جدلية الثورة والديمقراطية والاشتراكية (1) – د. سمير خطيب
- by منصة الراي
- August 18, 2017
- 0
- 1311  Views
- 0 Shares

بمناسبة 100 سنة على ثورة اكتوبر
( دراسة تحليلية)
******* يجب أن نسقط من مخيلتنا احلام اليقظة بأن الثورة القادمة ستكون تكرارا لاقتحام قصر الشتاء بطلقات من سفينة الافرورا , لان ما جرى هو تزامن مجموعة ظروف واسباب زمكانية قد لا تتكرر ابدا ..
****** الديمقراطية التي تحقق الحرية والمساواة للفرد والاقليات ، وتضمن تكافؤ الفرص وحرية الصحافة التي تعبِّر عن مصالح الشعب وتدافع عنها، هي ديمقراطية لكل الشعب..
****** لا يمكن حماية أية تحولات باتجاه العدالة الاجتماعية بدون ديمقراطية ، وحرية التنظيم السياسي والتعبير عن الرأي..
***** الديمقراطية الاشتراكية داخل الاتحاد السوفييتي لم تفشل بمعناها النظري، بل فشلت بسبب الأخطاء التي ارتكبت في عملية التطبيق ” الغير ديمقراطية”
**** سحق الديمقراطية في البداية ادى الى نجاح واستمرار الثورة والوصول لأكبر الانجازات الجماعية وبالمقابل سحق الديمقراطية ادى الى انهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط الاشتراكية
** لينين : “ان الشرط الاساسي لتحقيق الثورة الاشتراكية هو تحقيق الثورة الديمقراطية
يحتفل العالم هذه السنة بمرور ١٠٠ عام على ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى والتي أدت إلى بناء الاتحاد السوفياتي واعتماد الاشتراكية منهجا وأسلوب حياة , الذي أعلن تفككه في ٢٥/١٢/١٩٩١ معلنا بذلك انهيار الاشتراكية والمنظومة الاشتراكية في تلك المنطقة.
لقد كانت هذه الثورة تجربة تاريخية فريدة ومفصلية فقد لعبت دورا مهما سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعسكريا واسعا لا يمكن تجاهله منذ اندلاعها حتى فشلها وانهيارها في اواخر القرن العشرين. لهذا السبب اجد ان من المفيد بل من الضروري الكتابة عنها واحياء ذكراها سلبا او ايجابا , لسببين الاول فكري وايديولوجي والثاني شخصي وانساني فقد عشت هناك اجمل سنين عمري من عام 1983 حتى عام 1989 أي الاعوام الاخيرة قبل الانهيار النهائي , وكنت اقطن بالقرب من سفينة الافرورا التي انطلقت منها الشرارة الاولى للثورة باتجاه القصر الشتوي (الارميتاج) حيت تواجدت الحكومة المؤقتة معلنة بداية الثورة , كنت هناك طالبا دارسا للعلم برفقة الالاف من الطلاب الاجانب على نفقة الاتحاد السوفياتي وكانت لدي الفرصة يوميا بحكم تواجدي هناك لملاحظة التفاصيل الدقيقة في حياة الناس الذين احبهم واحترمهم واسمع حكايات كبار السن , ومقارنة النمط الاشتراكي بالنمط الرأسمالي لأنني جئت لهناك من دولة رأسمالية , الامر الذي لم يكن متاحا لزملائي واصدقائي من الاتحاد السوفياتي .
ويسأل السؤال هنا هل سبب الانهيار يكمن في النظرية الماركسية أم اللينينية أم في التطبيق أم فيهم جميعاً؟ لقد حققت ثورة أكتوبر السلطة السياسية للعمال والشيوعيين في روسيا , لكنها لم تتمكن من أنجاز التغيير الاشتراكي المطلوب في المجال الاقتصادي والاجتماعي …لذلك نتساءل أين يكمن خلل الثورة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية ؟
للإجابة على هذا السؤال يجب التأكيد على بعض الحقائق :
اولا – لا توجد ثورات فاشلة بل توجد ثورات لا تحقق كل أهدافها لان الثورة خاصة الثورة الاقتصادية هي رد فعل على ظلم بتوجيه سياسي منظم فالناس لا تخرج للشوارع فقط لان الأحزاب توجهها بل لان هناك ظلم واقع عليها والأحزاب والأطر السياسية الفاعلة استطاعت أن تزرع الامل بمستقبل أفضل , وأن “فشلت الثورة ” لا يعني أن افكارها ذهبت سدى بل سيتم اعتماد ما أنجزته في ثورات قادمة أو سيتم الأخذ بعين الاعتبار بمطالب الجماهير في اي إصلاحات سلطوية قادمة , ، ذلك أن الثورات الفاشلة تستمر في تأثيرها بشكل ما، وعلينا أن نبحث في هذا التأثير انطلاقاً من مبدأ ألا شيء يموت، وأن التاريخ سلسلة من الأحداث المتتالية المتصلة.
