الجوع والفقرالأممي .. للصبر حدود – سمير دياب*

 

اثناء حملته الانتخابية توجه المرشح دونالد ترامب إلى اكثر الفئات الشعبية فقراً في اميركا، حاملاً هموم الطبقة العاملة، بحيث دق في خطابه الشعبوي على وتر ملايين الاميركيين الناقمين على النظام الذي يحكم عليهم بالفقر والتهميش.

هذا الرأسمالي الثري، المتفلت من عقله ولسانه. والمختلف عن اسلافه في تظهير خطابه السياسي، وفي اطلالاته الاعلاميه، وحركاته الفظة مع ضيوفه، وفي تسطيح مقارباته للقضايا الدولية. هو متحدث قليل الحنكة، ضعيف المناورة، وقح في ردوده، وفي طلب إيفاء خدمات بلاده من بلدان رجعية “مدحوشة” خلفه. بحيث بات معروفاً، أن الغلة التي كسبها خلال ساعات من زيارته للخليج حصدت حوالي 500 مليار دولار من السعودية، ثم مقدار نصفهم من قطر.. وحبل صفقات التسليح ( التشليح) الوهمية باتت مكشوفة. اما التلاعب اليومي باسعار النفط والبورصة، فإنها غير كافية لوحدها على حل الأزمة، وغير مجدية كثيراً في الضغط على الصين وروسيا، وغير ناجحة في إخراج إيران من المولد بلا حمص

.

في الواقع، ليس ترامب سوى الوجه الاقبح للإمبريالية. خصوصاً، بعد أن ازاح قناع الدبلوماسية الاميركية، وخلع كفوف البيت الابيض، ليقتحمه عنوة، ويسارع إلى وضع بصمته كرئيس مختلف ومتخصص في “شرقطة التناقضات” الداخلية والخارجية. حيث يسجل منذ استلامه سدة الرئاسة الرقم القياسي في توتير العلاقات الاميركية – الصينية، والاوروبية والكندية والمكسيكية.. وزاد من توتر الوضع في المنطقة العربية، والصراع الفلسطيني –العربي – الصهيوني قراره بنقل سفارة بلاده إلى القدس عاصمة فلسطين، وما سُمي بصفقة القرن. ثم اختبار التوتر النووي العالي مع كوريا الشمالية، والسياسي مع تركيا، ثم العقوبات على إيران وقبلها على سوريا.. واخيراً، قبل يومين، قراره بسحب قواته من سوريا والبقاء في العراق، لاقحام تركيا، وإغراقها في سوريا، وخلط الاوراق في المنطقة، والرهان على تسعير الخلافات الروسية – التركية – الايرانية في سوريا، ثم في العراق، كما في لبنان، عبر إدخال العدو الصهيوني على خط التوتر والفوضى والحرب .

العالم مع ترامب يتكهرب، ويحترق أكثر. والأزمة الاقتصادية تلتهب، والكساد ينتشر، والاسواق المالية العالمية تنهار. اما شعار “أميركا اولاً ” فإنه يرعب حلفاء اميركا خوفاً على مصالحهم وسحقهم أمام توحش ترامب وادارته للأزمة الرأسمالية


فأزمة الرأسمالية فاضت بعد عشر سنوات على الانهيار المالي عام 2008، وأحدثت خللا كبيراً، وحالة من انعدام التوازن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وحتى اليوم ما تزال “البرجوازية” عاجزة عن حل الأزمة الاقتصادية. ولم تؤد محاولات الحكومات المختلفة لاستعادة التوازن الاقتصادي إلا إلى المزيد من توسيع الشروخات الاجتماعية، وتعميم الفقر.

لقد برز في واقع الازمة الرأسمالية الراهنة، أن المجتمع يتفلت من أقنعة صراع الاديان والحضارات ويعود لكشف وجهه الطبقي الحقيقي، ولو لحقبة سابقة (السيد والعبد). أسياد رأسماليون، يشكلون طغمة مالية متوحشة، يسيطرون على النظام والمال، ويعيثون فساداً في الأرض. وعبيد فقراء، يمثلون غالبية الشعوب، يسحقون تحت نير سياسات نيوليبرالية قاسية وظالمة تزيدهم فقراً وحاجة لتأمين اساسيات العيش.

