دور الحزب الشيوعي في حيفا (الحلقة الثالثة )- اسكندر عمل
- by منصة الراي
- April 14, 2018
- 0
- 1371  Views
- 0 Shares
- كان تمويل الرّوضة من الأقساط الّتي يدفعها الأهل وكانت أقل بكثير من المدارس ومن التّبرّعات التّي جبتها الرّفيقات، ومن مردود البازارات الّتي كانت تقيمها حركة النّساء الديمقراطيّات في الثامن من آذار من كل عام، وكانت تُباع الثّياب الفلوكلوريّة لشعوب شرق اوربا الّتي كان يحضرها طلّابنا في الدّول الاشتراكيّة لهذا الغرض
- بعد النّكسة عام 1967، بكلِّ ما يعنيه ذلك من عنجهيّة المحتلّ المنتصر، الّذي حاول المساس بالمقابر والمقدّسات الإسلاميّة العربيّة في مدينة حيفا، فاقترح الشّاعر الفلسطينيّ الكبير سميح القاسم والرّفيقة بنينا فاينهويز، إقامة هيئة للدّفاع عن المقدّسات والأوقاف الإسلاميّة، فأقيمت جمعيّة المبادرة الإسلاميّة
*روضة النّساء الدّيمقراطيّات*
لم يهمل الحزب الأطفال العرب الحيفاويّين، فقد قامت حركة النّساء الديموقراطيّات وهي تنظيم نسائي انبثق عن الحزب في العام 1951 وهدف الى المساواة الحقيقيّة للنّساء في المجتمع ولا يزال، بإقامة روضة للأطفال العرب الحيفاويّين في العام 1953 وذلك لانعدام أطر رسميّة لهؤلاء الأطفال، وكانت الرّوضة تستقبل الأطفال من جيل سنة إلى 5 سنوات. وكانت المربّيتان أولغا طوبي وماغي كركبي تديران الرّوضة،(18) وزوجتي وضحى تحتفظ بصورة لها وهي في الثّانية ومعها أخوها خالد تركي وعمره سنة واحدة. وكانت روضة حيفا أوّل روضة للنّساء الدّيمقراطيّات في البلاد. وقد كان في الرّوضة في السّنوات الأولى عدد من الأطفال اليهود الّذين سكنت عائلاتهم وادي النّسناس.
كان موقع الرّوضة في البداية في مؤتمر العمّال العرب، فقد استعمِلت القاعة صباحًا، إذ كانت ساعات الدّوام من السّابعة حتّى الواحدة ظهرًا. أمّا الغرف والقاعة بعد الظّهر فكانت لنشاطات الحزب، وبقيت الرّوضة في المؤتمر حتّى العام 1966 ، فانتقلت إلى شارع حدّاد، فقد اقتنت النّساء الدّيمقراطيّات بيتًا من الرفيق الراحل ديب عابدي، وقد كان للرّفيقات اليهوديات دور هام في جمع التّبرّعات، وقد قامت الرّفيقة هداسا غولدبرغ بالتّبرّع بالقسط الأكبر من ثمن البيت. وتراوح عدد الأطفال حتّى العام 1977 بين 30 و35 طفلًا.
في العام 1977 اقتنت النّساء الدّيمقراطيّات بيت الرّفيق ماتيّا نصّار الملاصق للرّوضة، واصبحت الرّوضة أوسع وإلى جانبها حديقة واسعة وازداد عدد الأطفال في الرّوضة فأصبح بين 60 و65 طفلًا.
كان تمويل الرّوضة من الأقساط الّتي يدفعها الأهل وكانت أقل بكثير من المدارس ومن التّبرّعات التّي جبتها الرّفيقات، ومن مردود البازارات الّتي كانت تقيمها حركة النّساء الديمقراطيّات في الثامن من آذار من كل عام، وكانت تُباع الثّياب الفلوكلوريّة لشعوب شرق اوربا الّتي كان يحضرها طلّابنا في الدّول الاشتراكيّة لهذا الغرض، وبيعت المأكولات والحلويَّات الّتي كانت الرّفيقات تحضّرن في المنازل. وكان المجلس الملّي الأرثودوكسي يتبرّع كل عام للرّوضة.
في العام 1997 كثرت الرّوضات في المدينة وقلّ عدد الأطفال، وفي العام 2003 تولّت الشّبيبة وأبناء الكادحين لأربع سنوات. في العام 2008 استطاعت الرّفيقة سميرة خوري الحصول على تبرع سخي من أحد المتبرّعين الأجانب وقد حصل تغيير كبير في البناء والتّجهيزات، ويشارك الرّفيقة سميرة في إدارة الرّوضة الرّفيقة عرين عويضة.
