للإطمئنان فقط على صحة اليوم العالمي لحقوق الإنسان – د.سمير دياب عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي اللبناني
- by منصة الراي
- December 3, 2017
- 0
- 2574  Views
- 0 Shares

التغني بحقوق الإنسان شيئ عصري جميل جداً، والأجمل منه هي المعاني الإنسانية المحشورة داخل صناديق المواثيق والإتفاقات والمعاهدات الدولية الصادرة عن مجالس وهيئات دولية وعربية والمكدسة في مستودعات التاريخ، والتي يتم استحضارها على عجل بعد نفض غبارها في موسم احتفالات اليوم العالمي لحقوق الإنسان الواقع في 10 كانون الأول.
الاحتفالات التمثيلية باليوم العالمي لحقوق الإنسان تعطي من حلاوة اللسان عسله، وتزرف عليه الكثير من الدموع ، وتعرج سنوياً على المبادئ للإطمئنان على صحة حقوق الإنسان. اما الخلاصات فتبقى رمزية على شاكلة رمزية حراسها غير المأذون لهم بقوة السلطة وجبروت رأس المال سوى لعب هذا الدور المسرحي التقليدي السنوي الممل.
مسألة حقوق الإنسان ليست احتفالا سنوياً تذكيرياً !! فهل يمكن أن نذكر المقهور بقهره، والموجوع بوجعة، والظمآن بعطشه، بل هي عملية إنتاج اجتماعية لعلاقات اجتماعية مرتكزة على أشكال ملكية وسائل الإنتاج، وهي، في كل مكان وزمان، عملية تناقضية- صراعية بين ظالِم ومظلوم، وبين مضطِهد ومضطهَد فهي، من جهة، عملية ينتج فيها الإنسان بالعمل منتجات مادية وعلاقات اجتماعية وقيم اخلاقية ومؤسسات ونظم سياسية، وهي، من جهة ثانية، عملية اغتراب أو استلاب وتملك لرأس المال.
اما كيف يتحول هذا الشيئ ! فالعملية بسيطة جداً، تمر عبر الملكية الخاصة. والمكلية الخاصة( رأس المال) تحول دون تملك الإنسان المنتج الذي انتجه، بل يصبح مستهلكاً (زبون) بعد المساهمة في انتاجه ولو بأجر طبعاً. هذا الحق المسلوب يبلغ ذروته في النظام الرأسمالي.. وما تعانيه حقوق الإنسان اليوم في عصر الامبريالية الامريكية المعاصرة وليبراليتها الاقتصادية المنفلتة، هو جوهر الموضوع الإنساني، وتاريخ الصراع الطبقي، وتاريخ نضال ومقاومة الشعوب من أجل حقوقها في الحرية والتحرر والتقدم نحو حياة مستقرة وكريمة.
هذه الحقوق تسحق اليوم باسم تقدم اقتصاد السوق، وهو تقدم يحمل عكس معناه بالنسبة للشعوب كون هذا الاقتصاد غير بشري، ولا يعِد البشرية سوى بالحروب والخراب والدمار والبطالة والجوع والموت بفعل التحكم الوحشي لحفنة من الافراد والشركات والمؤسسات الرأسمالية العالمية الساعية بالقوة للسيطرة على ثروات وخيرات وتاريخ شعوب العالم ونهبها.
لشعوبنا العربية تاريخ نضالي طويل مع حقوق الإنسان، وهو جزء من تاريخ الصراع الوطني التحرري والطبقي، من يوم اقتحام الاستعمار الاوروبي البيت العربي، وفرض نفسه بعد انهيار الامبراطورية العثمانية إلى تاريخ التوسع الرأسمالي من الرأسمالية التجارية إلى الرأسمالية المتوحشة الأمريكية والعولمة الاقتصادية.. وهو تاريخ مشًرف مكتوب بعرق العمال والفلاحين والكادحين والنساء والطلبة والشبيبة، ومختوم بدمائهم من أجل الحرية والاستقلال الوطني والديمقراطية والوحدة القومية والتنمية الشاملة تحت راية مشروع التحرر الوطني العربي وقواه السياسية اليسارية والتقدمية والقومية والديمقراطية المستقلة على امتداد المنطقة العربية.
