسميتها عربيَّة محضة ولا يمكن ان تكون في نطاق الدَّولة العربيَّة المقترحة، نعرف ان هذا الاصرار نابع عن رغبة بريطانيا في المحافظة على مطامع فرنسا في منطقة السَّاحل السُّوريِّ اللبنانيِّ..كما ظهر جليًّا في معاهدة سايكس بيكو والتي اعتبرت هذه المناطق جزءًا من منطقة السَّيطرة الفرنسيَّة المبيَّنة في خريطة سايكس بيكو.
امَّا فلسطين فحسب الرِّسالة الموجَّهة ذاتها فمن المفروض ان تكون جزءًا من الدَّولة العربيَّة لانَّها غير واقعة غربيَّ هذه المناطق الاربع ونرى انَّها وضعت تحت ادارة دوليَّة حسب معاهدة سايكس بيكو كتمهيد اعطاء وعد بلفور لليهود..أي انَّ هناك تناقضًا بين ما وعدت به بريطانيا للشَّريف حسين وما نفَّذته فعلاً في سايكس بيكو ووعد بلفور.. مدَّعيةً انَّ كلمة district المذكورة قبل دمشق حمص حماة وحلب معناها “ولاية”، إنَّ هذا التَّبرير يمكن أن يكون صحيحًا إذا كانت المناطق الأربعة المذكورة كلَّها ولايات يومًا ما، ولكنَّ الأمر واضح ومعروف، فدمشق وحلب فقط كانتا ولايتين أمَّا حمص وحماة فلم تكونا كذلك مرَّة.. لذلك لا يمكن اطلاق مصطلح ولايات على أربع مناطق حين يكون بعضها مدنًا وليس ولايات.
يتَّضح من المعاهدة أنَّ الجزء الجنوبيَّ من العراق غير واقع في الدَّولة المقترحة وفي هذا ايضًا يُبرز الدَّهاء الإمبرياليِّ البريطانيِّ، إذ نصَّت الرِّسالة الثَّانية من مكماهون إلى الشَّريف حسين “أمَّا ما يتعلَّق بولايتي البصرة وبغداد العرب يعرفون أنَّ مركز انجلترا ومصالحها فيها تتطلَّب شكلاً اداريًّا خاصًّا ومراقبة خاصَّة للمحافظة على تلك الأنحاء من الاعتداءات الخارجيَّة وتأمين راحة واطمئنان السُّكَّان وتوطيد مصالحنا المشتركة فيها. “(أمين سعيد،الثّورة العربيّة الكبرى،ج1 ، ص 137).
من الجدير بالذِّكر أنَّ استثناء هذا الجزء، أي جنوب العراق، لم يُذكر في الفقرة التي نصَّت على الاستثناءات التي سبق وأوردتها في سياق هذا المقال.
أمَّا الحدود التي ذكرها الشَّريف حسين في رسالته في 24 تمّوز 1915 “أوَّلاً أن تعترف انجلترا باستقلال البلاد العربيَّة من مرسين أضنة حتَّى الخليج العربيِّ شمالاً ومن بلاد فارس حتَّى خليج البصرة شرقًا ومن المحيط الهنديِّ إلى الجزيرة العربيَّة جنوبًا يُستثنى من ذلك عدن التي تبقى كما هي. ومن البحر الأحمر والبحر المتوسّط حتّى سيناء غرباً.”( أمين سعيد، الثورة..ص131).
أي أنَّ الجزء الجنوبيِّ من العراق يجب أن يكون في الدَّولة العربيَّة المقترحة مع إعطاء تسهيلات لإنجلترا..لكنَّ بريطانيا وفرنسا في سايكس بيكو جعلتا من الجزء الجنوبيِّ من العراق منطقة سيطرة بريطانيّة،يحقّ لبريطانيا التَّصرُّف بها كما تشاء.
حاولت بريطانيا إقناع الشَّريف حسين بالتَّنازل عن المناطق التي كانت تخطِّط هي وفرنسا الاستيلاء عليها وقد نجحت في اقناعه في قضيَّة مرسين والإسكندرونة, ولكنَّها رغم ذلك نجحت في اقناعه بإعلان الثَّورة على الأمبراطوريَّة العثمانيَّة مع أنَّ قضية السَّاحل السَّوريِّ وجنوب العراق ونقاط أخرى بقيت غير محلولة, وحتَّى بعد قيام البلاشفة في الاتِّحاد السُّوفييتي بعد ثورة أكتوبر الاشتراكيَّة العُظمى بنشر اتفاقيَّات روسيا القيصريَّة ومنها اتِّفاقيَّة سايكس بيكو، استمرَّ الشَّريف حسين في ثورته ودعمه للحلفاء.
انتهى