القائمة المشتركة ، بقايا نيزك – جواد بولس

 

لم أفاجأ من الفشل في إعادة تركيبالقائمة المشتركةوذلك لماأشرت إليه مسبقًا من أسباب أوصلتني الى قناعة مفادها بأننانعيش آخر فصولالمغامرةونشهد انتهاء حقبة، شكّلت فيهاالأحزاب التقليديةأهم وسائل التأثير على حياة الجماهيرالعربية، السياسية والاجتماعية؛ حيث أدّت تلك الأحزاب دورالناظم الأساسي والمؤثر في هيكلة انتماء الفرد ورسم معالم هويتةأولًا، وهوية المجتمع ورؤاه المختلفة، تباعًا.  

لم ينجح قادة الأحزاب والحركات المشاركة في تركيبة القائمةباستعادة لحمتها، ورغم تصريحاتهم، خلال فترة المخاض، وتغنّيبعضهم بمصلحة الجماهير العليا وتأكيدهم على أنّ بمقدورحزبهم أن يخوض المعركة منفردًا ووحيدًا ، رأينا كيف تمحورتجميع الخلافات، في الواقع، حول محاصصة الكراسي وتأمينمواقعها في القائمة المشتهاة المستغَلة.  

لقد اختلفتُ مع كثيرين عابوا على من يسعى ويناور من أجلتعزيز مكانة مجموعته وكسب أكبر عدد ممكن من الأماكن المتقدمةوالمضمونة في القائمة؛فجميع من ينافس في الانتخابات البرلمانية،بشكل عام،  يطمح ويطمع للحصول على أكبر عدد من الكراسي،ومن لا يفلح في ذلك، فلا معنى لوجوده السياسي.

لا فائدة من الخوض والتفتيش عن المذنبين أو عن المستقيمين أوعن الانتهازيين  الذينكشفتهمعملية المفاوضات، كما أدّعىويدّعي بعض الخائبين من تصرفات قادتهم أو  كما استشاطضدهم بعضالمبدئيين”  الحالمين بعودة  ” أيام اللولو؛ فاليوم،وبعد أن قضي الأمر  وصارت النتائج ناجزة وواضحة أمامنا،على كل من  يؤمن بضرورة المشاركة في عملية الانتخابات أنيتجند لاقناع الآخرين بالتصويت لاحدى هاتين القائمتين.

على جميع الأحوال، فأنا من معسكر من يروا بأن خوضالانتخابات بقائمتين أفضل من خوضها بثلاث قوائم أو بأربع؛ وقدتثبت لنا الأيام أنّ التنافس السليم بين  القائمتين، إذا ضُمن، ليسأسوأ من إجرائها بقائمة مشتركة واحدة، خاصة بعد أن فشلتالمشتركةمنذ اقامتها بالخروج من حقول الالتباس والتخلص منإغواء التجاذبات ومن ممارسة التلعثم الذي قزّم ما أحرزه نوابهامن انجازات ، وأبقاها في عروة خلافات الفرقاء والقادة.

عُرفت المفاوضات، عبر التاريخ، بأنها فنّ يعتمد على الصبر وعلىالخبرة وعلى الحيلة/ الخديعة وعلى قراءة المفاوض لعناصر قوتهالحقيقية وقوة من يتفاوض معهم.

لا أعرف مَن من بين المفاوضين ومستشاريهم تحلى بهذه الشروطومَن بعدِمها، ولكن سيتثبُت للمتبصّر  أن تخلي  “مجموعة الأربعةعن  شعارهمإما المشتركة وإما لوحدنا”  نتج لأنهم مارسوا نفسالتضليل والمراوغة ذاتها، ويكشف، في الوقت ذاته، انهم عرفوا ،ساعة كانوا يناورون، بان حجم قوتهم، بعكس ما أشاعوا، لم يكنكافيًا لعبور نسبة الحسم ولا حتى قريبًا من ذلك؛ وقد استثني منذلك قائمة الجبهة الديمقراطية.

ستبقى هذه التجربة مثارًا للجدالات وللاتهامات المتبادلة بيننشطاء الأحزاب الذين لا يعرفون كيفيهضمونواقع أحزابهمالبائس الجديد ؛ لكنني أعتقد أنها تجربة جديرة بالدراسةوبالتلخيص، خاصةً بما عكسته، منذ لحظة اعلان الطيبي انفصالحركته عن المشتركة، وحتى إضطرار حزبالضادوالقوميةالعربية، حزبالتجمع الديمقراطيأن يعلن، في وقت مبكر منالمفاوضات، شراكته الاستراتيجية معالحركة الاسلاميةوذلكرغم كثرة التناقضات الأساسية بينهما وعمق الهوة في عدد منالمسائل المبدأية؛ وإلى اعلانالجبهة الديمقراطية للسلاموالمساواةوالنائب أحمد الطيبي وحركتهالعربية للتغييردخولهم إلىقمرة  الزواج القسريرغم محاولات الطرفين، حتىاللحظات الأخيرة من موعد تقديم القوائم ، تأزيم الموقف بينهماوايصاله إلى لحظة اللاعودة .

