مرضى وهم السلام – د.سمير دياب

 

بين وعد بلفور بقيام دولة قومية لليهود في فلسطين، ووعد بوش الابن بإعلان الدولة اليهودية، إلى قرار ترامب بتهويد القدس عاصمة فلسطين المحتلة.. قرن من الصراع المتواصل ضد الاستعمار ومشاريعه التفتيتية واطماعه الحيوية الاستراتيجية في فلسطين والمنطقة العربية.

حقبة نضالية تاريخية طويلة، عامرة بالتضحيات والبطولات، بالانتصارات والانكسارات ..فيها الكثير من التناقضات، وفيها نفي الأعداء وخلاف الاشقاء. نفي العدو الصهيوني للشعب الفلسطيني، وحقد الشقيق لشقيقه العربي . فيها جرائم وفظائع الكيان “الاستعماري السرطاني” لإقتلاع الفلسطيني من أرضه وجذوره والغاء هويته والقضاء على حلمه. وفيها بالمقابل، روائع الصمود الفلسطيني والتشبث بالأرض والهوية وحق العودة والتحرير. فيها ملاحم المقاومة الوطنية، وفيها حقارة المساومة والخيانة.

مائة عام، حافلة بالأمال والخيبات، وحامية بالمواجهات والحروب والإنتفاضات والمقاومات، أفضىت نتائجها لحد اليوم، الى تحميل شعب فلسطين وشعوب المنطقة وزر مسار الخيانة والإرتهان والتبعية للخارج، والمراهنة على مشروع الوعد بالسلام. .

مبدأ السلام، يشبه مبدأ الحب أو الطيران. فالحب يحتاج إلى طرفين، والطيران بحاجة إلى جناحين. اما تجربة قادة فلسطين والعروبة بعد أوسلو، فإنها فاشلة بالأثنين. فلا هم نالوا حب الاميركي، ولا استطاعوا التحليق مع الصهيوني. بل، وقعوا في شِباك مراهقتهم السياسية، وفرطًوا بالقضية، وخسروا وحدتهم وقوتهم وكرامتهم وثقة جماهيرهم.. ما دفع بترامب إلى استغلال لحظة إنعدام التوازن الفلسطيني والعربي بإعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني ودفن عملية السلام .

القرارالترامبي، حشر قادة فلسطين وبلاد العرب في الزاوية، فاجتمعوا وعبروا عن سخطهم وشجبهم وإدانتهم للقرار، وبعد الإطمئنان على إنجاز المهمة الكبيرة، استراحوا، وأحالوا القضية، للمرة الألف، إلى دبلوماسية المفاوضات عبر قنوات الأمم المتحدة، علها تقنع أميركا والكيان الاسرائيلي بالعودة إلى طاولة المباحثات حول نصف القدس وربع فلسطين.
دبلوماسية مرضى ” وهم السلام”، صارت مهزلة ومسخرة بكل المعايير والقيم والمفاهيم الإنسانية.. هذه الدبلوماسية الخيانية الخرقاء سرعان ما ترجمها الصهيوني برعاية الادارة الاميركية إلى جملة إجراءات استيطانية ميدانية في القدس لتثبيت قرار ترامب، كسباً للوقت، واقتناصاً لحالة إنشغال جميع المحشورين بأوضاعهم الداخلية.

اما القرار الشعبي العربي على قرار ترامب ، فتجسد دعماً وتضامناً مع القدس عاصمة عربية أبدية لفلسطين، ومع القضية والإنتفاضة والتحرير. هذه التحركات الميدانية أخافت السلطات القائمة فجرى تطويق وقمع بعضها، أو، تحجيم وتوجيه بعضها الآخر، حتى غدت اليوم خجولة وشبه نادرة. ولن نتحدث عن الدول العربية الرجعية الداعمة والمساهمة في القرار. ليبقى شعب فلسطين بشبابه وأطفاله يعاركون وحدهم وحشية عدو صهيوني عنصري على مرأى من العالم الذي ادار ظهره لأخطر قرار يطال القضية الفلسطينية والعروبة والاسلام والمسيحية. رغم ما جرى في الجمعية العامة للآمم المتحدة من رفض لقرار ترامب والتصويت ضده، لكن هذا التصويت وحده غير كافٍ ما لم يقترن بقرارات وإجراءات عملية سياسية واقتصادية ودبلوماسية عربية ودولية لكسر القرار.

