مبادئ الحزب السّوري القومي الاجتماعي – اسكندر عمل

6

كتب انطون سعادة كتابه “نشوء الأمم” أثناء الفترة الّتي كان فيها سجينًا في العام 1935، وفيه المبادئ الأساسيّة للحزب، وأهم هذه المبادئ أنّ السّوريّين هم قوميّة منفردة عن العرب، وهم أمّة بكل ما للكلمة من معنى، وفي الفترة الاسلاميّة أصبحوا مجتمعًا واحدًا مع العرب، ومن النّاحية العمليّة كان هناك مجتمعان حتّى أنّ العرب الّذين كانوا في سوريّة أصبحوا سوريّين، “من استقرّ من العرب في سوريّة أصبح جزءًا من المجتمع السّوري الطّبيعي وطلّق البادية بالمرّة.”(6)
أكّد سعادة في كتابه أن على أبناء الأمّة السّوريّة أن يشعروا أنّهم أمّة واحدة، لغتهم تقرّبهم من النّاطقين بالعربيّة، لكن هذا لا يعني أنّ كل المتكلّمين بالعربيّة هم أمّة واحدة، ويضيف أنّ التّفوّق السّوري قادر على تحويل الشّعوب الّتي تعيش معه أو بقربه إلى سوريّين” لعلّ سوريا أفضل مثال للبيئة الّتي تصهر الجماعات المختلفة النّازلة بها وتحوّلها إلى مزاج واحد وشخصيّة واحدة.”(7)
يفخر سعادة بالماضي السّوري ويقول إنّ الأمّة السّوريّة هي كالمركّب الكيماوي، مركّبة من الشّعوب الّتي كانت في الماضي: الفينيقيّون، الأموريّون، الحثّيّون، الآراميّون وأُضيف اليهم العرب.
لم يعتقد سعادة بنقاء العنصر أو أنّ هناك تفوّق عنصر على آخر كما ادّعى من اتّهموه بتقليد النّازيّة، لكنّه آمن أنّه من الممكن أن يكون لشعب معيّن قدرة وثقافة تميّزه عن غيره من الشّعوب.(8)
أمّا عن علاقة الحزب بالنّازيّة والفاشيّة فلم تكن هناك أية اثباتات على ذلك، وقد نشأ الاعتقاد بأنّ هناك علاقة مع المانيا النّازيّة، بعد الزّيارة الّتي قام بها سعادة لألمانيا علم 1938. وقد ذكرنا سابقًا أنّ تعامل حكومة فيشي الّتي كانت تحت النّفوذ النّازي، مع أعضاء الحزب القومي السّوري الاجتماعي كان سيّئًا جدًّا وقد قُدِّم عدد كبير من أعضاء هذا الحزب للمحاكمات في الفترة الّتي كانت حكومة فيشي هي المنتدبة وأودع أعضاء كثيرون في السّجن، ولم يُفرَج عنهم إلّا بعد تدخّل شخصيّات لبنانيّة مرموقة.

7
الحزب وموقفه من العروبة: كتب مؤسّس الحزب القومي السّوري الاجتماعي أنطون سعادة في كتابه ” نشوء الأمم” باسهاب عن القوميّة السّوريّة، وحاول في كتابه التّأكيد على أنّ سوريا الطّبيعيّة هي وطن واحد والأُمّة السّوريّة هي أمّة بكل ما للكلمة من معنى، وهي ليست جزءًا من الأمّة العربيّة.
الوطن السّوري هو سوريا الطّبيعيّة الّتي تشمل سوريا، لبنان، فلسطين، شرق الاردن وشبه جزيرة سيناء. (في العام 1947 أضاف كيليكيا وقبرص والعراق). “الوطن السّوري هو البيئة الطّبيعيّة الّتي نشأت فيها الأمّة السّوريّة وهي ذات حدود جغرافيّة تميّزهاعن سواها وتمتدّ من جبال طوروس في الشّمال الغربي وجبال البختياري في الشّمال الشّرقي إلى قناة السّويس والبحر الأحمر في الجنوب، شاملة شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة، ومن البحر السّوري في الغرب، شاملة جزيرة قبرص، إلى قوس الصّحراء العربيّة والخليج العربي في الشّرق.”(9) ويشدّد سعادة على أهمّيّة الأرض للجماعات:
“فلو كانت الأرض مستوية بدون مرتفعات أو أنهار أو أي حواجز طبيعيّة لكان من البديهي أن يؤدّي إلى انتشار النّوع البشريّ فيها إلى جماعة واحدة كبيرة.”(10)
سعادة يرى في الوطن السّوري متّحدًا تامًّا يمنح المجموعة الّتي تسكنه مكوّنات كالحدود الجغرافيّة ونوع التّربة ودرجة الحرارة والاقليم، والحدود الجغرافيّة تحافظ على وحدة المجموعة لأنها تحتويهم داخلها وتحافظ عليهم.” فنرى سوريا متّحدًا تامًّا، مجتمعًا طبيعيّاَ تجري ضمنه حياة أفراده في ترابط وتفاعل تامّين واشتراك في مصير واحد، فالسّوريّون يشتبكون اشتباكًا متينًا في جميع المصالح.
“اتّحاد مجموع من النّاس في حياة واحدة على مساحة محدودة يكتسب من بيئته ومن حياته المشتركة الخاصّة صفات خاصّة به، إلى جانب الصّفات المشتركة بينه وبين المحيط الّذي هو أوسع منه، بينه وبين جميع البشر، بينه وبين جميع المتّحدات الأخرى.”(11)