كان لجوء الفرقاء إلى حل القائمتين من بابمكره أخاك لا بطل؛وما شهدناه من تداعيات خلال عملية التفاوض يكشف، علاوة علىالفشل في ترسيخموديلالقائمة المشتركة كوسيلة صحية لتمثيلمصالح المواطنين العرب في إسرائيل، عن وجود أزمة حقيقية فيمنظومة القيادة العربية المحلية، ويستدعي، من جهة أخرى،مجموعة تساؤلات حول ما كان يقصده كل فريق تغنى باسمارادة الشعبورقص على ايقاعاتمصلحة الجماهيرية العليا؛ فتوصُّل الفرقاء، العرضي والتوفيقي طبعًا، إلى ذينك التزاوجين،رغم سعة الفروقات بينهم، كان في محاولة كل جهة منهم ضمانفرصة للدخول تحت قبة البرلمان الاسرائيلي وعدم البقاء خارجهامع شهادة وفاة شعبية.

كان جميعهم، من هذا الباب والمنطلق سواسية كأمشاط المراوغة،ولا فضل لحزب منهم على آخر  إلا بالوسيلة وبالفرصة وبإجادةالحيلة وفن الصبر، فالهدف، عندهم، كان واحدًا.

تنادي أصوات عديدة بين الجماهير العربية في اسرائيل إلىمقاطعة الانتخابات وذلك لأسباب عقائدية معروفة ؛ ولقد انضمتمؤخرًا جهات أخرى لنداءات المقاطعة وتراوحتهوياتهؤلاء بينالخائب أو المدسوس أو اليائس أو الساذج؛ لكننا لا نستطيعالتقليل من أهمية ما جرى في مسيرة التفاوض الأخيرة  كأحدأهم الدوافع المستجدة الذي خلّف استياءً جماهيريًا، سيشكل،بدون ريب، تحديًا جديًا أمام القائمتين وخطرًا حقيقيًا على فرصنجاحهما.

هنالك حاجة ماسة لمراضاة الناس، وللتوجه إليهم باحترام، سعيًالاستعادة  ثقاتهم  وقناعاتهم بضرورة انخراطهم في العمليةالسياسية؛  فبعض قرارات القيادات تمت بفوقية مسّت كرامةالانسان الحر العادي، وأخرى جاءت ملونة بأصباغ أوصلتالكثيرين إلى قناعة بأن القيادة تغالط أو حتى تكذب وأن بعضهايعمل من أجل مصالحه الضيقة فقط .

اعتماد القيادات على شعار ينادي بضرورة اسقاط اليمينومواجهته كمحفز رئيسي لمشاركة الانسان العادي في عمليةالانتخابات وتصويته لاحدى القائمتين، فيه من الغباوة قسط ومنالسذاجة رائحة ومن القصور درجات، لأن أكثرية من سينتخبهمالشعب في اسرائيل ينتمون إلى ذلك اليمين المقصود وإن ظهرواأمامنا بأقنعة مختلفة؛

فجدوا وسائل اقناع أخرى وخاطبوا عقول الناس بشفافية وبصدقوقبلها  اسعوا وتوصلوا حالًا إلى اتفاق يحرّم لغة التقريع والتخوينوالمزايدات بينكم، ويشيع أجواء من الالفة السياسية، ونفسًا قياديًاينقل للشارع روحًا من التوافق تبشّر بأن نجاح القائمتين هو هدفسامي ومصلحة حقيقية يجمع عليها الجميع .

أعرف أن في عالمنا الحاضر لن يستطيع حزب أو حركة سياسيةضبط تصرفات أتباعه، كما كان يوم كان الحزب خلية وصحيفةومنشورا وانتماء يجيز  محاسبة الناشزين في صفوفه؛ ولكن، ورغمذلك، ما زالت هناك قدرة وهامش لضبط بعض المحسوبين علىقيادات الأحزاب وناشطيها المركزيين ومفكريها والمعدودين علىأنهم من خيرةأبواقها”  المجلجة , فهؤلاء يجب اسكاتهم، لا لمنعهممن التعبير عن أرائهم بل لأنهم يحرّضون ويفتنون .

يتساءل كثيرون من أبناء الشعب، بينهم العقلاء والتائهونوالمحرَّضون واليائسون ، عن جدوى مشاركتهم في الانتخاباتالقادمة وعن ضرورة تصويتهم لاحدى القائمتين؛ فمهمتكم أنتجدوا الطريق إليهم والحجة لعقولهم ولقلوبهم.

أنا سأصوت طبعًا لإحدى القائمتين؛  لكنني لست مستشارًاحزبيًا، وأشعر أن الاستخفاف بمشاعر الناس، والاكتفاء باجترارالشعارات الفضفاضة والعامة، سيؤدي إلى التسريع في اختفاءشظايا من ذلك النيزك الذي أسميناه مرّةالقائمة المشتركة” .

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*