فلسطين عشيّة النّكبة – اسكندر عمل
- by منصة الراي
- November 25, 2017
- 0
- 2313  Views
- 0 Shares

المناضل الشيخ عز الدين القسام
*التّغيّرات السّياسيّة،الاقتصاديّة،الاجتماعيّة والدّيموغرافيّة
هل حدثت النّكبة فجأة أم أنها كانت تطوّرا تاريخيّا موجّها ومدروس
(الحلقة الأولى)*
//بعد الحرب العالميّة الأولى قامت الحركة القوميّة العربيّة في سوريا الطّبيعيّة بالوقوف في وجه الامبرياليّة البريطانيّة بعد أن اتّضحت نواياها ضد القوميّة وتنكّرها للمطالب العربيّة. وانتشرت المقاومة للامبرياليّة البريطانيّة في جميع أنحاء العالم العربي كثورة 1919 في مصر، والنضال المسلّح في سوريا، وثورة العراق 1920. في هذا السّياق كانت الاصطدامات بين اليهود والعرب عام 1920، ولم تكن على أساس عنصري كما تصوّره المصادر الصّهيونيّة، بل كجزء من صراع الحركة القوميّة العربيّة الشّامل ضد الامبرياليّة البريطانيّة والفرنسيّة والصّهيونيّة الّتي كانت أداة في يد الاستعمار البريطاني.
الانتداب 1920-1948 هي الفترة الّتي نُفِّذ فيها المخطط ومورست فيه النّكبة بشكل تصاعديّ إلى أن وصلت الأوج في تهجير معظم الشّعب الفلسطيني وتحويله إلى لاجئين، وهدم أكثر من أربعمائة قرية ومحو معالمها، وتنفيذ مجازر وحشيّة تقشعرّ لها الأبدان.
نبدأ بصك الإنتداب الّذي منحته عصبة الأمم (عصبة الأمم كانت أداة طيّعة في يد الدّول الاستعماريّة، بريطانية وفرنسا، إذ لم تكن الولايات المتّحدة والاتّحاد السّوفييتي عضوتين في العصبة، لذلك لم يكن غريبا التّوافق الّذي نراه واضحا بين قرارت العصبة ومصالح هذه الدّول) لبريطانيا، والّذي نصّت المادة
الاولى فيه على تخويل الدولة المنتدِبة السّلطة التّامّة في التّشريع والإدارة، ووضع فلسطين في مستوى مستعمرة بريطانيّة. (هذه التّخويل لم تنص عليه صكوك الانتداب في دول أخرى).
نصّ صك الانتداب بشكل واضح على تنفيذ وعد بلفور، ففي مقدّمة النّص البند “ج” يؤكد مسؤوليّة بريطانيا على وضع تصريحها في 2 تشرين الأول 1917 موضع التّنفيد، لإنشاء وطن قومي في فلسطين للشّعب اليهودي، واعترف البند “د” منها بالصّلة التّاريخيّة الّتي تربط الشّعب اليهودي بفلسطين.
نصّت المادة الرّابعة من الصّك على إنشاء الوكالة اليهوديّة كهيئة عموميّة لإملاء
المشورة للإدارة والتّعاون معها، ولم يرد ذكر هيئة كهذه لمعالجة شؤون العرب،
وهدفت هذه الوكالة إلى تطبيق الإجراءات الّلازمة لأجل إنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين (1). أمّا المادة السّادسة من الصّك أكّدت على إدارة فلسطين أن تسهِّل الهجرة اليهوديّة إلى فلسطين في أحوال مناسبة، وأن تشجّع بالتّعاون مع الوكالة اليهوديّة استقرار اليهود المتراص على الأرض. (2)
تعيين هربرت صموئيل كأول مندوب سامي على فلسطين، هو بداية لتنفيذ أولى
خطوات النّكبة الفلسطينيّة. ويعترف في مذكّراته: “عيّنتني حكومة صاحب الجلالة وهي على بيّنة تامّة بميولي الصّهيونيّة”.
ويؤكّد حاييم وايزمن في كتابه “التّجربة والخطأ”، أن قدوم هربرت صموئيل إلى فلسطين كأول مندوب سامي بداية لعهد جديد تمثّل في اتّساع النّفوذ اليهودي في فلسطين. (سنرى في السياق أن معظم المؤسسات العلمية، الاقتصادية، العسكرية والنّقابية أُقيمت في فترته 1920 – 1925).