8
كي يلغي أيّة علاقة بين القوميّة السّوريّة والقوميّة العربيّة، لم يعتبر الّلغة والدّين مركبين في تعريف الأمّة، ويقول صحيح أنّ السّوريّين أخذوا الّلغة العربيّة من المحتلّين العرب، إلّا أنّهم نقلوا اليها علومهم، أدبهم ونهج تفكيرهم. ويضيف سعادة أنّه من الخطأ أن نرى في الّلغة تعريفًا للأمّة، صحيح أنّ الأمة تتكلم لغة واحدة ولكن هذا لا يعني أن تنفرد بالكلام بهذه الّلغة، والمهم هو الأدب الّذي تبدعه الأمّة والّذي يعبّر عن روحها وماهيّتها. ويعدد سعادة مآثر الأمّة السّوريّة: الحضارة السّوريّة الرّفيعة، الزّراعة، التّجارة، الاسطول، الأبجديّة، المدنيّة. العرب أعطوا الّلغة والدّين والتّاريخ، ولكن الفًا وأربعمائة سنة ما هي إلّا لحظة في عمر التّاريخ. الأمّة السّوريّة كانت قائمة عندما احتلّها العرب ولم ينجح العرب في التّأثير على طابع الأمّة السّوريّة، ورغم كونهم محتلّين تحوّلوا إلى سوريّين.
يشدّد سعادة على الطًّابع الخاص للقوميّة السّوريّة وانفصالها التّام عن نظريّات قوميّة أخرى في سوريا والشّرق العربي، ويعتمد على نظريّة تأثير البيئة الفيزيائيّة والحدود الجغرافيّة، وبناء على ذلك فالعالم العربي الّذي تفصل بين بلدانه حدود طبيعيّة، هو عبارة عن مجتمعات مختلفة، أي أمم مختلفة.(12)
لم يتهادن سعادة مع العروبة، وأكّد أنّ العروبة أفلست وفشل العرب في الاتّحاد لمنع كارثتين، الكارثة الشّماليّة وهي تسليم كيليكيا لتركيّا في نهاية الحرب العالميّة الأولى، والإسكندرونة في العام 1939، والكارثة الجنوبيّة وهي تسليم فلسطين للصّهيونيّة.
يرى الحزب السّوري القومي الاجتماعي أنّ العروبة الواقعيّة هي عروبة العالم العربي المختلف كل الاختلاف عن العروبة بمفهوم ” الأمّة العربيّة” أو ” الوطن العربي” أو ” الوحدة العربيّة”، فهي عروبة وهميّة. و”محاولة جمع ما كوّنته الطّبيعة مفرّقًا”. (13)

9
موقف الحزب من الدّين: إنّ الأساس في موقف الحزب من الدّين هو فصل الدّين عن الدّولة ومنع رجال الدّين من التّدخّل في الشّؤون السّياسيّة والقضائيّة، وإزالة الحواجز بين الطّوائف. رأى سعادة أنّ الطّائفيّة والإقطاع هما السّببان الرّئيسيّان للتّراجع القومي ويجب ازالتهما. فالتّدخّل الدّيني في الشّؤون العلمانيّة والسّياسيّة والسّيطرة على السّيادة هي أمور يجب أن تتوقّف، السّيادة يجب أن تكون بيد الشّعب لا تحت سيطرة الكنيسة، لذلك ولكي نحقّق السّيادة القوميّة يجب الفصل بين السّلطة الدّينيّة والسّلطة العلمانيّة فصلًا تامًّا.
عارض سعادة كل دولة دينيّة أو خلافة أوّلًا لأنها تخضع لأفكار رجال دين أو فقهاء، وثانيًا لأنّها تتناقض مع أفكار سعادة أنّ السّوريّين شعب خاص، “الدّين لا يقرّر”. لكي تصل الأمّة للاستقلال والرّفعة يجب أن يكون وحدة روحانيّة وهذا لن يتحقّق بوجود طوائف دينيّة مختلفة، لذلك يجب الغاء الحواجز بين الطّوائف، أراد سعادة “دينًا” جديدًا، دينًا يرفع النّفوس الى السّماء.(14)
شارة الحزب مكوّنة من صليب معقوف أحمر داخل دائرة بيضاء على خلفيّة سوداء وذلك للتّأكيد على أنّه لا فرق بين الطّوائف والأديان وعلى علمانيّة الحزب.(15)
المبنى نصف العسكري للحزب: نصّ البند الخامس من أسس الحزب السّوري القومي الاجتماعي على الحاجة للتّدريب العسكري والقوّة، وحسب اعتقاد انطون سعادة أن الصّراع هو قانون الحياة الحديدي وبدونه لا يحدث تقدّم ولا تغيير(16). كذلك القوّة الماديّة هي الأساس الأهم حسب رأي سعادة.
لذلك رأى سعادة أنّ الجيش والأسس العسكريّة هي الرّكائز الأساسيّة الّتي تقوم عليها الدّولة، القوّة هي الأساس المطلق في تأكيد أو رفض الحقوق القوميّة. لذلك على القوميّة السّوريّة أن تعتمد على على القوّة كي تستعيد المناطق الّتي سلبت منها.

