الفنار منقذ لا زال حيًّا
- by منصة الراي
- July 10, 2017
- 0
- 1375  Views
- 0 Shares
إسكندر عمل
الفنار هو مصباح قويُّ الضَّوء يُنصب على سارية أو برج مرتفع بالقرب من الشَّاطئ أو في عرض البحر وينبعث الضَّوء من منافذ في أعلى الفنار، وقديمًا كان مصدر الضَّوء إشعال النَّار. يمكن للفنار أن يظهر دخيلا على المكان عندما تكون السَّماء زرقاء والشَّيء الوحيد المنعكس على الماء أشعَّة الشَّمس، لكن عندما تكون هناك عاصفة قادمة تبدو المنارة في مكانها الصَّحيح، تقف في وجه الزَّمن وتتصدَّى للرّيِاح والمياه والأمواج والأمطار، أو على الأقلِّ قامت بدورها هذا على مدى قرون. المنارة اعتبرت رمز النَّجاة والسَّلامة والّتي ساعدت البحَّارة في التَّوجه إلى مقاصدهم عبر العصور ولولا شعاع النُّور المنبعث منها لضاع الكثيرون إلى الأبد.
الواقع أنَّني اخترت الكتابة عن هذا الموضوع بعد زيارتي لولاية مين الأمريكيّة وإلى مدينة بورتلاند بالذَّات وزرت مَعلمًا من أهمِّ معالمها ورمزًا من رموزها ألا وهو فنارها، الذي يُعتبر من أجمل 15 فنارًا في العالم . وهناك فنارات أخرى عديدة في الولايات المتَّحدة لأنَّها محاطة بالبحار والمحيطات من كلِّ الجهات، ومن هذه المنارات على سبيل المثال المنارة المتجمِّدة في ميتشيغان ومنارة ويسكونسن. ويحتفل الأمريكيُّون في السَّابع من آب من كلِّ عام باليوم الوطنيِّ للمنارات تخليدًا لدور الفنار في هداية السُّفن في البحار.
لم يكن الغرب السَّبَّاق في هذا المجال فمنارة الإسكندريَّة هي أقدم منارة في العالم وهي من عجائب الدُّنيا السَّبع، أُقيمت في الجزء الشَّرقي من جزيرة فاروس ومنها اشتُقَّت كلمة “فارولوجي” للدَّلالة على عِلم المنارات أو الفنارات. ويرجع تاريخ إنشاء منارة الإسكندريَّة إلى 280 قبل الميلاد، وقد بدأ البناء في عهد بطليموس الأوَّل ثمَّ في عهد الملك بطليموس الثَّاني، وكان الهدف من إنشائها هداية البحَّارة عند سواحل مصر المنخفضة، وكان النُّور المنبعث من النَّار الموضوعة في قاعدة المنارة ينعكس من المرايا النُّحاسيَّة كضوء يتَّجه إلى المناطق المحيطة بالمنارة. صمَّم المنارة وبناها المعماري والمهندس الإغريقي موسترانوس وكان ارتفاع المنارة بين 120-135 مترًا. في العام 700م سقط المصباح وتوقَّفت المنارة عن العمل، وفي القرن الرَّابع عشر هدم الزِّلزال ما تبقَّى من المنارة.
صحيح أنَّ معظم الفنارات توقَّفت عن أداء دورها وتحوَّلت لسحرها ورونقها الخاص وتصميمها الجميل إلى معْلم يجذب الكثير من الزُّوَّار والمصوِّرين، لكن لا تزال منارات تعمل حتَّى اليوم ومنارات جديدة تُبنى رغم التَّطوُّر التِّكنولوجي، ففي تايلاند بُنِي عام 1996 فنار يعتمد على الهندسة المعماريَّة الحديثة والشَّكل الجماليِّ الذي يخطف أبصار المارَّة. وهناك فنارات مميَّزة مثل المنارة المنخفضة في بريطانيا وهي من أقصر المنارات في العالم ويبلغ طولها تسعة أمتار فقط، بنيت عام 1832 ولا تزال تعمل بكفاءة.
أمَّا أكبر منارة موجودة في العالم حاليًّا هي كيبهاتيراس الخفيفة في الولايات المتَّحدة، وهي تمتلك عدسة قويَّة وضخمة يمكن أن توجِّه أشعَّة الضَّوء في عرض المحيط الأطلسيِّ ويصل ضوء المنارة إلى خمسين كيلومترًا.
رغم كل ما ذكرت يبقى فنار عكَّا بالنِّسبة لي أجمل الفنارات وأقربها إلى قلبي لأنَّه الفنار الذي عرفته منذ نعومة أظفاري.
(بورتلاند)