توفيق طوبي وكشف المجزرة والمؤامرة بقلم اسكندر عمل

عشيّة العدوان الثّلاثي على مصر، في التّاسع والعشرين من شهر تشرين الأوّل قبل ستّين سنة، خطّطت اسرائيل الّتي كانت أحد أضلاع المثلث العدواني على مصر، استغلال انشغال العالم بهذا العدوان وتهجير منطقة واسعة من منطقة المثلّث بخطّة محكمة اعتقدت أنّ أحدًا لن يكشفها، فأعلنت سلطات الحكم العسكري البغيض حظر التّجوّل في عدد من قرى المثلّث ومنها قرية كفر قاسم، وكان سكان هذه القرى قد خرجوا للعمل خارج قراهم قبل صدور أمر منع التّجوّل الذي يبدأ سريان مفعوله من الخامسة بعد الظّهر، أي قبل وصول معظم العمّال من أماكن عملهم ، وحتّى السّاعة السّادسة صباحًا. وأوكل تنفيذ هذا الأمر لفرق من حرس الحدود. عند عودة العمال من رجال ونساء وشباب صغار وعلى مداخل قرية كفر قاسم قامت قوّات حرس الحدود بإطلاق الرّصاص على العائدين بعد إنزالهم من الشّاحنات الّتي كانت تقلّهم وكانت حصيلة هده المجزرة الرّهيبة استشهاد 49 شهيدًا وشهيدة وقتلهم بدم بارد.
محمود درويش في قصيدته التّالية يظهر شراسة المجرم وعمق الجريمة:
أحصدوهم دفعة واحدة
احصدوهم

… احصدوهم
آه يا سنبلة القمح على صدر الحقول
ومغنيك يقول:
ليتني اعرف سر الشجرة
ليتني ادفن كل الكلمات الميتة
ليت لي قوة صمت المقبرة
يا يدا تعزف، يا للعار! خمسين وتر
ليتني اكتب بالمنجل تاريخي
وبالفأس حياتي
وجناح القبّرة
كفر قاسم
انني عدت من الموت لاحيا لاغني
فدعيني استعر صوتي من جرح توهج
وأعينيني على الحقد الذي يزرع في قلبي عوسج
انني مندوب جرح لا يساوم
علمتني ضربة الجلاد ان امشي على جرحي
وامشي ثم امشي واقاوم
نزيف الدم الفلسطيني لم يتوقف من القتل والتشريد في نكبة فلسطين مذابح دير ياسين وعيلبون والطنطورة وقبية وغزة واللد والرملة ونحالين الى مذبحة كفر قاسم، فيوم الارض وشهداء روّت دماؤهم الارض
التي دافعوا عنها الى استشهاد ثلاثة عشر شهيدا في انتفاضة القدس والاقصى.
من تجاهل عالمي لعمق المأساة الفلسطينية ونكبة فلسطين وهدر الدم الفلسطيني الى قرش شدمي والاستهانة بدماء تسعة واربعين شهيدا، اذ رٌقي منفذو المذبحة بعدها في مراكز هامة في الدولة عقابا لهم على ما اقترفته ايديهم بحق ابناء شعبنا العربي الفلسطيني، وشهداء يوم الارض الذين لم يكن لقاتليهم لا محاكمة ولا عقاب، الى تقرير ماحاش الحقير الذي جعل من ضحايا مذبحة اكتوبر متهمين بقتل انفسهم. والقيادة السياسية التي دبرت وغذت واشعلت الفتيل ولا تزال مستمرة في سياسة القتل، ومنفذو الجريمة في ساحات الجريمة لا ندري أي منصب رفيع سيتبّؤون.
هذا التاريخ الفلسطيني بمآسيه ترافق بنضال لم يتوقف، نضال حزبنا الشيوعي لسنوات طويلة ضد الحكم العسكري البغيض الذي ربض على صدر شعبنا اكثر من ثمانية عشر عاما، عانى فيها هذا الشعب الأمرين، لكنه صمد وقاوم وانتصر في النهاية وأزيل كابوس الحكم العسكري.
سنوات طويلة من النضال ضد مصادرة الاراضي العربية وسياسة خنق قرانا والاستيلاء على البقية الباقية من اراضي شعبنا التي استولت السلطات على معظمها بقوانين مجحفة ظالمة وصلت الى اوجها في محاولة مصادرة ما تبقى من ارض لقرى مثلث يوم الارض فتصدى شعبنا في جميع قراه ومدنه ودفع الثمن ستة شهداء وعشرات الجرحى.
أرادت حكومة اسرائيل إخفاء الجريمة النّكراء الّتي ارتكبتها فرق من حرس الحدود، لكنّ جرأة القائدين الشّيوعيّين توفيق طوبي وماير فلنر واختراقهما للطّوق الّذي فرضه الجيش لإخفاء آثار جريمته ووصولهما إلى إهالي الضّحايا والجرحى وقيام المناضل توفيق طوبي بإرسال مذكّرة لسفراء الدّول الأجنبيّة ووسائل الإعلام المحليّة والعالميّة ، عندها اضطرّت الحكومة الإسرائيليّة للاعتراف بالمجزرة وتشكيل لجنة تحقيق للكشف عن ملابسات الموضوع. لكنّ النتيجة كما ذكرت سابقًا كانت لا تقل سوءًا عن الجريمة إذ كانت الأحكام والتّعامل مع منفذي الجرية مثيرة للاشمئزاز ومؤشّرًا واضحًا للاستهتار بالدّم العربي.

Post Tags:

Total Comments ( 3 )

  • نهاد علي الخمرة says:

    شهداء الوطن احياء عند ربهم يرزقون. وستبقى ذكراهم وذكرى من قاد التصدي حين لم يكن في الملعب السياسي سواهم ذكرى المرحوم توفيق طوبي وامثاله من الشجعان المثقفين الوطنيين خالده.
    انهم ما أفرزت عصية التحرر الوطني والحزب الشيوعي من بعدها.
    وليعلم كل متشدق ومنتقد ان لولا الحزب الشيوعي ورجالاته لما وصلنا اليوم وما كانت لهم فرصه التعبير عن الرأي في يومنا هذا. الاختلاف والنقاش مقبول اما محاولات المتاجره بالوطنيه على حساب الحزب لاي كان مرفوضه من أصلها أكون التاريخ شاهدا على ما قدمه الحزب من تثقيف وتوجيه وتربيه لأجيال على حس الوطنيه والتشبث بحقوق شعبنا العربي الفلسطيني في الداخل

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*