عدد الأطفال في الرّوضة الآن 32 طفلًا وعدد كبير منهم أحفاد رفاق تربوا فيها. وقد عملت كمربيّات مجموعة من الرفيقات منهن إضافة للمؤسّستين الرّفيقتين أولغا طوبي وماغي كركبي، ماري خاص واوديت رفّول وعفيفة زين الدّين ونهاد عبدو وأخريات على مدار أكثر من ستّين عامًا.
كان الأطفال ينشدون أضافة لأغاني الأطفال أغان اجتماعيّة، مثل (كان جَدْيٌ لعجوز..)، وأناشيد تزرع فيهم حبّ الوطن والإنتماء للأرض:
كان جدي لعجوز أشهب الّلون ظريف
كان محبوبًا لديها إذ هو الجدي الأليف
راح هذا الجدي يومًا سارحًا فوق الحقول
فأتى الذّئب عليه وهو يقتات البقول
…………. ………….
أنشودة الحصاد
أشرق الفجر فهيّا للمروج للحصاد
استعدّوا بالمناجل وأعدّوا للسّنابل
هيّا هيّا للحصاد
أنشدوا لحن الحصاد لحن يمن وهناء
قد تعبنا وسعينا وزرعنا فجنينا
هيّا هيّا للحصاد(19(
أو عليك منّي السّلام
عليكِ منّي السّلام يا أرض أجدادي
ففيك طاب المقام وطاب إنشادي
………….. ………… (20)
مين رضّعني وأنا زغير وزنودو لي كانوا سرير
مين بوّسني وشد كتير هذي الماما يا عيوني
تنشئة الأطفال تنشئة صحيحة هي ضمان لبقاء الأكثريّة السّاحقة منهم على ما نشأوا عليه، ومعظم الأبحاث تشير أنّ شخصيّة الطّفل تتبلور في السّنوات الخمس الأولى من حياته، وهذا ما تؤكّده أساليب التّربية الحديثة اليوم.
يكتب د.خالد تركي في صباحيّة له في جريدة الاتّحاد الحيفيّة “كان والدنا، أبو خالد، ينشد لنا في طفولتنا أناشيد وأغاني الوطن والعمّال والفلّاحين والأطفال، فحفظناها كما نحفظ طريقنا إلى بيتنا..وقد لازمتنا هذه الأناشيد في منظّمة “أبناء الكادحين” وتنظيم “الشّبيبة الشّيوعيّة” والحزب لاحقًا، وأصبحنا ننشدها معه في سمرنا ..”ولا تزال الرّوضة حتّى اليوم تربّي الأحفاد وأولاد الأحفاد وهي وهم باقون على العهد.
*جمعيّة المبادرة الإسلاميّة*
قد يبدو غريبًا للوهلة الأولى أن يكون الحزب الشّيوعيّ مبادرًا لإقامة مثل هذا التّنظيم الّذي يظهر وكأنّه إطار دينيّ، ولكن العجب سيزول عندما نعلم أنّ هذا الإطار أقيم بعد النّكسة عام 1967، بكلِّ ما يعنيه ذلك من عنجهيّة المحتلّ المنتصر، الّذي حاول المساس بالمقابر والمقدّسات الإسلاميّة العربيّة في مدينة حيفا، فاقترح الشّاعر الفلسطينيّ الكبير سميح القاسم والرّفيقة بنينا فاينهويز، إقامة هيئة للدّفاع عن المقدّسات والأوقاف الإسلاميّة، فأقيمت جمعيّة المبادرة الإسلاميّة الّتي ضمّت أعضاء من كل الطّوائف: طيِّبي الذّكر علي عاشور وزاهي كركبي وعصام العبّاسي وذيب عابدي، والأعضاء أمدّ الله في عمرهم، عبّاس زين الدّين وابراهيم فحماوي وفتحي فوراني ويوسف أبو راس وآخرين أنضمّوا إلى الجمعيّة فيما بعد.
لم تكن إقامة الجمعيّة بداية النّضال ضد نهب الأوقاف الأسلاميّة، ففي عام 1959 حين عقدت الجبهة الشّعبيّة في حيفا مؤتمرها دفاعًا عن الّلاجئين الدّاخليّين في اسرائيل ومن أجل مقاومة مصادرة الأراضي العربيّة وإعادة الّلاجئين إلى قراهم، برزت قضيّة الأوقاف الإسلاميّة بوصفها قضيّة الجماهير العربيّة المناضلة للقضاء على الاضطهاد القوميّ.
