القائمة المشتركة، نهاية مغامرة – جواد بولس
- by منصة الراي
- February 16, 2019
- 0
- 984  Views
- 0 Shares

كلّما أمعنّا النظر في تداعيات أزمة القائمة المشتركة، خاصة بعدانفصال النائب أحمد الطيبي عنها في الكنيست، سيبدو لنا جليًاأنّ ما يحصل الآن ليس إلا فصلاً آخر في رحلة هذا “النيزك” نحوالارتطام الحتمي الأكيد ؛ فهي ، وبمنأى عمّا ستفضي إليهمحاولات إنقاذها وإحيائها، ستصبح، بلا ريب، مجرّد تجربة لمتتوفر لها شروط البقاء، مذ ولدت في عملية قيصرية عاثرة، وإذا ماراهن البعض في حينه على عكس ذلك فعساه يرى كيف ستسجّلقريبًا في دفتر “الوفيّات السياسي” وستُحفظ فيه تحت بندالمغامرات المستحيلة التي خاضها بعض قادة الجماهير العربيةفي إسرائيل في زمن القحط والقهر والعجز.
لم تكن حكومة إسرائيل العدوّة الوحيدة للقائمة المشتركة – رغم مااستثمرته من جهود جبارة في محاربتها ولم تتدخر في سبيلإفشالها مالًا ولا أبواقاً ولا عملاء – لكنّها، مع كل ذلك، كانتستفشل لولا وفر لها البعض أسبابًا ودوافع كانت كفيلة بتسريعالقضاء عليها كوليدة جاءت إلى هذا العالم وهي عليلة وضعيفة.
لن نكرر ما قلناه في الماضي، فالإبقاء على الإطار فقط كوسيلةتقنية جامعة لم يكفِ للحفاظ على وحدة الأضداد ولا على رأبالتصدّعات بين “الإخوة الأعداء” ؛ ورغم مرور السنين وظهورالأزمات المتكرّرة، لم يسعَ الشركاء من أجل تطوير مفاهيم سياسيةجامعة، واكتفوا بردّات الفعل الموضعية على سياسات الحكومةالعنصرية، في حين حافظت كل مؤسسة حزبية أو حركية فيهاعلى ميراثها الخاص وعززته داخل أروقتها التنظيمية، مستمرة فيالتعامل مع الجماهير بذات الندّية التقليدية مع شريكاتها، وفيكثير من الأحيان بنفس العداوة الموروثة من زمن حروب الواووالضاد وكل ألوان الوجع.
لم يقتصر همّ المشتركة على ما ذكرناه أعلاه، فلقد عانت ، ربماأكثر ، من الصراعات المستفحلة داخل الحزب الواحد بين قادته؛وهي صراعات تحوّلت في بعض الحالات إلى معارك طاحنةرأيناها في الماضي ونراها في هذه الأيام أيضًا. فعلى الرغم منحدوث بعض تلك المعارك داخل الغرف الحركية والحزبية، إلا أنّقعقعات بعضها ملأت أجواء مدننا وقُرانا وأدّت إلى عزوفالكثيرين عن العمل الحزبي والسياسي، وبرّرت لآخرين تهجّماتهمعلى المشتركة ومركّباتها.
لم يجتهد قادة القائمة المشتركة في سبيل تطوير آليّات تشبيكمتطوّرة وحقيقية مع الهيئات القيادية الأخرى العاملة بين الجماهيرالعربية، مثل لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية فياسرائيل واللجنة القطرية للرؤساء، او مع منظمات العمل الأهليوما يسمّى بهيئات المجتمع المدني.
لم ينبع ذلك عن قصور في الرؤى فقط بل كان تعبيرًا حقيقيًّا عنافتقاد القائمة المشتركة إلى مقوّمات “الهيئة القيادية” المخوّلةلاحراز التقدم والتغيير، والقادرة على فرض “هيبتها” الرياديةالسياسية على مفاصل المجتمع، وبين أفراده.