10
سعادة يعتقد أنّ النّضال والصّراع هو القانون الطّبيعي للحياة، وأنّ الحرب هي أمرطبيعي في حياة البشريّة، وهي طبيعيّة أكثر من السّلام، لذلك على كل أمّة أن تكون مستعدّة للدّفاع عن نفسها والمحافظة على سلامتها الأقليميّة. بناء على ذلك، على سوريا أن تكون قويّة وتدافع على وحدتها والقوميّة والحصول على استقلالها التّام وستحارب كي تحقّق أهدافها ولن تستجدي أحدًا من أجل الوصول إلى هذه الغاية.
موقف الحزب من الديمقراطيّة: كان الحزب السّوري القومي الاجتماعي مناهضًا للدّيمقراطيّة منذ تأسيسه، وقد أكّد ذلك أنطون سعادة في مقال له عام 1937 في جريدة الحزب” النّهضة” بقوله “اننا لسنا شركاء في هيئة نيابيّة”.(18)
عاب سعادة على الدّيمقراطيّة عدم قدرتها على ملاءمة نفسها للتّغيّرات الاجتماعيّة والسّياسيّة الّتي تحدث في المجتمع، لأن الديمقراطيّة لا تحوي تصوّرًا عامًّا محدّدًا أو فلسفة اجتماعيّة.
في مقال لسعادة في “الزّوبعة” عام 1942، يؤكّد أنّ النّظام الديمقراطي فشل في بريطانيا وفي الولايات المتّحدة في تشغيل كل السّكّان، وذلك لأنّ هذا النّظام ليس له ايديولوجيّة، فالشّعب مرهق، أمّا في المانيا وايطاليا فالبطالة معدومة، ويعزو ذلك للايديولوجيا الّتي تسود فيهما.
سياسة الحزب الاقتصاديّة: اعتمد الحزب السّوري القومي الاجتماعي مبدأين في السّياسة الاقتصاديّة أوّلهما القضاء على الاقطاع، لأنّ النّظام الاقطاعي لا يلائم الدّولة القوميّة، ولأنّ هذا النّظام هو السّبب في تأخر سوريا الاقتصادي، أمّا الثّاني فهو بناء اقتصاد قومي منتج.
لم يحدّد سعادة شكل الاقتصاد الجديد، رأسمالي أو اشتراكي، ودعا كل السّوريّين أن يكونوا منتجين، لم يتطرّق الى الرّأسماليّين والعمّال والعلاقة بينهم، وأكّد أنّ التّصنيع هو الطّريق الوحيد الّذي ينقل الأمّة من مرحلة الى مرحلة، لمرحلة جديدة، وعلى الدّولة أن تراقب الاقتصاد ووسائل الانتاج.

11
هاجم سعادة الرّأسماليّة لأنّ الرّأسمالي يتصل مع الغرباء ويضحّي بمصالح مجتمعه من أجل مصالحه الخاصّة. دولة غير صناعيّة تكون مرتبطة اقتصاديًّا وسياسيًّا بدول عظمى، ولكي تحافظ وتضمن الأمّة السّوريّة على استقلالها يجب تطوير الصّناعة المحليّة.
الفرد من أجل الدّولة في الاقتصاد أيضًا، رأس المال للمجتمع كلّه ويستغلّونه لتطوير الأمّة وتطوّرها لذلك لا توجد ملكيّة فرديّة لوسائل الانتاج، والدّولة تقوم بمراقبة نشاط الأفراد الاقتصادي.

الهوامش:

6. سعادة أنطون، نشوء الأمم، بيروت، 1938، ص163.
7. سعادة أنطون، نفس المصدر، ص264.
8. يمك، نفس المصدر، ص83.
9. موسوعة السّياسة، ج2، ص308.
10. سعادة أنطون، نفس المصدر، ص41.
11. سعادة، نفس المصدر، ص148.
12.يمك، نفس المصدر، ص83-86.
13. سعادة، نفس المصدر، ص161.
14. يمك، نفس المصدر، 92-95.
15. موقع الحزب في الشّبكة العنكبوتيّة.
16. يمك، نفس المصدر، ص99.
17. يمك، ص99.
18. يمك، نفس المصدر، ص108.

 

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*