لقد أثمر هذا النّضال في بعض الحالات تحت ضغط كفاح المسلمين من أجل حقوقهم الاجتماعيّة والدّينيّة، لكنّ حكّام اسرائيل نهبوا الأوقاف واستولوا على مليارات الشّواقل. لقد تصدّت جمعيّة المبادرة الإسلاميّة والآلاف من العرب في حيفا لاعتداءات السّلطة على المقدّسات، كتصدّيهم لبولدوزرات السّلطات الّتي دمّرت مقبرة الاستقلال الاسلاميّة يوم السّبت 1981.6.6 (21)، والتّظاهرات الاحتجاجيّة الّتي منعت السّلطات من هدم مقبرة الشّيخ البطل عز الدّين القسّام في بلد الشّيخ قرب حيفا.
*النّضال النّقابيّ والسّياسيّ*
كانت مظاهرات الأول من أيّار من كل عام تحديًّا للحكم العسكريّ الّذي حاول بكلّ الوسائل منع الوفود من القرى المجاورة من الوصول إلى حيفا، لكنّ العمّال الّذين رأوا بالحزب القوّة الوحيدة المدافعة عن حقوقهم والمطالبة الوحيدة بها، كانوا يصِلُون إلى المظاهرات ويشاركون بها، وعلى سبيل المثال مظاهرة الأوّل من أيّار عام 1952 الّتي وصل اليها عدد كبير من الرّفاق والأصدقاء. خرجت المظاهرة من بستان الشّيوعيّة) اصطلح الحيفاويّين تسميته بهذا الاسم لأنّ مراكز الحزب والاتّحاد كانت داخله) في شارع الخوري في حيّ وادي النّسناس العريق، حيث كان مقرّ الحزب، واتّجهت نحو الهدار، وما أن دخلت المظاهرة شارع هرتسل حتّى بدأ هجوم قام به عدد كبير من زعران حزب المباي الحاكم والّذي حاولت قيادته بشكل مثابر منع الحزب الشّيوعيّ من الظّهور العلنيّ في الشّارع. تحوّلت المظاهرة كلّها إلى قوّة مقاتلة لصدّ العدوان، وتحوّلت عصيّ الشّعارات إلى سلاح المتظاهرين. لكنّ المظاهرة لم تتوقّف بل تابعت سيرها متحدّية إلى أن وصلت إلى هدفها.(22)
في مجال الإضرابات العمّاليّة كان الشّيوعيّون رأس حربة في كل مكان عمل حتّى لو كان عددهم قليلًا، وكان ما ميّزهم المثابرة في المطالبة حتّى لو كلّفهم ذلك الفصل من العمل، وفي ذلك يقول الرّفيق بطرس سمعان في حديث معه “كنت أعمل في معمل لصبّ الموزايكا وكانوا يدفعون لنا أجرًا اقلّ من التّسعيرة الهستدروتيّة، دون أجرة سفر وتأمينات صحّيّة خاصّة بعمّال البناء، فتجنّدت أنا وابن عمّي للمطالبة بتحسين ظروف العمل والتّلويح بالإضراب كوسيلة إذا لم ينجحوا في مطالبهم، وقد شارك في الإضراب 12 عاملًا منهم الرّفاق محمود العمر وعادل أبو الهيجا ولطف مطر، اثمر الإضراب الّذي استمرّ، اسبوعين، تواجدنا في المصنع ولم نعمل، وحصلنا على التّسعيرة الهستدروتيّة وتأمينات خاصّة والسّفريّات. “وكان خليج حيفا وميناؤها محورًا للعديد من الإضرابات في الخمسينات منها على سبيل المثال لا الحصر، إضراب البحّارة، وإضراب العمّال العرب الّذين طُرِدوا بعد العدوان الثّلاثي من مصانع تكرير البترول وشركة البترول العالميّة وإضراب مستخدمي شركة الباصات “إيجد” ومصنع النّسيج “آتا” وغيرها. وقد تعرّض قادة هذه الإضرابات للفصل من العمل، وفي هذا يقول الرّفيق حسين محمد صالح في مقال له في كتاب د. أحمد سعد “جذور من الشّجرة دائمة الخضرة” بعنوان “تعمّدت في ساحة الكفاح الطّبقيّ” :”من مكان عملي في خليج حيفا قمت بتجنيد العمّال العرب دفاعًا عن مطالبهم ومن أجل حقِّهم في العمل. خاصّة أنّ الهستدروت كانت ترفع وتمارس