معاصر العنب القديمة – فوزي حنا

شعوب كثيرة على مرّ التّاريخ، أنتجت النّبيذ واستعملته في الطّقوس الدّينيّة لما فيه من سحر، حتّى أن بعض الدّيانات جعلت له إلهًا كما القمر والشمس والريح والبحر وقوس قزح وغيرها، وجعلت له عيدًا أو يومًا، وما زالت العديد من الشعوب/ الدّول تحتفل بعيد النّبيذ كفرنسا التي اشتهرت بهذه الصّناعة وذلك لجودة العنب الذي تستعمله لصناعة النّبيذ.توارثت الدّيانات رمزيّة الخمر في طقوسها، وكانت المسيحيّة آخرها، فقد اتّخذته رمزًا لدم السّيّد المسيح. لا غرابة أنّنا نجد المعاصر المنقورة في الصّخر منتشرة في كل بقعة من بقاع الوطن، وتكاد لا تخلو منها خربة. ولعلّ تلك الموجودة في قرية ارتاح من أكبرها على مساحة فلسطين، واكتُشِف مؤخّرًا مجمّع معاصر في يبنى (يڤني) هو الأوسع مساحةً. وإن دلّ هذا على شيء فإنّما يدلّ على انتشار زراعة الكرمة على امتداد الوطن، من الشّمال الماطر إلى الجنوب الصّحراوي، وفي هذا الجنوب الجاف ابتكر الأنباط غرس شجيرات العنب في تلال حجرية سمّيت تلول العنب.بعد الإسلام تغيّر استعمال المعاصر  لإنتاج دبس العنب.تتألّف المعصرة من ثلاثة أقسام (كما يظهر في الصّورة):1. مساحة الدّوس، وهي واسعة وقليلة العمق، وكان العنب يوضع فيها ويداس بأقدام حافيَة لأن الحذاء قد يكسر البذور فيفسدَ الطّعم.2. ممرّ ضيّق بين مساحة الدّوس(2) والبئر (3) ويتم إغلاقها حتى الحصول على العصير المخمّر.3. بئر التّجميع، وفيه يتم ترسيب الرّواسب والحصول على النّبيذ الصّافي اللذيذ.وكانت تقام حلقات الرّقص والاحتفالات بهذه المناسبة.ساد الاعتقاد أن التّخمير يتم في البئر (3)، لكنّ خبير التكنولوجيا القديمة (يشو دراي) أجرى تجربة فريدة في خربة قسطرا قرب حيفا سنة 1996، بإشراف مصنع (كرمل مزراحي)، إذ اتّخذ لتجربته معصرتين متجاورتين، في الأولى ظلّ المعبر (2)مغلقًا ليتم التخمير في (1) لمدّة خمسة أيّام، وبعدها سمح للعصير أن يسيل إلى (3)، وفي الثانية سمح للعصير أن يسيل مباشرة للبئر (3) ليتم التّخمير هناك، وكانت النتيجة أن التخمير في (1) أعطى خمرًا صافيًا جيّد الطّعم، بينما التخمير في(3) أعطى خمرًا عَكِرًا سيّئ الطّعم.(الصّورة من أراضي صفّورية)

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*