النّفائس العصريّة

 بقلم اسكندر عمل  

صدر العدد الأول من هذه المجلّة الأدبيّة في الأول من تشرين الأول 1908 باسم “النّفائس”،وكانت مجلّة أسبوعيّة فكاهيّة أدبيّة ،أنشأها خليل بيدس وطبعت في المطبعة الوطنيّة في حيفا.وفي بداية  1909 ،وبعد رفض السلطات اعطاء التّرخيص للمجلّة بسبب وجود مجلّة لبنانيّة بهذا الاسم ،أضاف للاسم “العصريّة”.
ولد خليل بيدس في النّاصرة عام 1875 ،درس في المدرسة الأرثوذكسيّة فيها،ثمّ التحق بدار المعلّمين الرّوسيّة في المدينة الّتي أسستها الجمعيّة الأمبراطوريّة الأرثوذكسيّة الفلسطينيّة وتخرّج منها .بعد تخرجه عمل في التدريس في دمشق ثمّ مديرا للمدرسة الابتدائية الرّوسيّة في حمص،بعدها انتقل الى المدرسة الرّوسيّة في بسكنتا  في لبنان ،وكان له دور في بعثة مخائيل نعيمة للدّراسة في روسيا.ثمّ عاد الى البلاد ودرّس لبضع سنوات في مدارس الأرثوذكس في حيفا.
اهتمّت مجلّة النفائس العصريّة بنشر القصص والأقاصيص الطّويلة والرّوايات المترجمة خاصّةً لمؤلّفين روس مثل تولستوي وتشيخوف ودستويوفسكي وبوشكين، ومقالات وقصص مترجمة عن الألمانيّة والانجليزيّة والايطاليّة والفرنسيّة. وقد انتشرت المجلّة انتشارا واسعا في البلاد وفي البلدان الأجنبيّة الّتي فيها جاليات عربيّة.
برزت رسالة المجلّة الأدبيّة في افتتاحيّة العدد الأول:” لا يخفى ما للرّواية من التأثير الخطير في القلوب والعقول ،حتى اعتبرت أنّها من أعظم أركان المدنيّة بالنّظر الى ما تستنبطه من الحكم في تثقيف الأخلاق ،وما تنطوي عليه من العبر والمواعظ في تنوير الأذهان. ولمّا كان لها هذا المقام الرّفيع ،وكان لجميع الطّبقات من خاصّة النّاس وعامّتهم من شغف بأمرها واقبال غريب عليها،عقدنا النّيّة على اصدار هذه المجموعة، نضمّنها من الرّوايات الأدبيّة والفكاهات العصريّة وغير ذلك من النّوادر واللطائف ما يتوق الى مطالعته والتّفكّه بتلاوته كل أديب .وسننشرها تباعا في كل أسبوع بست عشرة صفحة، وأحيانا بأكثر من ذلك بحيث تبلغ سنويّا مجلّدا ضخما ………….فمأمولنا في محبّي المطالعة والآداب أن يتلقوا مشروعنا هذا بالارتياح والقبول ،ونسأل الله أن يهدينا الى سبل الرّشاد ويوفّقنا الى ما به نفع الوطن والبلاد،بمنّه تعالى وفضله وهو أكرم مسؤول”.
ساهم في الكتابة لهذه المجلّة عدد كبير من الكتّاب والأدباء منهم محمد اسعاف الّنشاشيبي وعلي الرّيماوي وعبدالله مخلص واسكندر الخوري البيتجالي وأنطون شكري لورانس وحليم داموس ومعروف الرّصافي وحبيب الخوري  ونجيب مخائيل ساعاتي وبولس شحادة وقسطاكي الحمصي وغيرهم.
في كانون الثّاني عام 1911 انتقل مركز اصدار المجلّة الى القدس وأصبحت تصدر مرّتين في الشّهرفي أربع وستّين صفحة،وفي مرحلة لاحقة صدرت مرّة في الشّهر بثمانين صفحة.في عام 1914 توقّفت عن الصّدور ثم عادت عام 1919 حتّى احتجبت نهائيا عام 1923 .
في فترة الانتداب هاجم بيدس على صفحات مجلّته  وعد بلفور وطالب بالغائه ،وقاد مظاهرة جبّارة عام 1920 بمناسبة عيد النّبي موسى،فلاحقته سلطات الانتداب ومثل للقضاء وحكم عليه بالاعدام وخفّف الحكم الى خمسة عشر عاما، قضى منها أربعة أشهر في سجن عكّا، ثم أفرج عنه مع جملة السّجناء الّذين عفا عنهم هربرت صموئيل المندوب الساّمي في فلسطين. وقد نشر تجربته في السّجن في مجلّة النّفائس العصريّة بسلسلة مقالات جمعت فيما بعد في كتاب “حديث السّجون”.
كانت المجلّة تحذّر من الخطر الصّهيوني فعلى صفحاتها كتب محمد اسعاف النّشاشيبي:

       يا فتاة العرب جودي بالدّماء          بدل الدّمع اذا رمت البكاء
فلقد ولّت فلسطين ولم يبق             يا أخت العلا غير الدّماء

ونبّه الى خدعة بيع الأراضي للصّهاينة:

انّها أوطانكم فاستيقظوا             لا تبيعوها لقوم دخلاء
فاعلموا يا قوم ما لم تعلموا         أنّ عقابكم هلاك وفناء
اذكروا ان غرّكم مالهم              عزّة الأنفس دوما الإباء

ونرى الموقف المعادي للصهيونيّة في مقالة لمغنم الياس مغنم في 15 شباط 1920 وفيها يشرح بوادر التّخوّف من هذه الحركة ونتائجها بالنّسبة لعرب فلسطين.

كانت المجلّة تنشر معظم الكتب الّتي ترجمها خليل بيدس مثل “ابنة القبطان” لبوشكين و”أهوال الاستبداد” لتولستوي ،كذلك روايته الوحيدة الّتي ألّفها”الوارث” ومجموعتيه القصصيتين “مسارح الأذهان”و”ديوان الفكاهة”.
لم يقتصر عطاء خليل بيدس على الأدب فقط ،فقد الّف كتبا للتّدريس في الحساب كالكسور الدّارجة و”الكسور العشريّة”،وفي كيفيّة اعداد المعلّمين وطرائق التّدريس “مرآة المعلّم”و”العقد الثّمين في تربية البنين”،وتسعة كتب في التّاريخ وأدب الرّحلات منها،”تاريخ القدس”ورحلة الى سيناء”وتسريح الأبصار فيما تحتوي بلادنا من الآثار”و”الرّوضة المؤنسة في وصف الأراضي المقدّسة” والكثير من المؤلّفات في اللغة منها “درجات القراءة” وهي من سبعة أجزاء.

 

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*