ما بين النضال الوطني التحرري والنضال السياسي – الاجتماعي، تجلت حقيقة تاريخية لا يمكن تجاوزها أو القفز عنها، وهي مشكلة حقوق الإنسان العربي التي إرتبطت إرتباطاَ وثيقاً بأنظمته التابعة أو المخترقة كلياً بدائرة قرار الدول الاستعمارية القديمة والحديثة. هذا الاختراق قام ولا يزال على ركيزتين أساسيتين: أولاهما إدامة الامبريالية لمشروع تجزئة الوطن العربي منذ معاهدة سايكس بيكو ووعد بلفور إلى تقسيم فلسطين وزرع الكيان الصهيوني في قلب البيت العربي، إذ تبين التجربة السياسية الحية أن مشروع “التجزئة” يشكل الحجر الاساس في الاستراتيجية التوسعية الاستعمارية. والثانية، إبقاء المنطقة ضمن دائرة التخلف السياسي والاجتماعي، ومنع التغيير والتطور والتقدم، والحيلولة دون تحقيق الوحدة الوطنية أو القومية بفعل التحديث الكولونيالي، وـتأجيج العوامل الطائفية والمذهبية والأقليات الإثنية مباشرة أو بواسطة أدواتها المحلية والاقليمية.
هذه الخطة الجهنمية ادركتها شعوبنا العربية من خلال التجارب الملموسة، وعاشتها لحظة بلحظة، وما تزال تعيشها بفعل أمراض النظام السياسي العربي التابع أو المخترق، وأزمة هذا النظام على المستويين الوطني والقومي، وعلاقته بالإمبريالية وشروطها القائمة على مبدأ احتواء النخب الحاكمة والفئات الكمبرادورية (الطبقة البورجوازية التي تتحالف مع رأس المال الأجنبي تحقيقاُ لمصالحها والسيطرة على السوق الوطنية) المرتبطة بها وتعيين وظيفتها في “النظام العالمي” و” السوق الدولية ” وإقصاء الشعوب وتهميشها. هذا المبدأ التناقضي مكن القوى الإمبريالية من القدرة على لعب دور الراعي للحروب والإرهاب، والمحرض لإشعال الفتن والصراعات الطائفية والمذهبية في المنطقة، والمصدر للإرهاب العالمي، مع إعلان هذا الاستعمار الإمبريالي الرعاية والحماية المطلقة لضمان تفوق العدو الصهيوني.
الاستعمار الاوروبي جاء إلى بلادنا بجيوشه وأساطيله ليعلمنا بالحديد والنار أنه لا مكان في عالمه سوى للأقوياء، لكنه كان يقول لنا أنه الحضارة والديمقراطية والتقدم، وانه النهضة والاصلاح، وأنه عالم الثقافة والتربية والصناعة الحديثة. كان الاستعمار يودلجنا بأيدولوجيته ومشاريعه السياسية والاقتصادية والثقافية الرأسمالية، وهي الايديولوجيا التي أثارت ردود فعل متناقضة حددت مسارات الفكر والسياسية والاقتصاد. كانت النخبة العربية في مطلع النهضة الحديثة تتطلع إلى الغرب وتذهب اليه طلباً للعلم والمعرفة والثقافة، لكن هذا الغرب جاء إليهم فاتحاً وحاملاً شعوره بالتفوق والامتياز والغطرسة إزاء شعوب (عشائر وقبائل، طوائف) يعتبرها متخلفة وصالحة فقط لإن تشكل وقوداً لفتوحاته الاستعمارية وموضوعاً لإرادته، من الإسكندر المقدوني إلى نابليون الى بوش الأبن. هذا الغرب إنكشفت أهدافه الاستعمارية العدوانية، وتحول في الوعي العربي من منقذ إلى عدو محتل بعد الشعور بالظلم والقهر والاستغلال والسطوة، وتمت مقاومته باللحم الحي من أجل نيل الحرية والاستقلال.
