حريٌّ بنا أن نبدأ بأنفسنا -اسكندر عمل

اثناء استماعي لصوت الشّعب، اذاعة الحزب الشيوعي اللبناني، تابعت مقابلة مع كاتب لبنانيّ تقدّمي وتمتعت بما سمعته من أفكار هذا الكاتب، ولكنّني فوجئتُ كما فوجئتْ مقدّمة البرنامج فاتن حموي عندما طلبتْ منه أن يختار أغنية لفيروز ويهديها لمن يشاء، فاعتمد على ذوق المخرج في اختيار الاغنية مهديا ايّاها لابنته، ابنة الرّابعة عشرة، معقّباً “مع أنّها لا تسمع العربيّة”!
لا أريد بهذا أن أنتقص من قيمة أحد، ولكن عظُمَتْ زوجتي وضحى الّتي أجلّها وأقدّرها، عظُمت في عيني أكثر وأكثر، لأنّها حين ارضعت أطفالنا الأربعة أرضعتهم مع حليبها حب فيروز وحب الوطن، فشبّوا عشّاقاً لصوت فيروز ولأغانيها الّتي تتغلل في أعماق النّفس وترفع الهمم عالياً.
أذكر أنّ ابنتي ميسلون اشتركت في البرنامج التلفزيوني “نجوم الغد” واشترطت وهي في سن العاشرة أن تغنّي موشّحاً لفيروز وإلّا فلا، وهذا ما كان، فقد صدح صوتها بـ “يا ليل الصّبّ متى غده”.
علينا أن نبدأ بأنفسنا، هذا لا يعني أن نفرض على أولادنا أن يمتنعوا عن سماع ما ترغب به نفوسهم من الأغاني العصريّة وبلغات أجنبيّة، لكن لا يمكننا أن ندعو كوطنيّين وكأدباء ومفكرين إلى المحافظة على لغتنا وتراثنا وفنّنا، ونكون عاجزين عن زرع هذه القيم والمبادئ في عقول ابنائنا وقلوبهم.
اشعر بالفرح يغمرني عندما أسمع حفيدتي شام ابنة الرّابعة تغنّي وبصوت حنون وإحساس غامر “على عربة لميا” لفيروز، الّتي أعتقد أنّ الكثيرين منّا لا يعرفونها.
لا يمكن أن أكون معلماً ومربياً وطنيّاً واتغيّب عن المدرسة ثلاثين يوماً لأنّه يحق لي حسب القانون أن أتغيّب، وأنسى أنني بهذا أضيف إلى الإجحاف الّذي يعاني منه طلّابنا إجحافاً إضافيّاً. ولا يمكن أن أكون مربي أجيال يحب شعبه ويصيح على المنابر من أجل الإصلاح ويضيع حصصه في المدرسة على أمور لا صلة لها بالمادة الّتي يدرّسها.
فتحية لكل النّاس الشّرفاء ولفيروزنا الّتي زرعت دروبنا بالأمل رغم كلّ الصّعاب ولزوجتي الغالية وضحى المدرسة التي نهل فيها أبناؤنا حب الوطن.

Post Tags:

Total Comments ( 1 )

  • د. خالد تركي حيفا says:

    فيروز صوت العامل والفلاح والمضطَهد والمنتصِر هي صوت الأمل والمحفِّز للعمل والأمل هي صوت المنتصِر
    وبقي صوت الشَّعب من بيروت، سليمان الحكيم، يبثُّ من عاصمة لبنان المقاوِم، رافع رايتنا، أغاني فيروز من ألحان الأخوين رحباني، وعلى مدار ساعات البثِّ لعدَّة أيّام خلت، خلال الاعتصام الصَّامت هناك.
    لن تصمت فيروز ولن تعتزل الغناء ولن تُعزَل عنه وسيبقى صوتها متألِّقًا وخالِدًا ما دام نور الشَّمس يتألَّق صباحًا في سماء المشرِق العربي ويغيب مساءً مختبئًا في غطاء المغرب. لذلك لن نسمح لهذا الصَّوت أن يُمنع أو يُسكت، لأنَّ فيروز دائمةٌ لنا بصوتها الرَّخيم والرَّحيم وحسِّهَا الجميل وحضورها القويِّ والشَّريف، بروحهَا الطَّيِّبة وجسدهَا الميَّاس وخفقان قلبها الدَّافئ الذي نتمنَّى له دوام الصِّحَّة والعافية والعمر المديد كما قال المناضل، الشَّاعر، داود تركي في قصيدته “فَيْرُوزُ دُومِي” (ديوان ريح الجهاد):
    دُومِي دَوَامَ القُدْسِ سَيِّدَةً عَرَبِيَّةَ الرَّايَاتِ والطَّلَبِ
    دُومِي لَنَا، لِلْعُرْبِ، مُطْرِبَةً أَنْفَاسَنَا بِرَوائِعِ الأَدَبِ

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*