لم يقتصر فشل عناصر القائمة المشتركة على عدم تطوير رؤىسياسية جامعة أساسية، بل رأيناهم يستوردون المواضيع الخلافيةالى داخل صفوفها القيادية، ولم يكترثوا لكون بعض تلك المواضيعدخيلة على مصلحة الجماهير المحلية، ولا علاقة لها بهواجسهمالحياتية واليومية. فمن وقف منهم مع بشار استعدى من كان إلىجانب قطر، ومن هلل لبوتين أغضب أولاد اردوغان، وهكذا إلى أن تحولت هذه المناكفات لسهام تشبه تلك التي يغرزها مصارعوالثيران في جسد “ثورهم“، فتدميه بهدوء إلى أن يخرّ صريعًا.
لم يجتهد قادة المشتركة في وضع موقف أو خطة متفق عليهماليكونا بوصلةً ترشدها في تعاملها مع الدولة ومع مؤسساتها، فلقداحتفظ كل مركّب فيها بمواقفه ازاء الدولة، رغم كونها مواقفمتضاربة ومتناقضة.
لقد أدّى غياب الاتفاق على مواقف الحد الأدنى التي تتيح للقائمة،كجسم تمثيلي جامع، العمل تجاه ومع منظومات الدولة، إلى شللهاأحيانًا، أو الى شططها أحيانًا أخرى، أو الى ردّات فعل فرديةأستجلبت ضد منفّذها هجمات من المزايدات ومن التقريع، مماجعل القائمة تبدو مرارًا في مشهد “كراكوزي” لم يحبّب الناسبها، وذلك في أضعف الحالات.
بات تاريخ تقديم القوائم لرئيس لجنة الانتخابات الاسرائيليةوشيكاً؛ ولا بدّ أن يستنفد جميع الفرقاء خلال هذا الأسبوع كلأحابيل المناورة والمساومة والمزايدة. ورغم ما صرّحوا فيالأسبوعين الأخيرين، أشك أن يبقى الفرقاء على مواقفهم، وقديدفعهم الخوف من السقوط إلى أن “يقبلوا” بما يطالب به كثيرونمن بين العرب المؤمنين بأنّ الوحدة، حتى أذا كانت عرجاء، آمنوأفضل من رقص الفرادى “الحنجلي“. فاذا تمّ ذلك لا أعرف،عندها، من سيدّعي النصر ومن سيبكي ككبش الفداء، لكنني علىقناعة بأن أفعالهم كما شهدناها طيلة هذه الأسابيع قد زوّدتالكثيرين من عامة الشعب بجرعة أخرى من السأم ومن الغضب،كانوا قد تجرّعوا مثلها يوم اندلعت معركة المحاصصات بُعيد دخولباسل غطاس إلى السجن، فروح الانتخابات البرلمانية ما زالت ترفّعلى الكراسي وما يطمح له أحمد يحلم به مازن وما يعشقهمنصور يهواه يوسف.
إنها معركة لن تنتهي إلا اذا كان صمغ “الوحدة” بين الفرقاء أثمنمن مقعد ومن “ايچوهات” منتفخة، يؤثر بعضها أن تقف علىعتبة إسمها الشراكة كي تمر فوقها نحو سماوات الزبد والشعاراتالعابرة.
لديّ إحساس وعندي قناعة بأنّ القائمة المشتركة، في حلتها الرثة،كانت آخر الوسائل التي اضطرت الاحزاب والحركات العربيةتبنّيها، في محاولة بائسة لضمان “بقائها” في عالم السياسيةالاسرائيلية المتغيّر، ورغم انّ ما سوّغ قيامها قبل أربعة أعوام كانحاجة تلك الاحزاب لعبور نسبة الحسم المرتفعة، فهي لم تُقلع ولمتتحوّل إلى “ضرورة وجودية” وذلك لما ذكرته من أسباب، ومنأخرى لا مكان لذكرها ههنا.
ما انفكت جميع تلك الأسباب موجودة وستظلّ، اذ لا أرى كيفولماذا ستزول، ولا من سيزيلها، فالمشكلة لا تكمن في فقه الوحدةبل هي “ذاهبة بعيدًا في أجساد” تلك الأحزاب، التي كما قلنامرارًا، قد شاخت منذ زمن وتكلّست مساكبها.
وأخيرًا، لقد واجهتنا أزمة المشتركة مع مخاضات واقعنا وافرازاتهالحقيقية، وخلاصتها أن لا حزب يستطيع العيش خارج “مياههالاقليمية” وبدون حيّزه السياسي، والأَوْلى بإدراك هذه الحكمةكانت وما زالت “الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة” وهيالخاسرة الكبرى من جميع ما حصل.