الشّعار الصّهيونيّ “احتلال العمل”، أي طرد العمّال العرب وتشغيل العمّال اليهود مكانهم. وكنت مع رفاقي نعمل على توعية العمّال اليهود على مخاطر هذه السّياسة العنصريّة التّمييزيّة وأهميّة الكفاح العربيّ اليهوديّ المشترك ضدّها. والحديث يدور هنا عن سنوات 1954-1955 ، وقد أدّى نشاطي بين عمال صبّ الحديد حيث كنت أعمل، إلى تآمر الهستدروت وضغطها على صاحب العمل لطردي. كما أوصت جميع محلّات صبّ المعادن بعدم قبولي للعمل. وهذا ما أجبرني على الرّحيل ألى يافا بحثًا عن لقمة العيش ولمواصلة حمل الرّاية الشّيوعيّة في منطقة تل-أبيب”.(23)
ويتحدّث بنيامين غونين النّقابي الشّيوعي العريق في كتابه “حياة حمراء”عن معاناة الشّيوعيّين جرّاء مواقفهم الجريئة في أماكن العمل وفي النّضال السّياسي ضدّ الاحتلال وسياسة العسكرة ويورد أحداثًا عديدة قادها في شركة الكهرباء في حيفا الّتي كان يعمل فيها، ومنها على سبيل المثال ما حدث بعد عدوان حزيران 1967 حين عارض هذه الحرب وجاهر بموقفه بين موظّفي الشّركة وعمّالها، فقد وُزِّع منشور في شركة الكهرباء جاء فيه” : لم يجف بعد حبر الرّسائل الّتي أُرسِلت إلى الشّركة والمعلّقة على لوحات الإعلانات من المناطق الّتي تُقصَف كلّ يوم، يشكرون فيها عمّال الشّركة على جهودهم في تقديم العون وإصلاح الأضرار في شبكة الكهرباء، وها هنا في الشّركة عامل باسم بنيامين غونين يحقّر الدّولة، جيش الدّفاع الإسرائيلي وكل غالٍ علينا…..لم يترك ابناؤنا، جرحى حرب الأيّام السّتّة، المستشفيات ولم تجفّ الدّموع على فقدان الغالين… ويتجوّل بنيامين غونين بيننا ويصبّ سمومه دون إزعاج، نحن نطالب شركة الكهرباء فرض الحرمان عليه واعتباره مبعدًا وخائنًا”. وفعلًا قوطع وقامت مجموعة من معاقي الجيش وذويهم بمهاجمة مكتبه في اليوم التّالي.
كان الحزب برفاقه وشبيبته وكادحيه يسلك طريقًا مشرّفًا مبدئيًّا وأمميًّا، ويناضل من أجل السّلام وضد العدوان، ضد محاولات القلع والتّشريد لجماهير شعبنا. فقد عُقِدت مؤتمرات شعبيّة عديدة في حيفا ضدّ الحكم العسكريّ البغيض ونظام التّصاريح وضدّ سلب الأراضي العربيّة ومن أجل المساواة. أكثر من مرّة أُقفِلت القاعات الّتي كان يستأجرها الحزب في المدينة ويدفع إيجارها سلفًا، في محاولة لمنع عقد مؤتمرات الحزب أو نشاطاته، لكنّ الحزب كان المنتصر دائمًا وبقي صوته وهتافه مجلجلًا أبدًا.
تضامن الحزب مع حركات التّحرّر المناوئة للاستعمار وتظاهر في حيفا مئات وآلاف العرب واليهود من الشّيوعيّين ومؤيّديهم ضد العدوان الأميركيّ على كوريا الشّماليّة عام 1953 وضدّ العدوان الأمريكيّ على كوبا في خليج الخنازير، وضدّ العدوان الثّلاثيّ على مصر، وضدّ العدوان الإسرائيليّ عام 1967 واحتلال اسرائيل لهضبة الجولان السّوريّة والضّفّة الغربيّة وقطاع غزّة، وطالب بانسحاب اسرائيل الفوريّ من المناطق المحتلّة.
الهوامش
18. مقابلة شخصيّة مع الرّفيقة ماغي كركبي.
19. أناشيد ص11.
20. نفس المصدر، ص14.
21. من مقدّمة د. إميل توما لكتاب فتحي فوراني” دفاعًا عن الجذور”
22. مقال” طريقنا لم يكن سهلًا” زاهي كركبي، في كتاب د.احمد سعد،جذور من الشّجرة دائمة الخضرة، ص39.
23. نفس المصدر، ص221 .