لقد تمرس أبطال الحجارة في فلسطين على الصمود والمقاومة، وتوارثوا كل صنوف القتل والقتل والتعذيب والقهر والتشريد الابعاد والتهجير. وأثبتوا أنهم أهل العزة والكرامة والأمل الجديد القادم مع جيل جديد، واعد، يصنع المستحيل في مواجهة الجلاد الصهيوني، لإحياء قضيته، وإستعادة حقوقه المسلوبة، عن طريق إبتكار أدوات بسيطة وجبارة للمقاومة والإنتفاضة، لقطع الطريق على أصحاب مشروع التهويد ومدراء وسماسرة مشروع السلام.

لقد أثبتت المقاومة الوطنية في جميع أشكالها، أنها الخيار الحقيقي الوحيد لكسر المشروع الإمبريالي والصهيوني الذي يخاف الاحتكاك المباشر معها، فيعمد إلى تغيير جلده وتمويه أدوات مواجهته، مرة باسم الدمار “الديمقراطي” الشامل، ومرة بأسم التطرف الديني الإرهابي، لتمرير مشروع الشرق الاوسط الجديد وأهدافه المعروفة.

لكن المشروع الإمبريالي الأميركي لم يفلح في تطويع شعوب المنطقة، لا في العراق ولا في فلسطين ولبنان وسوريا.. ولم يفلح الصهيوني في تطبيع العلاقات مع الشعبين المصري والاردني بعد إتفاقات كامب ديفيد ووادي عربة. ولم يفلحا معاً في إطفاء جذوة النضال والمقاومة لدى شعوبنا العربية. ولم يستطع الاميركي تلميع صورته في كافة عهوده واقنعته لدى شعوبنا العربية، ولن يستطيع ذلك، لأسباب تاريخية إرتبطت بدور الولايات المتحدة وأهدافها الاستعمارية العدوانية في المنطقة منذ مشروع ايزنهاور عام 1957 لغاية اليوم .
هذا الوعي الشعبي، ليس بحاجة إلى شهادات عليا في الفلسفة أو في علوم الاقتصاد والاجتماع، ولا إلى برامج هيكلة وتكييف وديمقراطية وتنمية مزيفة، ولا إلى خطة سلام وهمية..
هذا الوعي، مصنوع من جينات عربية مقاومة لعدوانية الإستعمار والإحتلال، لن يستطيع ترامب ولا نتانياهو ولا أذنابهم العرب، من قتل أو سحب هذه الجينات، ولا قدرة لخونة القضية على تدنيس شرف المقاومين، وطهارة دماء الشهداء الميامين، وأنفاس الاسرى والمعتقلين، بالخزي والعار ..
هذا الوعي النضالي يحتاج اليوم، إلى التأطير وفق مشروع وطني عربي تحرري شامل، وإلى التجميع والتظهير الثوري، ليشكل مشروع الخلاص الوطني والقومي من المستعمرين والمحتلين والرجعيين ومشاريعهم وحروبهم المتجددة منذ قرن بأشكال مختلفة .. من أجل تحرير فلسطين وتحرر الشعوب العربية المناضلة في سبيل الحرية والديمقراطية والكرامة والتقدم والسلم العالمي.
المقاومة الوطنية الشاملة، هي، فخر ومجد هذا المشروع، بعد أن أثبتت التجربة أن سلوك طريقها وتطوير أدواتها تفضي بوحدتها ووطنيتها وشمولبتها إلى هزيمة المشروع الإمبريالي الاستعماري الجديد. قبل تهويد القدس وشطب فلسطين، وقبل تقسيم خارطة المنطقة وفق مشروع الشرق الاوسط الجديد.

*كاتب سياسي – لبنا

Post Tags:

Total Comments ( 2 )

  • جان زهر ابو اسعد حيفا says:

    حقائق على الأرض الفسطينية لا يمكن انكارها ولكن بأذن الله والتحدي الجبار لما هو جار من عدة اطراف مقاومة متآلفة شريفة سوف تبقى حجر عثرة في الأبقاء على المخططات الأمروصهيونية بمساندة آل سعود وحلفائها عبيد ولاعقي نعال اسيادهم وبأذن الله سوف يتم لهذا الأحتلال البغيض وداعميه ما سبق لغيره ممن احتلوا واستعمروا فلسطين كلهم ذهبوا الى غير رجعة وبقيت فلسطين الوطن كله بعاصمتها الأبدية القدس الشريف بارضها كلها وشعبها كله .

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*