والمعنى الحقيقي لهذه الثورات انها تنجح حتى بعد فشلها وتحقق انجازات لا يستهان بها في مسيرة التطور الانساني. وهذه الانجازات قد لا تتحقق خلال الفترة الزمنية المحدودة اثناء الثورة بل تمتد الى بعد فشلها وفي اغلب الاحيان تفرض على اعدائها عدم العودة الى ما كان سابقا والسير قدما حتى انفجار الثورة القادمة .
ثانيا – عند الحديث عن اي حدث يجب الأخذ بعين الاعتبار الزمان والمكان ولا يمكن إحلال نفس النمط في زمان ومكان آخر وعليه لا يوجد قرار سياسي صحيح بالمطلق بل يوجد قرار صحيح نسبة للظروف السياسية التي تم اتخاذه بها .
ثالثا – كل النظريات تواجه مصاعب في التطبيق وأحيانا هناك حاجة لتعديل النظرية أو إعادة التطبيق من جديد وهذا الأمر ينطبق على كل النظريات فكم بالحري النظرية الاشتراكية الشاملة لكل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية , وكم بالحري اذا كانت التجربة الاولى الجدية لبناء الاشتراكية.
شرعية الثورات والثورة البلشفية تحديدا
أن الثورات تكون دائماً وأبداً “غير دستورية” ومخالفة للقانون. ولذلك فهي لا تكتسب شرعيتها من الدستور أو من القانون المعتمد ، وإنما من ثوريتها، حتى ان مصطلح الشرعية الثورية دخل قاموس السياسة الدولية؛ ذلك أن الثورة ، إذا انتصرت تغير الدستور والقوانين حتى بدون الرجوع إلى الشعب غالباً، ويستلم قادتها السلطة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهذا ما حدث فعلا عام 1917 عندما استطاعت الثورة في شباط الاطاحة بالقيصر وبعد ثمانية اشهر في 25 من تشرين الاول استطاع الحزب الشيوعي السيطرة على مقاليد الحكم في البلاد , وفي مراجعة تاريخية لكل الثورات فانه تمر فترة طويلة بعد انتصار الثورة حتى يستقر نظام الحكم وعادة ما تفشل تلك الثورات على منصة الفوضى التي تحدث بعد نجاح الثورة كما نرى الان فيما يسمى ب”الربيع العربي” في اليمن وليبيا وحتى في بعض الاحيان الى عودة النظام القديم وبقوة كما نرى في مصر ولكن “السهولة النسبية” التي انتصرت بها الثورة البلشفية بروسيا وسرعة فرض السيطرة على مفاصل الحكم والشعب , امر يستحق التقدير من جهة والتحليل وهل رافق هذه السيطرة كبت للحريات بحجة الاشتراكية ؟
كتب لينين في مرض الطفولة- المجلد 25 ص 205 الطبعة الروسية :
” لقد كان سهلا على روسيا، نظرا للوضع الفريد من نوعه إلى ابعد الحدود في عام1917، أن تبدأ الثورة الاشتراكية، في حين أن الاستمرار بها وقيادتها إلى خاتمة مطافها سيكون أصعب عليها مما على الأقطار الأوروبية. وقد سبق أن أتيحت لي الفرصة، في مستهل 1918، للتنويه بهذه الواقعة، ولقد أكدت تجربة عامين من الزمن طريقتي في تصور الأشياء أن شروطا نوعية مثل :
1- إمكانية ربط الثورة السوفياتية بوقف الحرب الامبريالية- بفضل هذه الثورة- تلك الحرب التي كانت تعرض العمال والفلاحين إلى عذابات لا تصدق..
2- إمكانية استغلال الصراع المستميث بين أقوى كتلتين في العالم من الكواسر الامبرياليين لحين من الزمن بعد عجزهما عن الاتحاد ضد العدو السوفياتي.
3- إمكانية الصمود في حرب أهلية طويلة المد نسبياَ بفضل ترامي أطراف البلاد وسوء وسائل مواصلاتها جزئيا .
4- وجود حركة ثورية ديمقراطية برجوازية بالغة العمق في صفوف الطبقة الفلاحية إلى درجة أمكن معها لحزب البروليتاريا على السلطة السياسية- أن شروطا نوعية كهذه لا وجود لها في أوروبا الغربية في الوقت الراهن، وتجدد شروط مماثلة أو مشابهة ليس سهلا البتة. ولهذه الأسباب مجتمعة، بالإضافة إلى مجموعة من السباب الأخرى، فإن البدء بالثورة الاشتراكية سيكون أصعب على أوروبا الغربية مما علينا .
من نافل القول ان ثورة اكتوبر تعتبر اهم حدث في القرن العشرين ويمكن اعتبارها اهم حدث في التاريخ الحديث فهي اول محاولة جادة وفعلية – بناءً على أسس علمية – لتغيير مسار العلاقات بين الطبقات وفرض عدالة اجتماعية واقتصادية بين البشر الامر الذي استلزم تغيير أنماط التفكير لاستمرار نجاح المهمة وتذويتها في النفس البشرية في فترة زمنية قصيرة. لقد كانت ثورة أكتوبر أهم تغيير في تاريخ النظام الرأسمالي العالمي حتى حينه، حيث قدمت أول استراتيجية تنموية بديلة في التاريخ الحديث .
يتبع