كانت سياسة بريطانيا منحازة بشكل واضح للحركة الصّهيونيّة ولم يكن بعض
الخطوات الّتي قامت بها تجاه العرب سوى ذر رماد في العيون وامتصاص النّقمة في مراحل معينة وهنا سأعطي بعض الأمثلة لتوضيح ذلك:
*حوادث البراق*
كان هناك اتفاق غير مكتوب حول البراق أو حائط المبكى، بين إدارة الوقف الإسلامي واليهود المتديّنين من حيث الزّيارة والصّلاة بالقرب منه. في منتصف آب 1929 توترت العلاقة على هذه الخلفية، وهناك اختلاف في الرّوايتين العربيّة والصهيونيّة، لكن نتيجة هذه الصدامات وحسب الإحصاءات الرّسميّة، كان عدد القتلى من اليهود 133 ومن العرب 116، والجرحى 339 من اليهود و232 من العرب، لكن المهم رد فعل المندوب السّامي البريطاني تشانسلور الّذي لم يكن في فلسطين في أثناء الأحداث وعاد لتوِّه من العاصمة البريطانيّة:” عدت من المملكة المتّحدة فوجدت بمزيد الأسى أنّ البلاد في حالة اضطراب فأصبحت فريسة أعمال العنف غير المشروعة، وقد راعني ما علمته من الأعمال الفظيعة الّتي اقترفتها جماعات من الأشرار سفّاكي الدّماء عديمي الرّأفة، وأعمال القتل الوحشيّة الّتي ارتُكِبت في أفراد من الشّعب اليهودي خلَوا من وسائل الدّفاع بغض النّظر عمّا إذا كانوا ذكورا أو إناثا……… فواجبي أن أُعيد النّظام إلى نصابه في البلاد وأن أوقع القصاص الصاّرم بأولئك الّذين يثبت أنّهم ارتكبوا أعمال عنف.” (3)
وفعلا حُكِم على 22 عربيّا بالإعدام، نُفِّذ الحكم في ثلاثة منهم، واستغِلّ الحادث لضرب المطالب الدّستوريّة الّتي كانت تطالب بها الّلجنة التّنفيذيّة العربيّة.
*تقرير لجنة شو والكتاب الأبيض لعام 1930*
أرسلت بريطانيا لجنة تحقيق لتقصّي أسباب حوادث البراق 1929، الّتي أكّدت أنّ الصّراع ناجم عن التّناقض بين الوطن القومي اليهودي ومطالب الحركة العربيّة القوميّة بالاستقلال، فتحقيق المطالب القوميّة العربيّة يلغي الوطن القومي اليهودي، وشدّد تقرير الّلجنة على مخاوف العرب من الهجرة اليهوديّة، وبيع أراضي سرسق وشراء اليهود الأراضي في مناطق كانت تربتها على غاية من الإنتاجيّة اعتبِر تأكيدا على أنّ المهاجرين لن يرتضوا باحتلال المناطق المتخلِّفة، وذكرت اللجنة أنّ بيوعا كبيرة وقعت بين 1921 و1929 كان من جرائها أن أُخرِج عدد كبير من العرب من أراضيهم دون أن تعدّ لهم أراضٍ أخرى يزرعونها.
بناءً على تقرير اللجنة أصدرت الكتاب الأبيض لعام 1930 في 24.10 ، والّذي نصّ على: أنّه لا توجد أراضٍ متيسرة لاستيطان المزارعين من المهاجرين الجدد، وإنّ البيانات تحمل على الاعتقاد بأنّ درجة البطالة بين الأهلين العرب وصلت حدًّا خطرا، ولذلك يجب تخفيض الهجرة أو وقفها ما دامت هذه الهجرة تسبّب حرمان السّكان العرب من الحصول على الأشغال الضّروريّة لمعيشتهم.
في13 شباط 1931 وبعد تهديد حاييم وايزمن بالاستقالة من رئاسة المنظمة الصّهيونيّة، والّذي كان بالنّسبة لبريطانيا زعيم الجناح المعتدل في الحركة الصّهيونيّة،أرسل تشرتشل رسالة وصفها العرب بالرّسالة السّوداء لأنّها ألغت الكتاب الأبيض، فقد أعلنت عن وجود أراض للاستيطان اليهودي في مناطق عرفت بخصوبتها، ووافقت على استمرار سيل هجرة العمّال اليهود للعمل في منشآت رأس المال اليهودي.
*ثورة 1936 – 1939 *
حركة عز الدّين القسّام:
عز الدّين القسّام سوري الأصل، ولد في جبلة قضاء الّلاذقيّة 1871، اشترك في ثورة جبل حوران السّوريّة ضد الفرنسيّين من العام 1919 -1920، وحكم عليه بالإعدام. في العام 1921 وصل حيفا، وأصبح إمام مسجد الاستقلال. بدأ العمل في إنشاء حلقات سرّيّة، وكان ذا عقل تنظيميّ وصبر حديديّ. اشترك في الانتفاضة الكبرى عام 1933. في 11 تشرين الأول 1935 خرج الشّيخ عز الدّين القسّام إلى تلال يعبد برفقة 35 من رجاله ولم تكن بغيته اعلان الثّورة المسلّحة لأنّه لم يكن مستعدا تنظيميّا، لكنّه اصطدم بقوّة بريطانيّة مسلّحة في جبال جنين، وخلال المعركة استشهد أربعة من بينهم القسّام وذلك في 20 تشرين الأول 1935.