للصبر حدود”، هذا القول، ينطلق بقوة، بأسم الشعوب المتمردة – الثائرة التي لم تعد قادرة على تحمل ظلم وفساد وذل الانظمة الرأسمالية أو التابعة.

سكان العالم يرزحون تحت الأزمة الاقتصادية والمالية للرأسمالية، ولو بأشكال مختلفة، ونسب متفاوته. لكنه، بات من الواضح، أن أكثر من 55% من شباب العالم يعانون من البطالة، يجوبون الطرقات نهاراً بحثاً عن عمل، ويعًدون نجوم السماء ليلاً بحثاً عن حلم الهجرة وتأشيرة سفر.

فكما أصبحت حاجة الشباب للعمل والاستقرار والزواج من المهمات المستحيلة، فإن حاجة الفقراء لتأمين رغيف الخبز من المهمات الصعبة أيضاً.

ليست المسألة في رسم واقع محبط ونافر فقط. إنما، المسألة تكمن في حقيقة واقع مآثر النهب الرأسمالي. ليبنى على الشيئ مقتضاه، ويشكل هذا الواقع برهاناً دامغاً، وتحدياً قوياً لدى الشعوب والقيادات السياسية اليسارية والتقدمية والوطنية المعنية بالبدائل الإنسانية الحية لاتخاذ الخطوات الضرورية للمواجهة والمقاومة والنضال. فالفقر لم يعد محتملاً، وغضب الشعوب بات أممياً.

لقد تحول “محمد البوعزيزي” بلحظة إلى رمز لثورة الجياع في تونس، ثم كرت السبحة، نحو مصر وليبيا ولبنان وسوريا قبل سنوات. لكن غياب المشروع البديل الناظم لثورتهم، وعدم استعداد قوى اليسار والتغيير لتقدم الثورة وقيادتها. ادى إلى إحلال قوى الردة الرجعية والاصولية الدينية والعسكرية والظلامية محل قوى التقدم والاشتراكية، وجذب هذا المد الشعبي الثائر، والركب على قهره وجوعه ووجعه، والاستفادة منه، لتوظيفه في خدمة المشروع الاميركي الاحتياطي، المتمثل بتغيير “رأس الهرم” والإبقاء على “الهرم – النظام” السياسي والاقتصادي والاجتماعي عينه. وبنماذج أرذل.

اليوم، تتكرر انتفاضات الجوع وتتسع، ضد الضرائب والبطالة والصحة والتلوث والفقر.. حيث نشهد حركة احتجاجات شعبية واسعة تطال ساحات تونس، وفرنسا، وبلجيكا، ولبنان، والاردن، والسودان… في مواجهة الأنظمة الرأسمالية أو الطفيلية والكومبرادورية والاستبدادية التابعة والفاسدة. من أجل حقها في الخبز والعمل والعدالة الاجتماعية والحرية والعيش بكرامة والتطور الديمقراطي.

شعاراتها شبة موحدة، ونضالاتها شبة مستنسخة.. أما القمع فواحد. لا فرق، بين قمع النظام الديمقراطي الحضاري (اسبانيا – فرنسا)، أو قمع النظام الرجعي المتخلف. فالدفاع عن الرأسمالية وقيمها، وعن مصالح الطغمة المالية وكبار الاثرياء والطائفية والكراسي والامتيازات الطبقية، تلغي كل الخطوط الديمقراطية والإنسانية ومظاهرها البرجوزاية الكاذبة.

لقد بات الجوع والفقر أممياً، وعلى الشيوعي واليساري والتغييري أن لا يلدغ من الجحر مرتين.. فالفرصة امامه من جديد. ولا مجال للتردد، أو للخوف، وعليه أن يحزم أمره بخوض المعركة الطبقية ويوظفها في خدمة أهداف الجماهير الجائعة والمفقرة من أجل التغيير الجذري.

لم يبق لدى الطبقة العاملة والفئات الكادحة شيئاً لتدفعه، أو لتخسرة. سوى أن تقوم بكسر قيودها (لينين)، وتنطلق بوحدة نضالها لتتحرر من “عظمة جنون” ترامب، ومن استعباد الإمبريالية الاميركية والعالمية، ومن استغلال وفساد عتاعيت الرجعية والتخلف.

28/12/2018

كاتب – لبنان

Post Tags:

Your email address will not be published. Required fields are marked *

*
*