.
لم يكن الاستقلال نخبوياً كما حاول الاقطاع أن ينسبه لنفسه، إنما كان نضالاً سياسياً وشعبياً مكلفاً لإنتزاع الاستقلال والحرية والسيادة الوطنية. لكن أنظمة ما بعد الإستقلال عمقت الهوة بين الدولة والمجتمع، بدل أن تردمها. وقلصت المجال السياسي ليتطابق مع مجال الطبقة الحاكمة، وعسكرت مؤسسات الدولة، ومأسست القمع بحيث كلما اتسع مجال قمع الدولة، يتسع مجال الوعي بأهمية الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. مع التذكير، بأن
دساتير أغلبية الدول العربية تضمنت نصوصاً صريحة حول الحريات العامة والحقوق المدنية ولا سيما حقوق الإنسان، مطابقة لما جاء في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، لكن يبدو أن هذا التحديد والالتزام تم شطبه لضرورات تتعلق بصد المؤامرة الامبريالية – الصهيونية – الرجعية العربية، وإستعادة فلسطين. وهذا تطلب القيام بإجراءات أمنية وسياسية خاصة، وبخطط تقشفية إقتصادية واجتماعية لزوم التسلح والمواجهة ضد العدو الصهيوني، كما تطلبت الحقبة شعارات ووعود واحلام.. لنخرج بعد حقبة زمنية وتجربة طويلة مريرة أن “المؤامرة” تزداد شراسة، وفلسطين تقلصت بعد أن ضاع الفرات وتبدل النيل، وأصبحت الضرورات الحقوقية محظورات أمنية .. طبعاً الامر ليس كاريكاتورياً لكن خارطة الطريق ضلت طريقها، حيث ما زال شعب فلسطين يعيش موته اليومي تحت وحشية المحتل الصهيوني، في وقت تشهد قضيته تراجعاً وإنقساماً داخلياً فلسطينياً حاداً. يقابل لك، إمعان الكيان الصهيوني في عمليات التوسع والإستيطان والقمع والقتل وإرتكاب المجازر الوحشية الجماعية، وفي عمليات التهجير والإعتقال والتعذيب بحق الشعب والاسرى والمعتقلين. هذه اللوحة السوداوية لونتها نضالات المقاومة الوطنية اللبنانية والانتفاضات الفلسطينية والعمليات النوعية ضد العدو الصهيوني داخل فلسطين المحتلة، بالإضافة إلى الرفض الشعبي الفلسطيني والعربي للتطبيع.. ودماء الآف الشهداء والاسرى المقاومين، كل ذلك أعطى الثقة لدور المقاومة الوطنية والشعبية لتصويب اتجاه الخارطة والبوصلة، وأكد على ضرورة بلورة المشروع الوطني التحرري الثوري العربي. خصوصاً، بعد تجربة أنظمة الوعود المريرة التي لم تسمح لشعوبها بشم رائحة التنمية البشرية أو معرفة ما هو طعم حقوق الإنسان.
******
من عجائب المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنها تقول: “يولد جميع الناس احراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلا وضميراً، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الآخاء”.
فيا شعوب وأحرار العالم : ان الرأسمالية المحلية والعالمية ضد الإنسان وحريته، وضد الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة، وضد الفرح الإنساني. فالرأسمالية تعبد الآله الحاسبة التي تحسب أرباحها اليومية على حساب عرق وتعب ولحم ودماء العمال والأجراء المنتجين. هذا قانونها، ولن تحيد عنه، ولن تتنازل عن نقطة منه، ولن تغيره طوعاَ أو هبة .. ولا يمكن إنتزاع الحرية والتحرير والحقوق إلا بالنضال الديمقراطي والمقاومة الوطنية الشاملة وبقوة العمال والموظفين والأجراء والفلاحين والمزارعين والمهمشين وكل الفئات والقطاعات الاجتماعية المضطهدة والمقهورة في صراعها الوطني والطبقي من أجل التحرير والتحرر السياسي والاقتصادي والاجتماعي نحو المساواة والعدالة الاشتراكية.
بيروت