إنّ حركة عز الدّين القسّام تميّزت بالثّوريّة ومعاداة الإمبرياليّة، وشكّلت شكلا جديدا متطوّرا من أشكال النّضال، ووضعت زعماء الحركة القوميّة العربيّة الفلسطينيّة التّقليديّة أمام امتحان لا يمكن الفرار منه. لقد أدركت هذه القيادة الّتي لم تشارك في جنازة القسّام الّتي كانت جنازة شعبيّة شارك فيها الالوف من أبناء الشّعب الفقير الّذين هتفوا بسقوط الاستعمار وبحياة الاستقلال، أنّها إذا لم تركب الموجة الشّامخة الّتي فجّرها القسّام، فإنّها ستطويهم. لذلك بادرت هذه القيادات إلى إقامة المهرجانات والخطابات في اليوم الأربعين لاستشهاده. لقد زادت ثورة القسّام من التّصاعد في إرادة القتال لدى الجماهير والّتي تفجّرت فعلا في ثورة 1936.
*اضراب ستّة الأشهر*
في 15 نيسان 1936 قُتِل يهوديان في حادث طرق عادي، فقامت عناصر صهيونيّة بقتل عاملين عربيّين، وحدثت اعتداءات على العرب في تل أبيب ويافا.
وفي 19.4.36 أضربت يافا وكان اضرابا عفويّا ولكنّه تحوّل إلى إضراب واع في اليوم التّالي حين وصل الإضراب إلى الميناء وعمّاله. واقيمت لجنة قوميّة أعلنت الإضراب العام وعلّلته بأنّه تعبير عن سخط العرب على سياسة السّلطات المؤيّدة لإقامة الوطن اليهودي. وفي 21.4.36 أعلنت قيادات الأحزاب القوميّة العربيّة الإضراب العام في البلاد، وتشكّلت في 25 نيسان الّلجنة العربيّة العليا برئاسة المفتي أمين الحسيني. في 15 أيّار أعلن مؤتمر اللجان القوميّة عن الامتناع عن دفع الضّرائب، واقترن هذا العصيان المدني بسلسلة من المظاهرات الجماهيريّة الضّخمة في مختلف المدن. كذلك اصطدمت قوّات عربيّة مسلّحة بالقوّات البريطانيّة في عشرات المواقع. أمّا الإدارة البريطانيّة فبدأت بسياسة القمع على نطاق واسع وازداد عدد المعتقلين والمنفيّين من الوطنيّين وبلغ عدد المعتقلين 4500.(4) ويؤكّد عيسى السّفري في كتابه “فلسطين العربيّة بين الانتداب والصّهيونيّة” أنّ الجنود البريطانيّين أطلقوا النّار على مظاهرة قوميّة في نابلس في 23 أيّار فقتلوا أربعة مواطنين وجرحوا سبعة (5).
في أيّار كانت محاولات من قِبَل الأمير عبدالّله أمير شرق الأردن للتّدخّل وإيقاف الإضراب إلا انّ المحاولة فشلت. وفي آب 1936 حاول نوري السّعيد رئيس وزراء العراق إقناع الّلجنة العربيّة العليا بوقف الإضراب ووعد بالتّوسّط لقبول المطالب الفلسطينيّة، إلا أنّ بريطانيا أعلنت أنّها لا تعرف شيئا عن هذه الوساطة. في 8 تشرين الأول أعلنت الّلجنة العربيّة العليا أنّها تسلّمت برقيّات من ملك السّعوديّة وإمام اليمن وملك العراق وأمير شرق الأردن، تدعوهم إلى وقف الإضراب وأكّدوا حسن نوايا بريطانيا!! وهكذا توقّف الإضراب في12 تشرين الأوّل 1936. ويبرز هنا تّواطؤ الأنظمة الرّجعية العربية مع الإمبرياليّة البريطانيّة.
من ناحية أخرى استعانت القوات البريطانية لقمع الثورة بـ 5000 من صفوف الهاجانا، وأقام الجنرال وينجيت الفرق اليهوديّة الضّاربة التي أطلق عليها الفرق الطّائرة والتي أخذت على عاتقها حماية المنشآت البريطانيّة والتّصدي للقوى العربيّة.
(يتبع)